كان الرابع من أغسطس/آب 2020 مفترقا في حياة كثر من اللبنانيين، وخصوصا منهم أبناء جيلي الذين أتحسّر وإياهم على مضي نصف قرن من أعمارنا تحت وابل من الحروب تلو الحروب، والهزائم تلو الهزائم، و"الانتصارات" الوهمية تلو "الأكاذيب" والوعود بتحرير القدس، وسط أنهار من دماء الأبرياء ومئات آلاف الضحايا والمشوهين والمكلومين والخسائر الهائلة المتراكمة والمتمادية التي أثقلت خمسة أجيال، نكبات لامتناهية...
في مثل هذا اليوم كان المستودع الرقم 12 في مرفأ بيروت - كمركز لصادرات نيترات الأمونيوم الى سوريا - نذير شؤم مستجدا عما يخبأ للبنانيين في مخازن ومطابخ الموت المقبلة. بعد تلك الفاجعة التي خطفت أرواح 220 ضحية وأصابت أكثر من 6500 شخص بجروح وأدت إلى تدمير المرفأ وأحياء عدة من العاصمة، هاجرت عائلات، وعشرات آلاف الشباب اللبناني خصوصا، بأرقام غير مسبوقة في فترة زمنية قصيرة، وعزف مغتربون عن العودة النهائية إلى الوطن بعدما انتظروها مدى أعمارهم، وعلى العكس ثبتوا أقدامهم في مغترباتهم، ولا سيما بعد الانهيار النقدي والمصرفي المروع، الذي لا تزال شظاياه القاتلة تتطاير مفاعيلها في بيوت اللبنانيين لتقبض على أرواحهم بصمت رهيب، ومن دون بصيص أمل بحل لاسترداد بعض جنى أعمارهم!