كل ما يتعلق بـ"حزب الله" يمكن النظر إليه من خلال منظارين متناقضين، مؤيد ومعارض، سلاحه، حروبه الداخلية والعابرة للحدود، تحالفاته، إسناد غزة... وتنطبق هذه النظرة على تداعيات الهجوم السيبراني الإسرائيلي الذي تعرض له خلال يومين متعاقبين.
عمليا، لم تغيّر تفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكية التي استهدفت عناصر "حزب الله" على الأراضي اللبنانية وفي سوريا، نظرة المؤيدين ولا المعارضين تجاه الحزب،"الستاتيكو" الشعبي (السياسي) بقي على حاله، البيئة الحاضنة ما زالت حاضنة، بل اتسع حضنها أكثر لاحتواء التحدي الجديد من جهة، ومن جهة أخرى لبذل المزيد من التضحيات، أما البيئة الطاردة، فظلت متمسكة برأيها الرافض، ولم تتأثر بوطأة الهجمات المعادية ولا مشاهد الدماء.
وقد أظهرت البيئة الحاضنة على مدى يومي التفجيرات التي استهدفت نحو أربعة آلاف عنصر من الحزب، تماسكا وتكتلا رهيبين في ما بينها وحول حزبها، ولم يصدر عنها أي شكوى أو تذمر أو نقد أو موقف فيه شبهة خوف أو تردد أو تراجع، وبالتالي لم تتراجع صورة الحزب في عيون بيئته، كقوة إقليمية تقارع إسرائيل وتفرض عليها "توازن رعب" لم تعرفه من قبل، كما لم تؤثر التفجيرات في ثقة البيئة بأن حزبها ما زال قادرا، برغم الخسارة الفادحة في جسمه العسكري، على الذهاب إلى الحرب والعودة منها بالنصر المبين.
علما أن البيئة الحاضنة تعني الطائفة الشيعية وحدها وتقتصر عليها. أما المؤيدون من الأحزاب والأطياف من الطوائف الأخرى والتوجهات السياسية المختلفة، فيُطلق عليهم "الجمهور" تمييزا لهم عن الطائفة. والبيئة الحاضنة هي الكتلة الشعبية المذهبية ضمن حيز جغرافي محدد، بينما الجمهور هو "حالة وطنية"، والطرفان أبديا خلال محنة التفجيرات، كامل الاستعداد والجهوزية لدعم الحزب وحمايته "بالروح وبالدم" وبالمواقف.
المعارضون لمشروع الحزب ومغامراته، خصوصا دخوله في حرب إسناد غزة منفردا، من دون الاحتكام إلى موقف وطني موحد، لم يكترثوا بمجزرة التفجيرات التي طالت عناصره، ولم تؤثر مشاهدها وخساراتها سياسيا ولا إنسانيا في نظرتهم إليه.