فيما يؤكد المصور محمد نتيل دور الصورة خلال الحرب، في اختصار سنوات طويلة من النضال الفلسطيني من أجل الحياة. يهتم النتيل بجوانب مختلفة خلال عمله، ما بين تصوير القصص الإنسانية وجثث القتلى وركام المنازل، كما يهتم بالصور الإنسانية المعبرة، التي تحاكي الآخرين. يروي لنا: "أدى انتشار الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تغيير نظرة أجيال جديدة في العالم حول فلسطين، وهو ما نحاول تحقيقه منذ عقود في خضم نضالنا من أجل التحرير".
أما أحمد الدنف، المهتم بالقصص الإنسانية خلال الحرب، وصور الحياة قبلها، فيقول لنا: "للصورة خصوصية لدى الفلسطينيين في نقل روايتهم للعالم، وتلعب دورا هاما في تسليط الضوء على واقع الحياة الصعب وعشوائية النزوح القاتل الذي تفرضه إسرائيل على أهل القطاع".
جوانب خفيّة
سألنا المصوّرين عن دور الصورة في الحرب. تقول فداء الحسنات: "دور الصورة، نقل الجوانب الخفية لحياة الناس، والمشاهد القاسية لحياة الأبرياء، بما يحاكي الوعي العالمي".
وتعزز الحسنات أهمية نقل الصورة الذكية للجمهور العالمي وتعرّفها بأنها "الصورة التي تتجنب نقل مشاهد الدم التي يكره الإنسان رؤيتها... ليس مستغربا أن تضع مواقع التواصل الاجتماعي قيودا حول مشاهدة تلك الصور، لذا أبحث عن صورة تحاكي الوعي العالمي دون أن تؤذي مشاعره".
لكن محمد نتيل يمنح الصورة دورا أشمل، فمُهمتها لديه، البحث عن الحياة في أي وقت: "لوقت طويل، تمت شيطنة الإنسان الفلسطيني أمام العالم، واستهدفت هويته، حتى أصبح مدانا، لكن الصورة، حتى قبل حرب الإبادة، أسّست لمشاركة الحياة مع الآخرين حول العالم... خلال هذه الحرب انتشرت الصورة الفلسطينية لدى الشعوب، وحشد الجمهور المتضامن مع الأبرياء المعرّضين للإبادة".
"غياب رؤية المستقبل"، تصوير: فداء الحسنات
وتفنّد الحسنات هدف الصورة بالقول: "دوما تتحدث الصورة عن اللحظة وماضيها ومستقبلها، فصورة طفل حاف في مخيمات النزوح، تخبر عن ماضٍ أقل بشاعة لطفل يذهب لمدرسته، وتنذر بمستقبل سيء ينتظر جيل من الأطفال الحفاة، إن لم تتوقف الحرب".
هناك صفات تكتسبها الصورة النابعة من آلام الناس وعذاباتهم، تجعل منها غير عادية. تتحدث الحسنات حول ذلك: "لا يمكن تمييز صورة الحرب عن الصورة العادية سوى بتجسيدها للوجع والحزن الشديد، فحين يتفاعل شخص من الجمهور مع صورة الحرب أكثر، فذلك يعود للتقاطع بين أحزانه وأحزان الآخرين، وهو نمط آخر من أنماط المعرفة لديه".
أما الدنف فيرى خصوصية صورة الحرب، نابعة من كونها "انعكاسا لهول الفظائع التي نمر بها، حيث تغير شكل الحياة بالنسبة إليّ، بعدما كنت قبل الحرب أوثق المناسبات والأفراح ووجه غزة الجميل".
ويتفق المصور نتيل مع زميليه، بأن صورة الحرب ضرورة من نوع خاص: "الحدث في الحرب لا يمكن تكراره نفسها ، فهو حدث نادر، ونحن بعدساتنا في الميدان، شهود عليه، نرى بأعيننا، ووظيفتنا توثيق الجرائم الإسرائيلية، وفضح الجناة.. لذلك تبقى الصورة في الحرب وثيقة لإثبات الحق، فلا يتوجب إهمالها أو إغماض العين عنها".
المشاعر والمهنية
ويواجه المصورون الفلسطينيون خلال الحرب صراعا بين المهنية والمشاعر الشخصية، فأيهما يتغلب؟
تؤكد الحسنات أنها ليست غريبة عن اللقطة التي تنقلها، بل تعيشها وتتأثر بها، فــ"الألم الناجم عن الحرب يتكرر كل لحظة، وهذه الحرب حملت إفراطا في القسوة صنعه الاحتلال الإسرائيلي، وكلما زادت قسوة الصورة، زادت رغبتي في كشف إجرام صانعي الحرب".