تصادف اليوم ذكرى "اليوم الدولي للتفكر في الإبادة في رواندا 1994" الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2004، بعد مرور عشر سنوات على واحدة من أفظع جرائم الإبادة التي شهدها العالم المعاصر، والمفارقة الصادمة أن الخطاب نفسه الذي برر إبادة الروانديين في ذلك الوقت نجده اليوم يتكرر مع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
يتحدث الباحث الأيرلندي يوجين ماكنامي في مقالته "كتابة الإبادة الرواندية: العدالة وسياسات مشاهدة الحدث بعد وقوعه" (مجلة "قانون ونقد"، 2007)، أنه في ربيع وصيف عام 1994، نفذت سلسلة من المجازر في جمهورية رواندا، ورغم أن القتل كان بدائيا –باستخدام المناجل بشكل رئيس – إلا أنه تم بسرعة مذهلة، فمن أصل عدد سكان رواندا الذي يبلغ نحو سبعة ملايين ونصف المليون نسمة، قتل ما لا يقل عن ثمانمائة ألف شخص في مائة يوم فقط. وغالبا ما يتحدث الروانديون عن مليون وفاة، وقد يكونون على صواب. فقد كانت أكثر آلة قتل جماعي فعالية منذ القصف النووي الأميركي لهيروشيما وناغازاكي. هذا العدد الكبير من القتلى يذهب بنا نحو الاعتبارات التي يصيغها المجرمون أثناء قتل ضحاياهم، كيف يطلقون عليهم الصفات التي تجردهم من إنسانيتهم، وتخرجهم من التصنيف الآدمي، وتصفهم بأنهم "حيوانات" و"حشرات" و"برابرة" و"وحوش".
يناقش أستاذ القانون الكندي بايام خاكان في مقالته "منع الإبادة: قياس النجاح من خلال ما لم يحدث" ("منتدى القانون الجنائي"، 2011)، الآليات التي كان يمكن من خلالها تفادي وقوع الإبادة الجماعية في رواندا، ومن أهم هذه الآليات التشويش على محطات الإذاعة التي كانت تحرض على العنف في رواندا، وأهمية التحذير المبكر والتفاعل السريع، ففي بلد ريفي يعاني من الأمية بنسبة 70% مع محدودية مصادر المعلومات، لعبت إذاعة RTLM التي باتت تعرف باسم "إذاعة الإبادة" دورا حاسما في تأجيج الكراهية، وتحريك الجماهير، وتنظيم الإبادة الجماعية، وقد أكد الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في قضية باياراجويزا، أن الراديو كان الوسيلة الأوسع انتشارا في رواندا، حيث استغلت RTLM تاريخ الامتيازات التي يتمتع بها التوتسي ومعاناة الهوتو، وكذلك مخاوف التمرد المسلح، لتحريض السكان على كراهية وعنف موجهين بشكل كبير ضد التوتسي. ولم تكتفِ هذه الإذاعة ببث دعاية الكراهية، بل نشرت أسماء الأفراد المستهدفين بالقتل، مما جعلها أداة رئيسة في تنظيم الإبادة الجماعية وتنفيذها.