"الإخوان المسلمون" في الأردن... من الشراكة إلى الحظر

القرار يطوي مرحلة كاملة ويفتح المستقبل على سيناريوهات عدة

رويترز
رويترز
الشرطة الأردنية تقف خارج مكتب "جبهة العمل الإسلامي" في عمان، الأردن، 23 أبريل 2025

"الإخوان المسلمون" في الأردن... من الشراكة إلى الحظر

في خطوة تُعدّ مفصلية في تاريخ العلاقة بين الدولة الأردنية و"جماعة الإخوان المسلمين"، أعلن وزير الداخلية مازن الفراية رسميًا بعد ظهر الأربعاء، حظر الجماعة في الأردن.

هذا الإعلان لا يأتي من فراغ، بل هو تتويج لمسار طويل من التحولات السياسية والاجتماعية التي خاضتها الجماعة منذ تأسيسها عام 1945 وحتى اليوم.


التأسيس والتفاهم


تأسست "جماعة الإخوان المسلمين" في الأردن عام 1945 كجمعية مرخصة ذات طابع دعوي وخيري، وأقامت منذ البداية علاقة متوازنة مع الدولة، خاصة في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، الذي رأى فيها حليفًا ضد المد القومي واليساري. واستمرت هذه العلاقة حتى سبعينات القرن الماضي، حين وقفت الجماعة إلى جانب الدولة في أحداث الشغب الداخلي والصدام بين الدولة الأردنية وفصائل المقاومة الفلسطينية في الأردن.

التعليم والنقابات والعمل الخيري

امتدت أنشطة الجماعة إلى التعليم والعمل الخيري، فأنشأت المدارس والمراكز الدعوية، وسيطرت على مفاصل مهمة في النقابات المهنية، ما منحها نفوذًا مجتمعيًا واسعًا ساهم في تمكينها سياسيًا لاحقًا، وقد استطاعت الجماعة من خلال هذا التمدد أن تبني قواعد مجتمعية مستندة على العمل الخيري بالإضافة إلى استغلالها لتلك المساحة من التحرك لتأسيس مؤسسات استثمارية لصالحها بين كليات ومعاهد وجامعات وبنوك تضخمت معها ثروتها المالية بشكل كبير.

التسعينات وصعود الجبهة

مع انفتاح الحياة السياسية بعد انتفاضة أبريل/نيسان 1989، وعودة الحياة البرلمانية، أسست الجماعة ذراعها السياسية "جبهة العمل الإسلامي" عام 1992، بدعم ضمني من الدولة في عهد الملك حسين، الذي كان يرى في دمج الإسلاميين في العملية السياسية وسيلة لضبط التوازنات الداخلية. وقد حصدت الجبهة حينها نتائج متقدمة في الانتخابات، وسط ضعف أحزاب اليسار واليمين التقليدي.

في منتصف أبريل 2025، أعلنت الأجهزة الأمنية الأردنية عن إحباط مخطط إرهابي نوعي، وُصف بأنه الأخطر منذ سنوات، كانت تقوده خلية مرتبطة فكريًا وتنظيميًا بـ"جماعة الإخوان المسلمين"

انكسار التفاهمات

لكن مع توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994 الموقعة مع إسرائيل والتي جاءت نتيجة لمفاجأة "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، بدأت تظهر بوادر التوتر مع الدولة، حيث عارضت الجماعة الاتفاق علنًا، وبدأت تأخذ مواقف نقدية من السياسات الخارجية والداخلية، ما دفع السلطات إلى إعادة تقييم العلاقة، ثم جاءت مرحلة "الربيع العربي"، حيث نشطت الجماعة في الحراك الشعبي، ما زاد من فجوة الثقة مع الدولة، وأدى لاحقًا إلى انقسام الجماعة وولادة جمعية مرخصة قانونيًا عام 2015.

تقاطع مع "حماس"

بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي شنّته حركة "حماس" على إسرائيل، بدا أن جماعة "الإخوان" في الأردن بدأت تعيد تموضعها عبر إظهار دعم علني لـ"حماس"، وهو ما اعتبرته الدولة الأردنية محاولة توظيف سياسي لأحداث إقليمية في الداخل الأردني، خاصة أن الخطاب الجماهيري للجماعة بدأ يزداد حدة في الشارع، إلى حد مواجهات مباشرة مع الأجهزة الأمنية وتجاوزات غير مسبوقة في خطاب الإسلاميين.

بترا
وزير الداخلية الأردني مازن الفراية يعلن حظر نشاطات "جماعة الإخوان المسلمين" واعتبارها جمعية غير مشروعة، عمان، 23 أبريل 2025

في الانتخابات النيابية لعام 2023، أتيحت لـ"جبهة العمل الإسلامي" فرصة واضحة للمشاركة السياسية ضمن أجواء انتخابية اتسمت بالنزاهة والشفافية، وهو ما اعتبره مراقبون جزءًا من سياسة الدولة الأردنية لاحتواء التوترات ومنح الإسلاميين منفذًا شرعيًا للتعبير عن مواقفهم عبر البرلمان بدلاً من الشارع، وقد نجح الحزب في حصد عدد من المقاعد البرلمانية، ما شكّل حضورًا سياسيًا معتبرًا.

لكن، ورغم هذه الفرصة، فضّل التيار "الإخواني" مواصلة الضغط الشعبي عبر الشارع، مستثمرًا قضايا إقليمية مثل الحرب على غزة، ما أعاد توتير العلاقة مع الدولة، وأثار تساؤلات حول مدى التزام الجماعة بلعبة السياسة المؤسسية، مقابل إصرارها على الاحتفاظ بزخم الشارع كأداة ضغط موازية، وكانت منهجية الضغط في الشارع ومن خلاله تزداد حدة وتعطيلا لمسارات الإصلاح في الدولة عبر الخطابات الشعبوية التحريضية على المؤسسات والدولة عموما.

لحظة الحسم

في منتصف أبريل/نيسان 2025، أعلنت الأجهزة الأمنية الأردنية عن إحباط مخطط إرهابي نوعي، وُصف بأنه الأخطر منذ سنوات، كانت تقوده خلية مرتبطة فكريًا وتنظيميًا بـ"جماعة الإخوان المسلمين". التحقيقات أظهرت أن أفراد الخلية، وعددهم 16 شخصًا، كانوا بصدد تنفيذ هجمات تستهدف مواقع أمنية داخل الأردن، باستخدام صواريخ قصيرة المدى وطائرات مسيّرة ومواد شديدة الانفجار مثل "TNT" و"C4"، تم تخزينها في مستودعات سرية داخل العاصمة عمّان والزرقاء.

إعلان الحظر الرسمي اليوم يأتي استنادًا إلى قرار محكمة التمييز عام 2020، الذي اعتبر الجماعة غير مرخصة قانونيًا

وتبيّن لاحقًا أن بعض أفراد الخلية تلقوا تدريبات خارج البلاد، وأن هناك روابط مباشرة تربط بعضهم بمجلس شورى الجماعة، ما عزز من قناعة الدولة بأن خطر الجماعة تجاوز الإطار السياسي التقليدي.

ورغم محاولة "جبهة العمل الإسلامي" التنصل من العلاقة عبر تجميد عضوية عدد من المشتبه بهم، فإن الدولة اعتبرت ما حدث دليلاً قاطعًا على وجود ازدواجية خطيرة بين الخطاب السياسي العلني والخطاب التنظيمي الخفي، الأمر الذي عجل بإصدار قرار الحظر بعد أسبوع فقط من الكشف الأمني، كخطوة حاسمة لحماية الأمن الوطني.

قرار الحظر.. تتويج لمسار طويل

إعلان الحظر الرسمي اليوم يأتي استنادًا إلى قرار محكمة التمييز عام 2020، الذي اعتبر الجماعة غير مرخصة قانونيًا. ومع أن جبهة العمل الإسلامي ما تزال حزبًا سياسيًا مرخصًا، فإن القرار يمثل إنهاءً لمسار طويل من التداخل بين الديني والسياسي، ويرسّخ توجه الدولة نحو ضبط الحياة الحزبية وفق محددات القانون الجديد.

أ ف ب
متظاهرون في العاصمة الأردنية عمان يرفعون علمي الأردن وفلسطين بالإضافة إلى أعلام "الإخوان المسلمين"، حيث يتجمعون دعماً لغزة في 27 يناير 2023

التحرك الأمني الأخير وعلى هذا المستوى ثم حظر الجماعة الذي أتى بعد يوم واحد فقط من بيان أصدرته حركة "حماس" في غزة تطالب فيه الأردن بالإفراج عن الضالعين الذين تم القبض عليهم وتحويلهم إلى محكمة أمن الدولة، مما كان استفزازا للعقل السياسي في الدولة وقرينة أخرى للربط بين الجماعة وحركة "حماس" المنفلتة من عقالها، وهو ما جعل بعض المحللين يربطون قرار الحسم بحظر الجماعة نهائيا وتطبيقه وبيان "حماس" الذي كان رد الدولة غير المباشر على هذا التدخل الذي اعتبرته بعض دوائر صنع القرار "سافرا" وغير جائز.

اجتثاث "جماعة الإخوان المسلمين" ليس قرارا سهلا نظرا لاعتماد الدولة الأردنية على الدستور والقوانين وهو ما يجعل عملية رسم سيناريوهات المستقبل مدروسة بعناية سياسية وقانونية محكمة

وحسب محللين، فإن السيناريوهات القادمة هي سياسية بامتياز، ومبنية على المقاربات الأمنية، فحزب "جبهة العمل الإسلامي" حزب مرخص لكنه مبني سياسيا على الجماعة المحظورة، وفي حال إبطال رخصة الحزب فإن مسألة دستورية حضوره في مجلس النواب تصبح محل نقاش والبحث عن حلول يرى البعض أن من بينها حل مجلس النواب الأردني، مما يعني دستوريا إجراء انتخابات خلال أربع شهور مع رحيل الحكومة التي جرى حل المجلس في عهدها. وحسب التعديلات الدستورية الأخيرة فإن رئيس الحكومة التي ترحل لا يمكن تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، وهو ما يتعارض مع رغبة صانع القرار ببقاء الحكومة ورئيسها المكلف حديثا.

إزاء هذه الإشكالية يرى مراقبون أن السيناريوهات قد تتوسع إما إلى إطار ضيق بآليات أكثر تعقيدا تتعلق بفصل نواب البرلمان من "جبهة العمل الإسلامي" والعمل على إحلال من يليهم في الاقتراع من القوائم الوطنية الحزبية، أو حل جذري بفتح الدستور من جديد وتعديل مواده وهو ما يراه البعض حرجا سياسيا مكلفا.

مصدر مقرب في مجلس أعيان الملك طرح سيناريو حل البرلمان وتكليف حكومة جديدة تعمل على الإشراف على الانتخابات لتستقيل بعدها مما يسهل عملية إعادة تكليف الدكتور جعفر حسان من جديد للسير في برنامجه الحكومي الاقتصادي المكثف والذي كانت نتائجه ملموسة في الفترة الأخيرة. وهو ما يعطيه أيضا فرصة لتشكيل أكثر انسجاما مع حديث سابق أن التعديل الحكومي كان وشيكا في فترة ما قبل الأحداث الأخيرة.

أ ف ب
أعضاء مجلس النواب الأردني يحضرون جلسة لمناقشة اتفاقية "إعلان النوايا" بين الأردن وإسرائيل بوساطة أميركية بشأن الطاقة الشمسية للمياه في 15 ديسمبر 2021

إن اجتثاث "جماعة الإخوان المسلمين" ليس قرارا سهلا نظرا لاعتماد الدولة الأردنية على الدستور والقوانين وهو ما يجعل عملية رسم سيناريوهات المستقبل مدروسة بعناية سياسية وقانونية محكمة، لكن القول الفصل أن قرار "إنهاء" الجماعة وتصفيتها سياسيا لا رجعة عنه، وهو ما سيعيد ترتيب الملفات الإقليمية والدولية باتساق أكثر مع المتغيرات في الإقليم والعالم.

وما بين بدايات تعاونية في عهد الحسين، وصعود انتخابي في التسعينات، وانكفاء سياسي بعد "الربيع العربي"، تنتهي اليوم مرحلة كاملة من التاريخ السياسي الأردني، بقرار يطوي صفحة من العلاقات المتشابكة بين الدولة وأخطر تيار من تيارات الإسلام السياسي.

font change

مقالات ذات صلة