بيار بواليفير وحظوظ المحافظين الكنديين المتأرجحة

بدأ بواليفير رحلته السياسية في عام 2004

 غيتي
غيتي
زعيم حزب المحافظين الكندي بيار بواليفير اثناء مؤتمر صحافي في تورنتو في 17 ديسمبر

بيار بواليفير وحظوظ المحافظين الكنديين المتأرجحة

بعد تعيين مارك كارني رئيسا لوزراء كندا وزعيما للحزب الليبرالي في أعقاب الاستقالة الدرامية لجاستن ترودو الذي شغل منصب رئيس الوزراء لفترة طويلة في كندا، باتت خيبة الأمل المتزايدة بين الناخبين الكنديين من أجندة "اليقظة" التي اتبعتها حكومته تمهد الطريق لعودة المحافظين في الانتخابات العامة المقبلة، المقررة في وقت لاحق من هذا العام. وبعد أسابيع من تصدر المحافظين لاستطلاعات الرأي القائلة إن زعيمهم الشاب بيار بواليفير سيحقق نصرا تاريخيا ينهي حكم الليبراليين الطويل، عادت الأرقام لتقول إن حظوظ بواليفر بالفوز أقل من منافسه كارني.

سيمهد مثل هذا التغيير الجذري في المشهد السياسي الكندي الطريق أمام بيار بواليفير، زعيم حزب المحافظين الكندي البالغ من العمر 45 عاما، والذي تعهد منذ فترة طويلة بإنقاذ البلاد من "اليقظة الطوباوية والرهيبة" ليصبح رئيس الوزراء المقبل. هذه الخطوة من شأنها أن تسهم في تقليل التوترات بين كندا وإدارة ترمب المقبلة.

شهدت فترة ولاية جاستن ترودو التي استمرت عقدا من الزمن تبني كندا الكثير من السياسات المثيرة للجدل، بما في ذلك مبادرات مثل تنفيذ ميزانية "محايدة جندريا" والدفاع عن القضايا البيئية. إلا أن عجزه عن التواصل مع مخاوف الكنديين العاديين، الذين يعانون من التأثير المتزايد للتضخم، أدى إلى انهيار كارثي في شعبيته، حيث أبدى ثلاثة أرباع الناخبين الكنديين عدم رضاهم عن أدائه.

وزادت من مأزق ترودو الهجمات المستمرة التي تعرض لها من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي سخر علنا من مكانته السياسية، واصفا إياه في منشوراته على الإنترنت بـ"الحاكم،" الذي يتولى إدارة "ولاية" كندا التي سيضمها ترمب إلى الولايات المتحدة. كما هدد ترمب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المئة على الكنديين، وهي خطوة كان من شأنها أن تُلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد الكندي.

رويترز
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني بين مؤيديه اثناء تجمع في مطار بيرسون الدولي في ميسيسوغا في اونتاريو في 26 نيسان

مع اقتراب الحزب الليبرالي من خطر التلاشي السياسي في الانتخابات المقبلة، لم يكن أمام ترودو خيار يذكر سوى الاستقالة. هذه الخطوة مهدت الطريق لإحياء المحافظين في السياسة الكندية بقيادة بيار بواليفير، قبل ان تتغير الرياح مرة ثانية لمصلحة الليبراليين.

وُلد بواليفير ونشأ في كالغاري، ويحمل درجة في العلاقات الدولية من جامعة كالغاري. وهو يقيم في قرية غريلي بشرق أونتاريو مع زوجته أنايدا، المستشارة السياسية السابقة، وطفليهما فالنتينا وكروز. يُعرّف نفسه بأنه محافظ طوال حياته ومؤيد قوي لسياسات السوق الحرة، ويتولى قيادة حزب المحافظين الكندي منذ عام 2022.

انتقد بواليفير بشدة ضريبة الكربون التي فرضتها حكومة ترودو والتي يعارضها بشكل واضح. لكنه شدد على التزام حزبه بدعم سياسة الهجرة

بدأ بواليفير رحلته السياسية في عام 2004 عندما انتُخب عضوا في البرلمان عن حزب المحافظين. وقد شغل سابقا منصب وزير كبير في مجلس الوزراء خلال فترة ولاية رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر.
وصل بواليفير إلى زعامة حزب المحافظين بعد دعمه لقافلة الحرية في يناير/كانون الثاني 2022، وهي انتفاضة بدأت كاحتجاج من سائقي الشاحنات ضد عمليات الإغلاق المرتبطة بوباء "كوفيد-19"، لكنها سرعان ما تحولت إلى رسالة أوسع "مؤيدة للحرية". وانتشر مقطع فيديو له في عام 2023 وهو يأكل تفاحة بهدوء أثناء الرد على أسئلة أحد المراسلين، كمثال على كيفية التعامل مع صحافي يساري بذكاء وهدوء.
كان بواليفير صريحا بشأن خططه للحد من الإنفاق الحكومي وتقليص البيروقراطية. وفي مقابلة حديثة، تعهّد بتنفيذ "أكبر حملة صارمة على الجريمة في تاريخ كندا"، مؤكدا أن مرتكبي الجرائم المتكررة لن يُسمح لهم بمغادرة السجن. تشمل سياساته الاقتصادية خفض البيروقراطية والمساعدات الأجنبية، وتقليل رسوم الاستشارات، وإلغاء الرعاية الاجتماعية للشركات الكبرى. كما اقترح إزالة ضريبة المبيعات الفيدرالية على المنازل الجديدة التي تقل قيمتها عن مليون دولار لمعالجة أزمة الإسكان في البلاد.
وانتقد بواليفير بشدة ضريبة الكربون التي فرضتها حكومة ترودو والتي يعارضها بشكل واضح. لكنه شدد على التزام حزبه بدعم سياسة الهجرة، ما يبرز اختلافه الواضح عن المواقف المتشددة التي تتبناها بعض الدول الأخرى تجاه قضايا الهجرة.
وعلى الرغم من أن سياسات بواليفير تعكس إلى حد ما سياسات الرئيس المنتخب ترمب، إلا أنها تختلف بشكل واضح في قضايا الهجرة. ففي حين هاجم ترمب المهاجرين مرارا وتعهد بالترحيل الجماعي، أكد بواليفير أن "الحزب المحافظ مؤيد للهجرة". ورغم انفتاحه على العمل مع ترمب، فإن بواليفير لم يتبن سياساته بشكل كامل.
وردا على اقتراحات ترمب المتكررة بأن كندا قد تصبح الولاية رقم 51 في الولايات المتحدة، تعهد بواليفير أن ذلك "لن يحدث أبدا". وأكد أن كندا "لن تكون الولاية رقم 51"، واصفا البلاد بأنها "عظيمة ومستقلة"، وذلك بعد تهديد ترمب بضمها مجددا. كما انتقد حكومة ترودو لفشلها في إثبات أن كندا حليف قوي للولايات المتحدة.
وصرح بواليفير خلال ظهوره في بودكاست غوردان بي بيترسون بأنه يستطيع إبرام "صفقة عظيمة" مع ترمب لزيادة صادرات كندا من النفط والغاز إلى الولايات المتحدة، مما سيجعل البلدين "أكثر أمانا وثراء وقوة". وفي منشور على منصة "إكس" ("تويتر" سابقا)، وصف كندا بأنها "أفضل صديق للولايات المتحدة"، مشيرا إلى دور بلاده في مساعدة الولايات المتحدة على "الرد على هجمات (القاعدة) في 11 سبتمبر/أيلول". كما أضاف أن كندا تزود الولايات المتحدة "بمليارات الدولارات من الطاقة عالية الجودة والموثوقة تماما بأسعار أقل كثيرا من أسعار السوق"، وتشتري "بمئات المليارات من الدولارات من السلع الأميركية".
وأضاف بواليفير: "سأضطر إلى توجيه نداء إلى الكنديين أن يتابعوا نشاطهم السياسي، إذ لا يمكنهم الافتراض أن التصويت في الانتخابات سيحل جميع المشاكل على الفور". وردا على تعليق من بيترسون حول شركات النفط والغاز التي تتبع ما وصفه بـ"الخط الأخضر"، لم يتردد بواليفير في وصفهم بالبلهاء، قائلا: "شركات النفط والغاز الخمس الكبرى في كندا لديها جماعات ضغط حمقاء".

غيتي/ أ ف ب
امرأة تلوح بعلم كندي دعما لسائقي الشاحنات المحتجين على الاجراءات التي رافقت اللقاحات ضد وباء "كوفيد 19" في اوتاوا في 30 يناير 2022

كما يحتفظ بواليفير بقائمة تضم أسماء الأشخاص الذين يعتقد أنهم قد يشكلون عقبة أمام حكومة المحافظين المستقبلية. وقال: "سأحتاج إلى أشخاص يضغطون على مجلس الشيوخ لتبني إصلاحاتي الاقتصادية، وأشخاص يضغطون على رؤساء بلدياتهم ومستشاريهم المحليين للسماح لنا ببناء المساكن. كما سأحتاج إلى شركات تقوم بدورها فعليا".
وعند سؤاله من قِبل بيترسون عن خططه لبناء فريق قوي، ذكر بواليفير أسماء عدد من النواب المحافظين من بينهم أندرو شير، الذي يشغل منصب زعيم الحزب في البرلمان، وميليسا لانتسمان، إحدى نائباته، وجميل جيفاني، النائب عن أونتاريو. 
ووفقا لاستطلاعات الرأي الكندية، تراجعت معدلات تأييد بواليفر بعدما كان الناخبون يراهنون بقوة عليه، خصوصا بعد تولي مارك كارني رئاسة الحكومة والحزب الليبرالي حيث تشير التقديرات إلى أنه يتمتع بفرصة بنسبة 39  في المئة ليصبح رئيس وزراء كندا في الانتخابات العامة المقبلة، بعد أن وصل معدل تأييده إلى ما يزيد على الخمسين في المئة في الأيام الأخيرة من حكم جاستن ترودو.
وبدا بواليفير واثقا من فرصه، حيث نشر بعد استقالة ترودو على منصة "إكس" قائلا إن الليبراليين يحاولون خداع الناخبين من خلال استبدال وجه ليبرالي بآخر "لمواصلة خداع الكنديين لمدة أربع سنوات أخرى، تماما كما فعل جاستن". وأكد أن "الطريقة الوحيدة لإصلاح ما أفسده الليبراليون هي انتخابات ضريبة الكربون لانتخاب المحافظين الذين يتمتعون بالحكمة السليمة والذين سيحملون إلى الوطن الوعد الكندي". بيد أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت أن الخشية الأولى للناخبين الكنديين تتمثل في الإجراءات الاقتصادية والسياسية التي سيتخذها ترمب وإدارته وهو ما عزز فرص المرشح الليبرالي كارني على حساب بواليفر المحافظ الذي رأى كثير من الناخبين أن سياسته حيال الطروحات الأخيرة للولايات المتحدة، لا تتسم بالوضوح المطلوب. 
وبعد عقد من السياسات الليبرالية، ثمة ما يشير إلى أن استقالة ترودو كادت أن تمهد الطريق لفجر جديد للمحافظين في كندا لولا الأثر الثقيل الذي تركته مواقف ترمب وتهديداته المبطنة، ما أعاد خلط الأوراق لغير صالح بواليفر بحسب استطلاعات الرأي. في جميع الأحوال قد تحمل صناديق الاقتراع مفاجآت لا يخلو منها الكثير من الانتخابات، خصوصا في ظرف سياسي متقلب على النحو السائد في كندا اليوم. 

font change

مقالات ذات صلة