مؤتمر القامشلي وتعزيز تضارب المصالح مع دمشق

اندلاع صراع جديد سيقود إلى مزيد من الدمار في سوريا

أ.ف.ب
أ.ف.ب
مظلوم عبدي، القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (SDF)، خلال مؤتمر "الوحدة والتوافق" الكردي في القامشلي في شمال شرق سوريا، 26 أبريل

مؤتمر القامشلي وتعزيز تضارب المصالح مع دمشق

في 26 أبريل/نيسان، انعقد المؤتمر الوطني الكردي، الأول من نوعه، بتنظيم فصيلين كرديين متنافسين ومتخاصمين منذ زمن طويل، هما "المجلس الوطني الكردي في سوريا" وحزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD).

عُقدت الاجتماعات في القامشلي، المدينة الرئيسة في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، التي يطلق عليها الكرد ومعظم المجتمع الدولي اسم "روج آفا".

يشكل الكرد السوريون مكونا رئيسا في سوريا الجديدة الآخذة في التشكل، وقد تلعب مواقفهم دورا حاسما في صياغة مستقبل البلاد، بل وقد تكون عاملا مفصليا في تحديد ما إذا كانت سوريا ستنزلق نحو صراع جديد.

كان هدف المؤتمر، الذي حمل اسم "مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي في روج آفا كردستان"، تشكيلَ وفد كردي موحد بموقف سياسي واحد للتفاوض مع دمشق. غير أن آثار المؤتمر تخطت حدود سوريا، إذ وصف مسعود بارزاني، في رسالة تليت على منصة المؤتمر، الاجتماع بأنه نقطة تحول تاريخية للشعب الكردي.

شهد اللقاء حضور نحو 400 شخص، مثلوا جماعات كردية من داخل سوريا وخارجها، كان الكثير منها في صراع أو خلافات جدية مع بعضها البعض، إلى جانب ممثلين عن منظمات غير حكومية ودبلوماسيين أجانب، وكذلك مسؤولين في أجهزة المخابرات.

وخلال الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، صرح مظلوم عبدي، قائد "قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب"، الجناح المسلح لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي"، بأن الكرد لا ينوون تقسيم سوريا، مؤكدا التزامهم بوحدة أراضيها.

وأضاف عبدي أن منح الكرد حقوقهم سيجعل سوريا أكثر قوة، مشيرا بإيجابية إلى جميع الشرائح العرقية والدينية والطائفية في المجتمع السوري. وقد جاءت هذه الإشارات لطمأنة مختلف الأطراف المعنية.

يبدو أن عبدي ومستشاريه الأجانب، حرصوا على تجنب أي خطوات قد تزيد من توجس الإدارة السورية الجديدة في دمشق، أو تؤجج قلق المكونات الأخرى للمجتمع السوري ودول الجوار

ويبدو أن عبدي ومستشاريه الأجانب، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وفرنسا، حرصوا على تجنب أي خطوات قد تزيد من توجس الإدارة السورية الجديدة في دمشق، أو تؤجج قلق المكونات الأخرى للمجتمع السوري ودول الجوار مثل تركيا والعراق وإيران.

ولخص عبدي في خطابه، وفي تصريحاته السابقة للاجتماع، المطالب والمبادئ الكردية التي اعتمدها المؤتمر كموقف موحد، وأبرز هذه المبادئ:

*الاعتراف بسوريا دولةً متعددة الأعراق والأديان والثقافات، تقوم على نظام اتحادي ولا مركزي.

* الاعتراف بالمناطق الكردية كوحدة سياسية وإدارية واحدة وموحدة داخل سوريا اتحادية.

* إعادة إعمار البنية التحتية في المنطقة الكردية وضمان التوزيع العادل للموارد الطبيعية.

* الاعتراف باللغة الكردية لغةً رسمية ثانية.

* ضمان تمثيل الكرد في جميع مؤسسات الدولة.

*  التراجع عن سياسات مشروع الحزام العربي وإلغاء جميع القرارات المتعلقة بالهندسة الديموغرافية.

*  ضمان الحقوق الدستورية للكرد، بما يشمل اللغة والتعليم وسواهما.

ومع نهاية اليوم، تلا مسؤولون من "حزب الاتحاد الديمقراطي" البيان الختامي الذي أعلن أن المؤتمر توصل إلى موقف كردي مشترك، مع قرار بتشكيل وفد كردي موحد بشكل فوري.

أ ف ب
أحمد الشرع ومظلوم عبدي خلال توقيعهما اتفاق دمج "قسد" في مؤسسات الدولة السورية، دمشق في 10 مارس 2025

لم يتأخر رد الرئيس أحمد الشرع على نتائج المؤتمر، إذ أصدرت الرئاسة السورية بيانًا مكتوبا أشار في بدايته إلى أن الاتفاق الأخير بين الرئيس الشرع وقيادة قوات سوريا الديمقراطية "شكل خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل"، لكنه اعتبر أن التصريحات والتحركات الأخيرة لقيادة "قسد"، الداعية إلى الفيدرالية، تتعارض مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة أراضيها.

وأكد البيان أن "أي محاولة لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت ستار الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل مرفوضة، وأن وحدة سوريا، أرضا وشعبا، خط أحمر."

كما أكد البيان أن "الممارسات التي توحي بتوجهات خطيرة نحو تغيير ديموغرافي في بعض المناطق" تهدد النسيج الاجتماعي السوري وتضعف فرص التوصل إلى حل وطني شامل.

ودعا البيان الرئاسي، الذي رفض محاولات "قوات سوريا الديمقراطية" لاحتكار كل ما يتعلق بـ"روج آفا"، دعا الكرد إلى الالتزام الصادق باتفاق 10 مارس/آذار، وإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية العليا على المصالح الضيقة أو الوصاية الأجنبية.

إصرار الكرد السوريين على مطالب لن تقبلها دمشق ولا الدول المجاورة يفتح الباب أمام احتمالية تجدد الصراع، ولكن اندلاع صراع جديد سيقود إلى مزيد من الدمار في سوريا

وتشير نتائج مؤتمر القامشلي وردّ دمشق عليه إلى تضارب خطير في المصالح داخل سوريا. وبينما لم تصدر تركيا بيانا رسميا، فإنها تشارك دمشق مخاوفها بالكامل، إذ تتعارض العناصر التي أُعلنت في ختام مؤتمر القامشلي، لا سيما الرؤية المتعلقة بالهيكل الإداري المستقبلي لسوريا، مع "الخطوط الحمراء" التي أعلنها وزير الخارجية التركي وكبار المسؤولين الأتراك علنا في الأسابيع الأخيرة.

وفي المقابل، تتعاطف الولايات المتحدة وفرنسا مع وحدات حماية الشعب، وتسعيان إلى إبقائها حليفا محليا في منطقة مليئة بالخصوم والخصوم المحتملين. وقد شاركت الدولتان بنشاط في التوسط بين الجماعات الكردية المتناحرة، السورية وغير السورية، لإقناعها بتسوية خلافاتها. ويمكن القول بأمان إنهما كانتا من بين رعاة مؤتمر القامشلي.

كما تشارك الولايات المتحدة في جهود التقريب بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" على طاولة المفاوضات، وتسعى إلى تخفيف حدة التوترات بين تركيا وهذه القوات. ومن الطبيعي أن لا ترغب واشنطن، التي تستعد لتقليل عدد قواتها العسكرية في سوريا وتخطط للانسحاب الكامل في المستقبل القريب، في رؤية تعقيدات قد تعرقل هذه الخطط.

أ.ف.ب
مظلوم عبدي وحميد دربندي ومسعود بارزاني، في مؤتمر "الوحدة والتوافق" الكردي في القامشلي، 26 أبريل

ومن غير المرجح أن تظل تركيا صامتة إزاء التطورات في سوريا، خاصة في ظل مواجهتها لقضايا داخلية خطيرة. إلا أن أنقرة مطالبة باختيار أفضل الطرق للتعامل مع هذه المشكلات. وعلى الرغم من أن الخيار العسكري يبقى مطروحا، فإن اللجوء إليه قد يضع تركيا في مواجهة مع إدارة ترمب، لذا من المرجح أن تعتمد مزيجا من الدبلوماسية والقوة الصلبة في هذه المرحلة.

ولا بد من الإشارة إلى أن لتركيا عمليتها الخاصة تجاه الكرد، المعروفة باسم "مبادرة تركيا بلا إرهاب،" التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتطورات الجارية في سوريا.

النتيجة أن إصرار الكرد السوريين على مطالب لن تقبلها دمشق ولا الدول المجاورة يفتح الباب أمام احتمالية تجدد الصراع، ولكن اندلاع صراع جديد سيقود إلى مزيد من الدمار في سوريا، وقد يشعل نزاعات محلية أخرى، بل وربما يستدرج دولا إضافية إلى أتون الأزمة.

لذلك، لا يسعنا إلا أن نأمل أن تتحلى جميع الأطراف في سوريا والجهات الفاعلة الأجنبية بالذكاء والحكمة والواقعية الكافية لعدم دفع الأوضاع إلى هذا المصير المظلم.

font change