مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

AlMajalla
AlMajalla

مرصد الأفلام... جولة على أحدث عروض السينما العربية والعالمية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إنتاجات السينما العربية والعالمية، ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل شهريا، دليلا يجمع بين العرض والنقد لجديد الشاشة الكبيرة، على أن تتناول الأفلام الجماهيرية والفنية، من الأنواع كافة، بالإضافة إلى إعادة تقديم فيلم من ذاكرة السينما الكلاسيكية.

Mistress Dispeller

تأليف: شارلوت بينغستين، إليزابيث لو

إخراج: إليزابيث لو

بلد الإنتاج: الصين، الولايات المتحدة

تبدو القصة التي يطرحها الفيلم التسجيلي الصيني، "طاردة العشيقات"، مضحكة، خفيفة الظل، وقادرة على سحب المتفرج من اجتراراته الداخلية إلى عالم سخي بصريا وجذاب يجمع بين مشاهد البناء المعماري المتطورة في العاصمة بكين، وبين مشاهد الطبيعة والأشجار وصوت العصافير. ومع ذلك، فإن الفيلم يحمل أكثر من هذه الطبقة الخارجية السطحية. إنه ليس فقط عن هذه الخبيرة النفسية، التي تعرف ألاعيب الرجال وعشيقاتهم، وتدرك كيف تعيد الأزواج الضالين إلى عش الزوجية الدافئ، عبر تقمص شخصيات عدة، مرة صديقة للزوجة، ومرة مقربة من الزوج، ومرة كتف آمنة تلجأ إليها العشيقة، حين يحاصرها الخوف.

إنه أيضا فيلم عن الحب بأشكاله العديدة وربما حتى المخيفة. حب الزوجة الخمسينية البورجوازية لحياتها الآمنة وزوجها، وشعورها المعدي بالجرح حين تكتشف أن زوجها على علاقة بأخرى، أكثر شبابا. وحب الزوج الأكيد لزوجته، ولبيته المستقر، وأيضا لنفسه، ورغبته في تجديد شبابه والخروج الآمن على الخط المرسوم له سلفا. ثم حب هذه الشابة للرجل الذي ينسيها معاناتها مع الوحدة، وهي تقول في أحد المشاهد: "المشكلة تتعلق بمن لم يصل أولا، وأنا وصلت متأخرة".

فيلم حميمي لا ينسى، ودافع لمشاهدة فيلم المخرجة السابق "ضال" Stray الذي تتبعت فيه حياة كلب ضال في شوارع إسطنبول

ليس ثمة شرير هنا، أو شريرة. حتى هذه الشابة العزباء المتعلقة بالزوج، لا تريد استغلاله ماليا أو حتى تدمير زواجه، إنها حتى تتفهم تماما ما تقوله الزوجة من كلام عنيف، حين تصر الخبيرة النفسية على جمعهما في لقاء واحد، وحاسم. ينتهي بأن تخرج العشيقة طوعا من حياة الزوج مبررة قرارها: "إنها دورة الحب، لقد أعطاني حبا، وأنا أعطيت الحب لزوجته". ربما يصعب تصديق أن هذا الفيلم التسجيلي غير مرتب سلفا، وربما من المستحسن مع هذه المطاردة للحقيقة في مجتمع محافظ كالمجتمع الصيني لا يزال للأسرة وضعها المقدس فيه، ألا نتساءل طويلا عن طريقة تصوير الفيلم.

ملصق فيلم "Mistress Dispeller"

نعرف فقط أن فريق العمل تتبع طوال سنوات حكايات على هذه الشاكلة، إلى أن اختاروا هذه القصة بالذات لمتابعة تطوراتها من جميع الأطراف. فيلم حميمي لا ينسى، ودافع لمشاهدة فيلم المخرجة السابق "ضال" Stray الذي تتبعت فيه حياة كلب ضال في شوارع إسطنبول.

The Amateur

تأليف: كين نولان، جاري سبينلي (عن رواية بالاسم نفسه للكاتب روبرت ليتل)

إخراج: جيمس هاوس

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة

للوهلة الأولى، يبدو "الهاوي"، الذي يؤدي الدور الرئيس فيه رامي مالك، فيلما متوقعا بحبكة انتقام تقليدية. عن شارلي هيلر، الذي تتخذ حياته الرتيبة منحى مباغتا إذ يقرر الانتقام من قتلة زوجته، التي قادتها المصادفة لتقع رهينة في أيد عصابة دولية، بينما تنفذ هذه العصابة عملية إرهابية في فندق كبير في لندن. المصادفة نفسها تقود أطراف العصابة إلى قتل الزوجة سارا (راشيل بروسنان)، لا لضغينة، إنما فقط "لأنها كانت شجاعة وحاولت أن تدافع عن غيرها، وكان علينا أن نتصدى لهذا التصرف علنا"، كما سيشرح له أحد أفراد هذه العصابة، لا شيء شخصيا إذن، وكان من المتوقع أن يتجاوز شارلي الحادثة ويركز على طموحه وعمله في وكالة الاستخبارات المركزية.

ملصق فيلم "The amateur"

نظرا لطبيعة النوع السينمائي، نعرف مسبقا أن شارلي لن يستسلم، وأنه سيصر على الانتقام وينجح، وهو المتفوق في مجال هندسة المعلومات، في الوصول إلى هوية أفراد العصابة، ويقدمها إلى رؤسائه، لكنه في الطريق يكتشف ضلوع الوكالة في تنفيذ عمليات إرهابية في دول عدة، مع التنصل فورا من المسؤولية، والزعم بأن مؤسسات أخرى هي التي تسببت في مقتل هؤلاء الضحايا. وهي نقطة يقرر استخدامها لابتزاز الوكالة، في حالة لم ترضخ لطلبه بتسهيل عملية الانتقام وإعانته عليها لوجستيا وماليا.

المحطة الأخيرة تتعلق بميلاد روحي وإنساني جديد، والوصول إلى ما يشبه النهاية السعيدة في عالم غير سعيد

يحكي الفيلم هذه الحكاية المتوقعة بطريقة غير متوقعة، ويستند الى الرابطة النفسية التي كانت بين شارلي وزوجته، وتجربته في الفقد والحداد التي يصفها السيناريو في مشاهد مؤثرة، كي يبني عليها هذا التحول الذي من المفترض أن تختبره الشخصية من هاو إلى شبه محترف. ما يلفت الانتباه حقا هنا هو صورة البطل، الذي يخالف إلى حد كبير أبطال هوليوود في "الأكشن". شارلي شاب هش، وملتزم ولا يخرج عادة عن الدور المرسوم له سلفا، بهذه النظارة الطبية وحقيبة الظهر، التي تجعل منه غريب الأطوار إلى حد ما أو أخرق قد يفسد خططه. كي يتمكن من تحقيق انتقامه عليه أن يكون واحدا غيره. "المسألة أنك لست قاتلا بالسليقة، في اللحظة المحددة لن تتمكن من إطلاق الرصاص"، كما يقول له مدربه وخصمه في الآن نفسه، هندرسون (لورنس فيشبورن). إن المحطة الأخيرة التي يصل إليها شارلي، تتجاوز مسألة تحقيق انتقامه الشخصي من قتلة زوجته، وانتقامنا كمشاهدين من كذب الوكالة، إنها تتعلق بميلاد روحي وإنساني جديد، والوصول إلى ما يشبه النهاية السعيدة في عالم غير سعيد.

Mickey 17

تأليف: بونغ جون هو (عن رواية للكاتب إدوارد آشتون)

إخراج: بونغ جون هو

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية

أحدث أعمال الكوري الجنوبي صاحب Parasite، الذي قلب عالم السينما رأسا على عقب، بالجوائز السينمائية الرفيعة التي حصل عليها، والإيرادات التي حققها في شباك التذاكر العالمي. هذه نقطة جذب أولية لمشاهدة "ميكي 17"، الذي ينتمي إلى نوع الخيال العلمي، لكن من قبل إلى الكوميديا السوداء والفانتازيا. يحتشد الفيلم المأخوذ عن رواية، بالأفكار والافتراضات التي يبني عليها قصتها، مثلا: أن الحياة على الأرض لم تعد قابلة للعيش، على الرغم من أنها لا تزال مستمرة بشكل ما. وأن الحل لمن يعانون الفقر والوحدة في قاع السلم الاجتماعي للرأسمالية المتوحشة، ربما يكون بأن يتبرعوا بأنفسهم لمصلحة التجارب العلمية، وقد ثبت لا أخلاقيتها على الأرض. لكن ليس في الفضاء. مثل أعمال بونغ جون هو، يركز الفيلم على العدمية التي أنتجتها الرأسمالية الحديثة، وتحلل الروابط، وشعور الإنسان بأنه معاقب وجوديا على أخطاء تافهة ربما ارتكبها وهو لا يزال طفلا.

يركز الفيلم على العدمية التي أنتجتها الرأسمالية الحديثة، وتحلل الروابط، وشعور الإنسان بأنه معاقب وجوديا

إلى أن نصل إلى فكرة الاستنساخ، لكنها هنا لدواعي السخرية، نوع من النسخ، طباعة نسخ من البشر كالورق، الذي يضمن للسفينة الفضائية التي تحاول احتلال كوكب جديد وإجباره على احتواء حملة رجل الأعمال المخبول كينيث مارشال (مارك روفلو) الذي فشل في الانتخابات، ولم يرض غروره بأقل من استعمار الفضاء واختلاق حياة جديدة هناك. بالطبع مزاج مارشال، يذكرنا بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورجال الأعمال من طينته الذين يظنون أنهم بامتلاكهم الثروة يمكنهم التحكم بالمصائر أيضا.

ملصق فيلم "Mickey 17"

وسط هذا العالم المصنوع، يختبر ميكي (روبرت باتنسون)، الذي تبرع بنفسه ليموت عددا لا نهائيا من المرات هربا من مُرابٍ خبيث على الأرض، المزيد من التهميش والمزيد من الخضوع للعدم، إلى أن يلتقي ناشا (ناعومي آكي)، التي تناضل نيابة عنه، وعن آخرين ضد جنون مارشال. يذكرنا "ميكي 17" إلى حد كبير بآفاتار Avatar، لكن بصورة أشد هزلية وأقل جدية. ويذكرنا كذلك بالديستوبي Snowpiercer، للمخرج نفسه الذي كان أشد كآبة. المشكلة أن "ميكي 17" يبقى عالقا في طموح نصفه الأول، الساعة الأولى تقريبا من الفيلم، من دون أن يتمكن من تطوير نفسه. بعد ذلك، يفقد الفيلم بوصلته، ويبقى الأهم تأثيرا فيه شخصية ناشا، وعلاقتها الدافئة بميكي، التي تصلح مهربا مؤقتا لنا، من عطب ذلك العالم.

Beatles' 64

إخراج: ديفيد تيديتشي

بلد الإنتاج: الولايات المتحدة (منصة Disney +)

الوثائقي الذي شارك في إنتاجه مارتن سكورسيزي، وسيظهر في مشهد ضمنه يتحدث جذلا إلى أحد أعضاء فريق "البيتلز" عن ذكريات جولتهم الجميلة، يضم إليه عددا كبيرا من المغنين والكتاب والعشاق الذين تغيرت حياتهم بسبب أغنيات هذا الفريق البريطاني. يركز الفيلم على زيارة "البيتلز" إلى الولايات المتحدة عام 1964، في لحظة تاريخية حساسة، عقب اغتيال الرئيس جون كينيدي وغضب الأميركيين  جراء هذا الاغتيال. غضب، على ما يبدو، سوف توجهه الأجيال الأكبر سنا إلى فريق الشبان، وأغنياتهم الثورية. بينما سيعبر عنه الجيل الأصغر بالافتتان الشديد بالنغمات والموسيقى وبالأربعة شبان المشكلين للفريق. في نيويورك سيجد أعضاء الفريق أنفسهم مضطرين إلى البقاء في الفندق لساعات لأن المعجبين ينتظرون لحظة الخروج، كي يعبروا عن محبتهم الغامرة، بالصراخ الذي صار علامة مميزة لعشاق هذا الفريق.

لقطات تعطي صورة عن شبان صغار لا يأبهون كثيرا بهذه الشهرة التي انفجرت في وجوههم في أميركا

يستخدم الفيلم لقطات أرشيفية صوّرها كل من ألبرت وديفيد مايسلز، لأعضاء الفريق خلال هذه الزيارة في أحاديثهم الودية ومزاحهم، وتنقلاتهم الحذرة من الفندق وخارجه. لقطات تعطي صورة عن شبان صغار لا يأبهون كثيرا بهذه الشهرة التي انفجرت في وجوههم في أميركا. إنهم مشغولون أكثر بالتعبير عن موسيقاهم، واكتشاف أميركا التي ظنوها "أرض الحرية"، قبل أن يكتشفوا أنها ليست كذلك تماما.

إضافة إلى هذه المشاهد، يقدم الفيلم حوارات مع أعضاء الفريق اليوم، ومع بعض المغنين السود الذين وجدوا أنفسهم في موسيقى "البيتلز"، الفريق الذي عبر بلا مواربة عن تأثره بموسيقى الروك آند رول التي صنعها السود، في زمن العصبية الأميركية الثقافية والفنية. من بين الذين يتحدثون في الفيلم المخرج المميز والراحل ديفيد لينش، وهو يقدم تفسيره لهذا النجاح الهائل للبيتلز ليس فقط في أميركا، بل في العالم ككل: "الموسيقى فن مذهل، إنها مثل الماء والهواء والنار". ويضيف عاشق آخر: "للموسيقى طاقة شفائية، لقد كنا نبحث دوما عن مصدر هذا الفن الذي تنتجه الفرقة". ومع محاولات الفيلم للإجابة عن سؤال: لماذا هذا النجاح؟ أو السؤال المقابل: لماذا تلك الكراهية؟ لأن كثيرين كرهوا "البيتلز"، بمن فيهم موظفو السفارة البريطانية الذين تحرشوا بالشبان الأربعة خلال هذه الزيارة. مع كل تلك الأحاديث واللقاءات واللقطات والمشاهد المرممة من الماضي الناصع للفرقة، يبقى سر "البيتلز"، محتجبا مثل سر الفن. فيلم ثري، وممتع لمحبي "البيتلز"، ولمن لا يعرفون عنهم شيئا.

ملصق فيلم "Beatles 64"

متل قصص الحب

إخراج: ميريام الحاج

بلد الإنتاج: لبنان

الفيلم التسجيلي الذي سيبدأ هذا الأسبوع عرضه الجماهيري في القاهرة، يطرح أسئلة صعبة حول علاقتنا النفسية بفكرة الوطن. إنه المكان الذي ننتمي إليه، إجباريا، لكن أيضا اختياريا، ولذا فإننا نسعى إلى تجميله، ونطمح ربما إلى أن يصير على أقرب صورة ممكنة من أحلامنا. لكن ما هي هذه الأحلام؟ أليست تتغير من شخص إلى آخر، حسب موقعنا من هذا الوطن، تاريخنا الشخصي، وحياتنا الماضية؟ هذا ما يركز عليه "متل قصص الحب"، الذي يقدم صورا مختلفة تقريبا للوطن اللبناني من خلال تتبع وجهة نظر ثلاث شخصيات مختلفة إحداها عن الأخرى.

يقدم الفيلم صورا مختلفة تقريبا للوطن اللبناني من خلال تتبع وجهة نظر ثلاث شخصيات مختلفة

 جورج مفرج أو (أبو الليل) الذي أطلق عليه هذا اللقب، لأنه كان يواصل الليل بالنهار أثناء الحرب الأهلية، وهو مقاتل فيها. جمانة حداد الصحافية والكاتبة التي يشهد الفيلم لجانب من نشاطها السياسي منذ العام 2018، حين رشحت نفسها نائبة في البرلمان، مرورا بتظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وصولا إلى مأساة انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/ آب 2020. وستساهم أحداث عدة في انسحاب جمانة حداد من السياسة، ومحاولتها إبقاء دورها الفني كوسيلة للمقاومة.

ملصق فيلم "مثل قصص الحب"

ثم هناك بيرلا جو معلولي، الفنانة الثورية والشابة الراديكالية، التي تهتف في التظاهرات بصوت مرتفع، وتغني على سطوح البيوت، لكنها أيضا تتأرجح بين اليأس والأمل. ميريام الحاج، مخرجة الفيلم تروي بدورها أحلامها عن الوطن، لكن دائما من وراء الكاميرا، هي التي شارك بعض أفراد عائلتها في الحرب الأهلية، وسيمر زمن طويل قبل أن تخرج من مرحلة الطفولة وتتساءل عن حقيقة هذه المشاركة. بين العام والخاص، تنشد الحاج في فيلمها موالا أقرب الى شكوى من الوطن وإليه. في أحد المشاهد تقول جمانة حداد لميريام: "الأمر يشبه قصص الحب، لا تتوقفين عن استدعاء الأمل في أن الأمور ستتحسن، لكن هذا لا يحدث". وحين تعرب ميريام لأبيها عن حزنها على قصة الحب التي تصادف أن انتهت بالتزامن مع انفجار المرفأ، يجيبها: "من لم يمت من الحرب، ولا بالانفجار، لا يمكن أن يموت بسبب قصة حب، إنه مضطر للنهوض والاستمرار". فيلم حميمي، متدفق، وشجي.

من ذاكرة السينما

"الطوق" - 1963

 إخراج: محمد سالم.

بلد الإنتاج: مصر

في أوساط السينمائيين المصريين، يقال إن هذا الفيلم الذي بشر بميلاد مخرج كبير هو محمد سالم، تعرض للمنع من العرض أيام جمال عبد الناصر، مما أثر في وصوله إلى المتفرجين، برغم المحتوى التقدمي والإنساني الذي قدمه آنذاك. يحكي "الطوق" حكايته بالأبيض والأسود، خلال ثلث ساعة تقريبا، من وجهة نظر الكلبة تاكي، التي تعيش في بيت لطيف مع صديقتها القطة، والطفل الصغير أشرف، الذي ترعاه تاكي، وصاحبة البيت التي ترعى بدورها الكلبة والقطة، لكن في الأساس ترعى ابنها الصغير.

ثمة جانب مباشر وتوعوي في الحكاية يتعلق أصلا بتحريك عاطفة المتفرج رأفة بالحيوانات

نتيجة لسوء فهم غير مقصود، تتناول القطة طعام الصغير أشرف، وتتهم في المسألة تاكي، فتطردها صاحبة البيت، لتلحق بها القطة، وتخوض الاثنتان رحلة شاقة نسبيا في شوارع القاهرة ونيلها، لكن ليس قبل أن تقرر القطة لتاكي أن عليها أن ترتدي "الطوق"، بما أن الكلبة حتى هذه اللحظة لم تكن ترتديه. وتفعل الكلبة، لكن القطة تسقط بالخطأ في النيل، وتعيش تاكي وحدة طويلة ولوعة حتى نهاية الفيلم بعد ذلك.

فيلم "الطوق"، إخراج محمد سالم، 1963

يبدو "الطوق" مختلفا على أفلام الأبيض والأسود، وحتى الأفلام المصرية الحديثة ليس فقط لطريقته الجديدة في السرد من وجهة نظر الحيوانات لا البشر، و قد لا تكون تكررت في أفلام أخرى. إنما كذلك في أسلوبه الإبداعي، في تقديم رؤية للعالم بعين الكلبة تاكي، إذ تجد نفسها مضطرة للخضوع إلى إرادة البشر، بما يمثله استبقاؤها للطوق على رقبتها رغم محاولة ضيف الشرف جورج سيدهم خلعه عنها. حتى مشهد الرقص الرجالي الذي تطل عليه تاكي في المسرح الذي تسللت إليه، ثم لاحقا مشهد رقص سيدة جميلة من علبة تغني للأطفال، كلها تقدم خيالا سينمائيا طازجا وجريئا ربما لم نشهده في أعمال مصرية أخرى. هناك بضع جمل حوارية في الفيلم، إلا أنه يظل أقرب الى فيلم صامت، تؤدي فيه الموسيقى الدور السردي الأساس، بما يتماشى مع السرد من وجهة نظر غير إنسانية.

بالطبع، ثمة جانب مباشر وتوعوي في الحكاية يتعلق أصلا بتحريك عاطفة المتفرج رأفة بالحيوانات، بدعوته ألا يسيء معاملتها، لأنها أيضا تحس. لكن ما يدعو الى الإعجاب أكثر في "الطوق"، قدرة صانعه على إدارة الكلب والقطة وحتى الطفل الصغير ليؤدوا مشاهد تمثيلية مقنعة إلى هذا الحد، وفي مرحلة مبكرة نسبيا من عمر السينما المصرية. يستحق فيلم "الطوق" أن يرمم، وأن يشاهد على نطاق واسع، لا سيما اليوم وحالات العنف ضد الحيوان تزداد بصورة مؤسفة.

font change