في الرابع من مايو/أيار 2025، تعرض مطار بورتسودان لهجوم انتحاري بطائرات مسيرة، وهو أول هجوم من نوعه يستهدف العاصمة الإدارية المؤقتة، للحكومة السودانية منذ بداية الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023. ويمثل هذا الهجوم تصعيدا ملحوظا في الصراع، إذ يغير الصورة الأمنية للمدينة، التي كانت تُعتبر حتى وقت قريب ملاذا آمنا نسبيا. فقد ظلت بورتسودان، التي أُعلنت عاصمة مؤقتة للبلاد، ولا تزال كذلك حتى بعد تحرير الخرطوم، بمنأى عن القتال المباشر لأكثر من عامين، مما جعلها مركزا حيويا للحكومة، ومقرا رئيسا للمنظمات الإنسانية، بالإضافة إلى استضافتها أعدادا كبيرة من النازحين. لا يكتفي هذا الهجوم بكسر هذا الهدوء، والإشارة إلى احتمال اتساع الرقعة الجغرافية للصراع فحسب، بل يشير أيضا إلى تغيير نوعي وجيوسياسي كبير في مجراه.
فقد أفاد بيان الحكومة السودانية الرسمي أن الهجوم على مطار بورتسودان، نفّذته سبع طائرات مسيرة انتحارية، شكّلت غطاء لهجوم آخر نفذته طائرة استراتيجية، على قاعدة عثمان دقنة الجوية، مما أسفر عن أضرار مادية تمثلت في تدمير مستودع للذخيرة، في القاعدة الحربية، ومنشآت مدنية في المطار، دون وقوع خسائر في الأرواح. جاء هذا الهجوم على مطار بورتسودان في اليوم التالي لهجوم مماثل على مطار مدينة كسلا، القريبة من الحدود السودانية الإريترية، وتكرر الهجوم على المدينتين مرة أخرى يوم الاثنين 5 مايو 2025.
يشير هذا الهجوم إلى تحول في استراتيجيات ميليشيا "قوات الدعم السريع" بعد خسارتها مواقعها في وسط البلاد، بما في ذلك الخرطوم والجزيرة. فمع استعادة القوات المسلحة السودانية السيطرة على العاصمة، قد تسعى "قوات الدعم السريع" إلى استعراض قوتها، وزعزعة استقرار الحكومة في مركزها الإداري الجديد، بالإضافة إلى هجماتها المستمرة على البنية التحتية الحيوية، مثل السدود ومحطات المياه والكهرباء. فقد ظل سد مروي، الذي يقع في الولاية الشمالية، ويُعتبر أكبر منشأة حيوية لتوليد الكهرباء في السودان (إذ ينتج بالتوليد الكهرومائي حوالي 40 إلى 60 في المئة من إنتاج السودان من الكهرباء) يتعرض للقصف بالمسيرات بشكل متكرر منذ يناير/كانون الثاني 2025، وكان آخر هذه الهجمات في منتصف أبريل الماضي. كما تعرضت محطات كهرباء الشواك في ولاية القضارف، ومحطة كهرباء دنقلا في الولاية الشمالية، ومحطة كهرباء أم دباكر الحرارية في ولاية النيل الأبيض، ومحطة كهرباء عطبرة في ولاية نهر النيل، وغيرها من المنشآت الحيوية لهجمات مماثلة.
استخدمت الميليشيا في هذه الهجمات طائرات مسيرة من طرازي "FH-95 وCH-95 "المصنعة في الصين، والتي يصل مدى طيرانها إلى 200 كيلومتر، بينما أفادت تقارير أخرى وصور أقمار صناعية، أن "قوات الدعم السريع" حصلت أيضا على مسيرات صينية من طراز (Wing Loong II)، الأكثر تطورا.
اكتسبت مدينة بورتسودان أهمية استراتيجية بالغة في السودان، الذي مزقته الحرب، خاصة بعد أن أصبحت العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة السودانية. فقد انتقلت إليها الكثير من الوزارات والمنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية لمباشرة أعمالها. كما أن بورتسودان هي الميناء الرئيس للسودان، وتمر عبرها حوالي 90 في المئة من التجارة الدولية للبلاد، وهي المحطة الأساسية لاستقبال المساعدات الإنسانية. علاوة على ذلك، أصبحت بورتسودان أحد الملاجئ الأساسية للنازحين داخليا بسبب الحرب، مما زاد من أهميتها من جهة، ومن الضغط على بنيتها التحتية ومواردها من جهة أخرى. ويُعتبر مطار بورتسودان، آخر مطار دولي يعمل حاليا في السودان.