تجد ليبيا نفسها في أسوأ أحوالها منذ عام 2020، حين أنهى وقف إطلاق النار الحرب الأهلية بين الحكومة التي تسيطر على غرب البلاد المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والقوات الشرقية بقيادة الجنرال خليفة حفتر.
ومنذ ذلك الحين، فشلت سلسلة من الجهود المدعومة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في إجراء انتخابات وطنية أو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وهو ما مكّن حفتر ورئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة من البقاء في السلطة دون أن يفكر أي منهما في المغادرة. وبينما تعهد كلاهما بالتنازل عن السلطة لحكومة انتقالية جديدة، فإن أيا منهما لا يبدو عازما على التنازل عن امتيازات الوضع الراهن، التي تشمل استخدام مقدرات الدولة لمضاعفة ثروات عائلتيهما وتوزيعها على حلفائهما.
تحولت ليبيا في واقع الحال إلى دولة ذات حكم كليبتوقراطي بحكامها الفاسدين الذين ينهبون ثروات البلاد، وبخاصة ثرواتها النفطية، التي لو قُيّض لها أن تدار بشكل صحيح، لما اكتفت بالوفاء باحتياجات سكانها وحسب، بل لكانت قادرة على تنمية المنطقة بأسرها، ولأعطت ليبيا مكانة مرموقة بين الدول الثرية. لكن البلاد لا تزال غارقة في اختلالات اقتصادية عميقة. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى فشلين مترابطين في السياسات الاقتصادية: قطاع عام متضخم يوظّف غالبية القوة العاملة، ودعم للوقود يشكّل أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد شجّع هذا الدعم منذ زمن طويل على التهريب عبر الحدود– وهو ما يبدو اليوم تفصيلا ثانويا بالمقارنة مع حجم النهب المنظّم الذي تتعرض له الدولة.
توضح سلسلة من التقارير الأخيرة بالتفصيل اختفاء مليارات الدولارات من الأموال العامة. ويكشف التقرير السنوي للجنة خبراء الأمم المتحدة، التي أنشئت بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1973، مخططا جرى بموجبه "مقايضة" بعض صادرات النفط الليبية بالديزل اللازم لتوليد الكهرباء. ويصف التقرير، إضافة إلى تحقيق لاحق نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز،" كيف أدى هذا المخطط الذي لم يتسم بالشفافية إلى اختفاء مليارات الدولارات من إيرادات البنك المركزي. وقد خضعت الشركة الوطنية للكهرباء للتحقيق لأنها دعمت هذا المخطط.