تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من حروب أهلية وحروب بالوكالة أدت إلى تفكك دول، وتدمير اقتصادات وتشريد ملايين البشر. وإن تكلفة إعادة الإعمار من الناحية النقدية وحدها مذهلة، وتقدر بنحو ثلاثة أرباع تريليون دولار، كما أن التحديات السياسية من حيث إنهاء الحروب، وقيام الدول الفاعلة، وخلق البيئة الإقليمية التي يمكن أن تمنع الانهيار في المستقبل، وتحافظ على إعادة الإعمار هائلة أيضا.
الخسائر الفادحة للحروب
لم تكن العقود القليلة الماضية رؤوفة بالمنطقة. فقد انهار لبنان في حرب أهلية اندلعت عام 1975، وتعافى نسبيا بحلول عام 1990، وشرع في مسار لإعادة الإعمار خلال تسعينات القرن الماضي. غير أنه ما لبث أن انجرف مجددا إلى مواجهات متكررة مع إسرائيل، نتيجة ترسّخ النفوذ الإيراني عبر "حزب الله". أما الحرب الأخيرة، التي لا تزال رحاها دائرة، فقد رفعت تقديرات احتياجات إعادة الإعمار في لبنان، إلى ما يتجاوز أحد عشر مليار دولار.
وفي اليمن الذي عرف دوامة من الحروب الأهلية، التي لم تتوقف منذ ستينات القرن الماضي، تقف البلاد اليوم عند مفترق سياسي بالغ الهشاشة. وإذا ما جرى التوصل إلى تسوية تنهي النزاع، فإن تقديرات تكاليف إعادة الإعمار، قد تتجاوز خمسة وعشرين مليار دولار.
أما سوريا، فقد مزّقتها الحرب عقب انتفاضة عام 2011، لتتحول من دولة ذات دخل متوسط أدنى، إلى واحدة من أفقر بلدان المنطقة. واليوم، بدأ نظام جديد في دمشق، وإذا ما قُيِّض له أن يوحد الدولة ويعيد بناء مؤسساتها، فقد تصل كلفة إعادة الإعمار إلى ما يقارب 400 مليار دولار.
وفي العراق، تراكمت المآسي على مدى عقود: حرب طويلة مع إيران في الثمانينات، تلتها سنوات من العقوبات الاقتصادية الخانقة، ثم الغزو الأميركي في عام 2003، وما تبعه من انهيار للنظام. ويصعب تقدير إجمالي كلفة إعادة الإعمار في العراق، غير أن الأضرار الناجمة عن الحرب مع تنظيم "داعش" وحدها، والتي اندلعت عام 2015، قدّرت آنذاك بنحو ثمانية وثمانين مليار دولار.
وأسفرت الحروب المتكررة في فلسطين بين "حماس" وإسرائيل عن خسائر جسيمة، إلا أن الكارثة التي حلّت بغزة بعد هجوم "حماس" في أكتوبر/تشرين الأول 2023 فاقت كل سابقاتها من حيث حجم الدمار. وتشير التقديرات إلى أن كلفة إعادة الإعمار هناك، قد تتجاوز خمسين مليار دولار.