نفط وغاز سوريا ولبنان رهينة إعادة رسم خرائط المنطقةhttps://www.majalla.com/node/325288/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%88%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D9%87%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%B1%D8%B3%D9%85-%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9
لا يزال الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يعيش اللحظة الفاصلة التي صنعتها حرب غزة، وما تلاها من حرب في لبنان، وما نجم عنهما من تداعيات ومتغيرات سياسية وعسكرية رسمت مشهدا جديدا في المنطقة، وأنتجت تبدلا سريعا في موازين القوى، لم يكن أي من التحليلات قادرا على التكهن بحدوثه.
فرضت هذه التداعيات أمر واقع جديد، تحميه القوة العسكرية من جهة، والرضا الأميركي من جهة أخرى، وتعيد رسم الحدود البرية والبحرية، لدول المنطقة، ليس على قاعدة توسع نفوذ الدول الأقوى فحسب، بل وفق أجندة إقتصادية عمادها حقول النفط والغاز، والمكامن البحرية والبرية و"البلوكات" المكتشفة، أو التي لا تزال قيد التلزيم.
حلم النفط اللبناني والتوسع الاسرائيلي
وفيما لا يزال لبنان يعيش على حلم إستخراج ثروته الغازية والنفطية الدفينة في المتوسط، علَّه ينقذ إقتصاده وعملته من الانهيار المتمادي الذي يعانيه منذ 2019، تتطلع دمشق للعودة إلى استئناف إنتاج النفط والغاز في سوريا، والاستفادة من عائداته في بناء الدولة، واقتصادها ومؤسساتها المفككة، وإعادة إعمار المدن والبنى التحتية التي دمرت إبان حكم النظام السابق.
قدرت احتياطات الغاز في مياه لبنان الاقليمية بـ30 تريليون قدم مكعب، بالإضافة إلى 650 مليون برميل من النفط
توازيا، تعمل إسرائيل مجددا على التوسع أكثر، برا وبحرا، وتتوغل أكثر في العمقين السوري واللبناني، بعدما استطاع جيشها، كسر الآلة العسكرية لقوى إيران في المنطقة، متمثلة بـ"حزب الله"، وفرار بشار الأسد إلى موسكو، مما فتح لها باب السيطرة على قسم كبير من مكامن النفط والغاز، بحرا من حقل كاريش الحدودي مع لبنان، وصولا إلى الحقول السورية المحاذية للحقول التركية والقبرصية شمالا.
مضخات نفط متوقفة عن العمل في ضواحي منطقة القامشلي، 3 فبراير 2025
من هنا، فإن الصراع على الغاز والنفط، قد يكونان يتقدمان حاليا على كل العناوين التي كانت تتحكم بالحراك السياسي والعسكري في المنطقة. فسوريا التي تملك نحو 700 مليار متر مكعب، في مياهها الاقتصادية، وفق الهيئة الأميركية للجيولوجيا، تعمل على تمهيد الطريق لادارة ثروتها النفطية في محاذاة البحر المتوسط.
من يحسم ترسيم الحدود البحرية؟
ولبنان الذي قُدِّرَت احتياطات الغاز في مياهه الاقتصادية، بـ30 تريليون قدم مكعب، بالإضافة إلى 650 مليون برميل من النفط، يخشى استيلاء إسرائيل على الغاز والنفط البحري، وخصوصا في المناطق المتاخمة والمتداخلة عند حدوده الجنوبية، مع العمق البحري الاقتصادي الإسرائيلي.
لذا لم تكن مستغربة، مسارعة تركيا ولبنان، عقب انهيار نظام الأسد، إلى المطالبة بالإسراع في ترسيم الحدود البحرية، كلٌ وفق منطلقه. وقد أتى تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأن تركيا ستتعاون مع الحكم السوري الجديد لترسيم الحدود البحرية بينهما، ليزيد حنق قبرص، التي تعتبر أن أي تقدم للدور التركي في البحر المتوسط، يشكل ضررا وخطرا على أمنها الاقتصادي والسياسي.
تقدر الطاقة الإنتاجية لحقل "كاريش" بنحو 1,5 إلى 2 تريليون قدم مكعب، وهو على الرغم من قربه بضعة كيلومترات من الحدود اللبنانية، لم يجرؤ أحد على التعرض إليه أو قصفه خلال الحرب الأخيرة
أما اللبنانيون، فيريدون تحديد المكامن النفطية والغازية المحاذية للحدود البحرية السورية، بعدما عقد لبنان اتفاقا غير مباشر، في رعاية أميركية، قضى بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، عند الخط 23، على الرغم من اعتراضات سياسية وشعبية عليه.
وكانت سوريا قد تحفظت إبان حكم الأسد، عن المرسوم اللبناني الرقم 6433، الذي أصدرته الدولة اللبنانية، والذي تضمن تحديد إحداثيات حدود المنطقة الاقتصادية المشتركة مع سوريا وقبرص وإسرائيل.
في انتظار خريطة الشرق الأوسط الجديد؟
الخطر على الغاز والنفط اللبناني والسوري جدي، وإمكان إبقاء البلدين في عطش نفطي ممكن، فالجميع يعلم أن ارتباط الاستكشاف والتنقيب عن النفط، والاستثمار في استخراجه وتصديره، ومنح الأذونات لذلك، ترتبط ارتباطا عضويا بسياسة الدول الأقوى في المنطقة ومصالحها، لذا لا ضير من القول، إن أحلام الإعمار والانقاذ الاقتصادي والنقدي في لبنان وسوريا، ستبقى أسيرة تبلور نتائج رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
حقل ليفياثان الإسرائيلي للغاز في البحر المتوسط قبالة سواحل مدينة قيسارية، 25 يناير 2022
من المفيد الإشارة إلى أن حجم احتياطات الغاز في حقل "كاريش" البحري، تقدر بنحو 1,5 إلى 2 تريليون قدم مكعب، وهو على الرغم من قربه بضعة كيلومترات من الحدود البحرية اللبنانية، لم يجرؤ أحد في الجانب اللبناني على التعرض إليه أو قصفه خلال الحرب الأخيرة، وبقيت منصة "كاريش" تعمل بشكل طبيعي وآمن. وهذا ما يبرز حجم الاهتمام الذي يوليه الأميركيون والإسرائيليون معا لغاز المنطقة ونفطها، والحماية المؤمنة لمكامنها ومنصاتها، بما يؤكد أهمية الثروة الغازية الكامنة تحت مياه البحر الأبيض المتوسط ووظيفتها الاستراتيجية.
إلى ذلك الحين، يبقى السؤال: ما مصير النفط والغاز؟ وهل لا يزال لبنان يحتفظ بحصته السابقة عينها من حقوقه في ثروته النفطية؟ وأين أصبح ملف التفاوض؟
ما مصير الغاز والنفط اللبناني والسوري؟
إلى ذلك الحين، يبقى السؤال: ما مصير النفط والغاز؟ وهل لا يزال لبنان يحتفظ بحصته السابقة عينها من حقوقه في ثروته النفطية؟ وأين أصبح ملف التفاوض في شأنها؟
أكدت المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز ديانا القيسي لـ"المجلة" أن "عمليات التنقيب والانتاج عادة ما تتوقف في حال حدوث أي اهتزازات أو اضطرابات أمنية في البلد. ولكن بالنسبة للبنان وسوريا، من غير المتوقع أن تكون هناك حماسة لعودة الشركات للعمل في هذا المجال في المستقبل القريب".
سوري يملأ برميلا من النفط الذي تسرب من أنابيب حقل رميلان في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا، 2 مارس 2025
وأشارت إلى أن "الوضع في سوريا يختلف عن لبنان، إذ قبل الحرب التي استمرت 14 عاما، كان ثمة شركات كبيرة تعمل في البلاد مثل "شل"، "توتال"، و"سامكور"، بيد أنها اضطرت لوقف عملياتها بالكامل عامي 2011 و2012، وتركت التنقيب واستخراج النفط والحقول النفطية السورية، بما فيها الحقول البرية التي توقفت بشكل كامل بعد أن كانت تضخ النفط، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج النفطي السوري إلى نحو 80 ألف برميل يوميا، مع اعتماد رئيس على النفط الذي كان النظام السابق يستورده من إيران، بعد فرض عقوبات دولية على سوريا ومنعها من استيراد النفط".
صحيح أن الثروة النفطية سواء في البر أو في أعماق البحر، هي نفسها ولم تتناقص، ولكن ما تغير هو مدى إقبال المستثمرين وشهيتهم للتنقيب في لبنان
ديانا القيسي، المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز
حاليا، يبدو أن الوضع تغير إلى حد ما، إذ توضح القيسي أنه "في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، صدرت تصريحات عن الحكومة السورية الجديدة، تؤكد رغبتها في إعادة عمليات التنقيب عن النفط إلى مسارها الصحيح. مع ذلك، ثمة قلة في الحديث عن التنقيب في المياه السورية، حيث كان النظام السوري السابق قد بدأ عمليات استكشافية في مناطق محددة، وخصوصا في الكتل البحرية القريبة من لبنان، بما في ذلك المناطق الحدودية الشمالية للبنان والجنوبية لسوريا. لكن، في ظل الأوضاع الحالية وغياب الاستقرار، من غير المحتمل أن تخاطر أي شركة أجنبية بالدخول إلى هذا المجال".
إحجام الشركات عن الاستثمار في لبنان
ماذا عن لبنان؟ تقول القيسي إن "الوضع لا يبدو أفضل بكثير. فالنزاعات والاعتداءات المستمرة لا تشجع الشركات على الاستثمار. فقد انتهت الجولة الثالثة من التراخيص الشهر الماضي دون تقديم أي شركة لعروض. وحاليا، من بين 10 بلوكات بحرية، هناك بلوك واحد فقط حصل على تصريح للعمل عليه من اتحاد شركات تقوده 'توتال'، إذ من المتوقع أن يُتخذ قرار في شأن استمرار البلوك التاسع مع هذه الشركات أو التخلي عنه، مثلما حدث مع البلوك الرابع. تاليا إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فمن المرجح أن لا تجد الشركات أي دوافع للاستثمار في التنقيب أو الحفر في هذه المناطق، ويبقى المستقبل وحده كفيلا بالكشف عما سيحدث".
بعد مرور 50 عاماً على الحرب اللبنانية… أكثر من نصف اللبنانيين قلقون من عودتها.
ولكن هل لا يزال لبنان يحتفظ بفرصه السابقة للاستفادة من ثروته النفطية؟ تجيب القيسي "صحيح أن الثروة النفطية سواء في البر أو في أعماق البحر، هي نفسها ولم تتناقص، ولكن ما تغير هو مدى إقبال المستثمرين وشهيتهم للتنقيب في لبنان. في ظل غياب الاستقرار السياسي، واستمرار العمليات العسكرية والحروب، تصبح البيئة اللبنانية غير جاذبة لاستثمارات الشركات النفطية، وهذا يشكل عائقا كبيرا أمام أي تقدم".
أين أصبح ملف التفاوض مع لبنان؟
أما بالنسبة الى ملف التفاوض، فمن المهم الإشارة إلى أنه تم حل مسألة الحدود البحرية الجنوبية بوساطة أميركية، وتم التوصل إلى اتفاق على الخط 23 المعدل. وكانت هذه خطوة أولى أدت إلى بدء شركة "توتال" عمليات التنقيب في البلوك رقم 9 في أغسطس/آب 2023، وفق ما تقول القيسي، "لكنها توقفت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد حفر بئر واحدة. إذ لا يزال هناك العديد من البلوكات غير المستثمرة، كما أن ثمة حدودا بحرية مع قبرص وسوريا تنتظر الترسيم. وقد أُعيد طرح هذه الملفات أخيرا على الطاولة، وظهرت محاولات ديبلوماسية جديدة لحلها. وفي ما يتعلق بالحدود مع قبرص، من المتوقع أن لا تستغرق وقتا طويلا، حيث كانت قبرص تنتظر فقط استكمال ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لتحديد النقطة النهائية للحدود المشتركة".
موقف شركة 'توتال' في رفضها تسليم التقرير الذي كان من المفترض تقديمه بعد مرور 90 يوما على انتهاء عملية الحفر، أمر معيب لها، ومشكلة تثير الكثير من التساؤلات
ديانا القيسي، المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز
في المقلب الآخر، تشير القيسي الى "أن ثمة مركز "ريبروغرافي" (Reprography) تابعا للجيش اللبناني أنشئ عام 2014 يجري دراسات دقيقة لدعم هذه العملية، مما يشير إلى أن استكمال التفاوض مع قبرص وسوريا أمر ممكن ولا يحتاج إلى وساطات خارجية، خصوصا أن هذين البلدين على استعداد للتعاون مباشرة. لذلك، لا توجد معوقات رئيسة تمنع التقدم في هذه الملفات".
هل تعود "توتال" وبأي شروط؟
ولكن هناك أمور لا تزال غير واضحة بعد وخصوصا حيال إمكان عودة شركة "توتال" للتنقيب في البلوكات اللبنانية. تؤكد القيسي أن لا أحد يمكنه الجزم بذلك حتى الآن، إذ إن الأمر مرتبط بالوضعين السياسي والأمني في البلاد. عدا أن هناك نقطة مهمة وهي أن الشركة عندما ترى قلة اهتمام بالاستثمار في المجال، ومع وجودها الحالي، قد لا تقبل العودة بالشروط السابقة نفسها. فالشروط التي وُقعت في العقود الأولى للتنقيب كانت جيدة ومناسبة للطرف اللبناني، ولكن من المستبعد أن توافق الشركة على توقيع عقود جديدة بالشروط ذاتها. على العكس، من المحتمل أن تلجأ إلى التفاوض لتقليل الشروط المفروضة عليها وزيادة نسبة أرباحها، مما يعني توجها مختلفا قد يفرض تحديات إضافية أمام لبنان".
لماذا لم تسلم "توتال" تقريرها الى لبنان؟
في الحديث عن "توتال" ثمة سؤال عما إذا كانت الظروف أصبحت مؤاتية للشركة لتسليم تقريرها الفني عن حفر البلوك 9 على الرغم من مرور عام على بدء الحفر؟ تعتبر القيسي أن "موقف شركة 'توتال' في رفضها تسليم التقرير الذي كان من المفترض تقديمه بعد مرور 90 يوما على انتهاء عملية الحفر أمر معيب لها، ومشكلة تثير الكثير من التساؤلات. إذ يُعتبر هذا التقرير بمثابة كنز حقيقي للبنان، فهو يحمل معلومات أساسية تمكن الدولة من فهم ما يحتويه بحرها بشكل دقيق، ويمهد الطريق لتحديد مواقع الحفر المستقبلية، حيث يساعد في رسم صورة واضحة عن احتمالات العثور على الموارد النفطية والغازية، وتحديد مواقع الهيدروكربونات"، ملمحة إلى أن "ما تقوم به الشركة قد يكون مرتبطا بأبعاد سياسية، مما يستدعي تحرك وزير الطاقة اللبناني الجديد جو صدي، لإجبارها على تسليم التقرير".
صورة نشرتها هيئة قناة السويس، لسفينة ضخمة للتنقيب عن الحقول البحرية تعبر في اتجاه لبنان للبدء بعمليات التنقيب في حقل "كاريتش" في المياه الإقليمية اللبنانية، 3 يونيو 2022
وتستند القيسي إلى الاتفاق الموقع بين لبنان و"توتال" وشركائها، الذي يعتبر أن التقرير ملك للدولة اللبنانية، ويجب تسليمه إليها، "فهو لا يعطي فقط صورة أوضح عن الموارد بل يشكل الأساس للتخطيط المستقبلي، ويحدد بفاعلية أين يجب أن تركز عمليات الحفر. لذلك، تسليمه ضرورة لا يمكن التهاون فيها".
هل من تراخيص جديدة للتنقيب في لبنان؟
وتمنت القيسي الإفصاح عن تفاصيل المحادثات والمفاوضات الجارية مع الشركات، وتداركت قائلة "يبدو أن عدم التقدم الملحوظ في هذا الملف قد يكون السبب وراء ذلك"، آملة أن "يستغل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة جولاتهما الحالية للضغط على "توتال" لتسليم التقرير المطلوب، بما يساعدن لبنان على فهم الوضع بشكل أفضل". لتختم: "جولة التراخيص الثالثة انتهت في 17 مارس/آذار، والآن يبقى أن نرى ما إذا كانت هناك نية لإطلاق جولة تراخيص جديدة في المستقبل القريب".