على الرغم من أن ترتيب لبنان في قائمة الساحات التي تحظى بأهمية استراتيجية للمنطقة والعالم قد تراجع أمام تقدم سوريا إلى واجهة المشهد الإقليمي، فإن مسألة سلاح "حزب الله" التي تزداد تعقيدا تبقيه تحت الضوء وفي عين الخطر.
بصيغة أخرى، فإن لبنان صار ينظر إليه من زاوية مختلفة بعد التغيير السوري الكبير، على اعتبار أن الترابط بين البلدين بدأ يسلك مسارات جديدة. فبعد أن هيمنت علاقة "حزب الله" بالنظام القديم على مجمل العلاقات اللبنانية-السورية، فإن سقوطه قلب المعادلة، فأصبحت علاقة "الحزب" بسوريا علاقة صدامية في مقابل بروز إيجابية حذرة في علاقة السلطة الجديدة في لبنان بالسلطة الجديدة في سوريا.
صحيح أن الحدث السوري لا يفسر كل ما يحصل في لبنان، وتحديدا مواقف "حزب الله" في مقاربة المرحلة الجديدة، خصوصا أن التحدي الذي تفرضه إسرائيل على "الحزب" ولبنان عموما لا يزال التحدي الرئيس على الساحة اللبنانية. لكن بالرغم من ذلك فإن تأثيرات الحدث السوري على الداخل اللبناني ليست ثانوية، بل هي جزء رئيس من محركات المشهد السياسي وبالأخص لجهة موقف "الحزب" وقدرته على التأقلم مع الوقائع الجديدة، ولا سيما في ما يتصل بمسألة سلاحه، الذي فرض اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل أن يزال من منطقة جنوب الليطاني بأقل تقدير، بينما يكتنف الغموض مقتضيات الاتفاق في ما يخص مستقبل هذا السلاح شمالي النهر، في وقت يؤكد فيه "حزب الله" أن الاتفاق لم يشمل سلاحه على كامل الأراضي اللبنانية بينما لا تتردد إسرائيل في قصف مخازنه خارج منطقة جنوبي النهر.
لكن في مطلق الأحوال فإن كلام الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام عن حصرية السلاح بيد الدولة، لا يفصل بين ضفتي النهر، وإن كانت منطقة جنوب النهر تحظى بأولوية قصوى، وبقبول "الحزب" الذي ما أعلن النائب في كتلته علي فياض، الأحد، أن "حزب الله" خرج عسكريا من منطقة جنوب النهر. وكان مصدر مقرب من "الحزب" قد أفاد وكالة "فرانس برس" أن هناك "265 نقطة عسكرية تابعة لـ(حزب الله)، محددة في جنوب الليطاني، وقد سلم (الحزب) منها قرابة 190 نقطة" إلى الجيش اللبناني.
وحتى لو كان هذا القبول ينطوي على مناورة ويبقيه عرضة للاستنزاف الإسرائيلي فإن الإشكالية السياسية الرئيسة المتصلة بسلاح "حزب الله" تتركز في كيفية التعامل معه خارج منطقة جنوب النهر، أي خارج منطقة الاشتباك التقليدي بين "الحزب" وإسرائيل. وهو ما يطرح علامات استفهام عن جدوى هذا السلاح بعيدا عن الحدود حتى ولو كان "الحزب" لا يزال يربط سلاحه بردع إسرائيل، متجاوزا أن الحرب الأخيرة قد أسقطت هذا الردع بأسرع مما هو متوقع.