تصنيف "البديل" الألماني حزبا "متطرفا"... وصعود أقصى اليمين الأوروبي 

أ.ف.ب
أ.ف.ب
أليس فايدل، الزعيمة المشاركة لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني تغادر المسرح مع باقة من الزهور بعد إلقاء كلمة في تجمع انتخابي في هاله، شرق ألمانيا في 25 يناير

تصنيف "البديل" الألماني حزبا "متطرفا"... وصعود أقصى اليمين الأوروبي 

صنفت هيئة حماية الدستور في ألمانيا (الاستخبارات الداخلية)، في الثاني من مايو/أيار، حزب "البديل" مجموعة "يمينية متطرفة بشكل مؤكد"، نظرا لمفهومه عن الشعب القائم على العرق والأصل والدين من دون تركيز على الجنسية. الملفت للانتباه ان هذا القرار اثار احتجاج العديد من المسؤولين الاميركيين وفي مقدمتهم نائب الرئيس جيه دي فانس.

وسرعان ما زاد هذا القرار من اضطراب المشهد السياسي الألماني عشية تسلم اليميني المحافظ فريدريش ميرتس منصب المستشارية. لكن أجهزة الاستخبارات الألمانية علّقتمؤقتاالتصنيف، يوم الخميس 8 مايو، بانتظار البت النهائي للطعن المقدم من قبل الحزب.

وكان اللافت تلاقي واشنطن وموسكو على انتقاد القرار ضد حزب "البديل"، الذي أتى في خضم صعود أقصى اليمين الأوروبي.

وأسفرت نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية الرومانية (المؤجلة) في الرابع من مايو عنتقدم المرشح جورج سيميون اليميني المتشدد، لتكشف عن تحديات إضافية يمثلها صعود أقصى اليمين في القارة القديمة يمكن أن تصل إلى حد تغيير التوازنات والتحالفات.

الأولوية القانونية أم السياسية؟

تكونت وسط الجدل السياسي قناعة بأن حظر حزب "البديل لألمانيا" سليم من الناحية القانونية، لكنه سيكون بمثابة غباء سياسي، وما صعود حزب يميني متطرف في الانتخابات الرومانية الأخيرة إلا إنذار إضافي بخصوص موجة أوروبية تماشي تيار الانكفاء نحو الهويات القومية والنزعة المحافظة.

إزاء الاتهام بتسييس القرار، ركزت وزيرة الداخلية الألمانية المنتهية ولايتها نانسي فيزر علىأن "الهيئة الاتحادية لحماية الدستور" (الاستخبارات الداخلية) اتخذت بصورة مستقلة قرارها الخاص بتصنيف حزب "البديل من أجل ألمانيا"، موضحة أن التصنيف الجديد جاء نتيجة لمراجعة شاملة، والتي تم تسجيل نتائجها في تقرير مكون من 1100 صفحة، مؤكدة أنه لم يكن هناك أي تأثير سياسي على التقرير الجديد. بيد أن المستشار الألماني المنتهية ولايته أولاف شولتس حذر من اتخاذ إجراءات متسرعة لحظر الحزب.

يشار إلى أنه تم تأجيل إعلان هذاالقرار الذي كان جاهزا للصدور أواخر 2024، حتى لا يتم تفسيره كوسيلة لضرب حزب "البديل" على أبواب الانتخابات. لذا ليس هناك من دليل على تدخل سياسي مباشر بالرغم من أن المطالعة الأمنية تعتبر أن عقيدة هذا الحزب لاتتوافق مع مقومات "النظام الديمقراطي الحر"، ولأنه يحاول تقويض الديمقراطية الألمانية.

علقت الاستخبارات الألمانية الداخلية مؤقتا تصنيف حزب "البديل من أجل ألمانيا" كجماعة "يمينية متطرفة بشكل مؤكد"

وفي ردة فعله على هذا التطور الذي كان نتاج تحقيق دام ثلاث سنوات، ندد حزب"البديل من أجل ألمانيا" بقرار "دافعه واضح سياسيا" ووصفه بأنه "ضربة قاسية للديمقراطية الألمانية"، مشيرا إلى أنه لا يزال متقدما في استطلاعات الرأي.

وأثار هذا القرار القضائي نقاشا سياسيا محتدما حول أولوية الاعتبارات القانونية والسياسية. وفي هذا الإطار، أوضح المكتب الاتحادي في حيثيات قراره أن "البديل من أجل ألمانيا" يتبنى التمييز على أساس العرق مخالفا أسس الديمقراطية والكرامة الإنسانية، مما يهدد الديمقراطية. وعلى نفس الوتيرة يعتبر المواطنون من أصول مهاجرة غير متساوين مع "الشعب الألماني".

في المقابل، أشار قانون يون إلى أن التصنيف لن يغيّر شيئا من الناحية الرسمية، إذ سيبقى الحزب متمتعا بجميع حقوقه البرلمانية، ولن تكون هناك عواقب فورية بموجب القوانين الداخلية أو النظام البرلماني المعمول به.

سياسيا، يقضي موقف كل الكتل السياسية يسارا ويمينا ووسطا مع "الخضر" بعدم إبرام تحالف أو تعاون مباشر مع حزب "البديل" والإبقاء على ما يُعرف بـ"جدار الحماية" السياسي، رغم مطالب سابقة باعتباره حزب معارضة يتم التعامل معه أسوة ببقية الأحزاب.

أ.ف.ب
الزعيمة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، أليس فايدل، والمستشار المعين فريدريش ميرتس (يسار)، بعد جولة تصويت ثانية في مجلس النواب لاختيار المستشار في برلين في 6 مايو

ولمنع أي انزلاق، حذرت المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، زعيم حزبها، فريدريش ميرتس، بسبب تصويت حزب "البديل" الشعبوي في البوندستاغ، على مقترح ميرتس بشأن الهجرة واللجوء في يناير/كانون الثاني الماضي. 

وكان هناك اختبار بعد الانتخابات حول رئاسة لجنة الموازنة، التي تسند حسب العرف إلى أكبر أحزاب المعارضة وهو حاليا حزب "البديل". وهكذا أصبح ترؤس"البديل" لهذه اللجنة شبه مستحيل، وربما سيستحيل ذلك تبعا للتطورات حول القرار القضائي. 

 سيناريو الحظر وعقباته 

وسط النقاش السياسي المحتدم، نددحزب"البديل من أجل ألمانيا" بقرار "دافعه واضح سياسيا" ووصفه بأنه "ضربة قاسية للديمقراطية الألمانية"، وأن المعركة تخوضها"أحزاب الكارتل" ضد حزبه، مشيرا إلى أنه لا يزال متقدما في استطلاعات الرأي. وتقدم هذا الحزب بشكوى قضائية من أجل إلغاء القرار. وتبعا لذلك، علقت الاستخبارات الألمانية الداخلية مؤقتا تصنيف حزب "البديل من أجل ألمانيا" كجماعة "يمينية متطرفة بشكل مؤكد". وسيظل التعليق ساريا حتى تبث محكمة كولونيا الإدارية بشكل نهائي في طلب الطعن الذي قدمه الحزب المتضرر. 

كان لافتا مسارعة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي ماركو روبيو، للتنديد بما وصفه بـ"الاستبداد المقنع"، منتقدا منح وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية صلاحيات واسعة لمراقبة المعارضة

وبموجب قواعد دولة القانون والدستور، يمكن للحكومة الاتحادية أو المجلس الاتحادي أو البوندستاغ التقدم بطلب إلى المحكمة الدستورية لفرض الحظر. وفي ظل الدعوات المتزايدة داخل البرلمان للسير في هذا المسار، ويُتوقع أن تطال الإجراءات المحتملة أيضا الموظفين الحكوميين المنتسبين إلى الحزب. 

في مطلق الأحوال وخاصة بعد التعليق المؤقت، ستكون عملية الحظر معقدة. وفي هذا الصدد، ينص التعديل على القانون الأساسي عام 2017 على سحب التمويل الحكومي من الأحزاب التي تسعى من خلال سلوكها ومؤيديها إلى تقويض النظام الديمقراطي الحر أو تهديد وجود جمهورية ألمانيا الاتحادية.
بيد أن حزب "البديل" قد يحاول استثمار قرار التصنيف ليظهر بمظهر الضحية أمام قاعدته واستخدامه كورقة ضغط في متابعة الطعن القانوني. 

والأرجح أن تصنيف الحزب بأكمله كتنظيم يميني متطرف لا يعني بالضرورة أن الحظر سيكون فوريا.

وفي مصادفة غير محسوبة، صدر القرار القضائي بتعليق مؤقت للتصنيف بعد يوم على انتخاب فريدريش ميرتس مستشارا جديدا في الدورة الثانية، مما يشكل سابقة تشير إلى مستشار في وضع ضعيف ومعرض للاهتزاز. بالرغم من هذه النكسة التي قوّضت صورة ألمانيا كدولة مستقرة، أراد ميرتس أن يؤكد على خياره "الأوروبي للغاية"، وسرعان ما قام بزيارتين إلى باريس ووارسو من أجل "تسريع الأجندة الأوروبية المتعلقة بالسيادة والأمن والقدرة التنافسية" ويمثل ذلك رسالة مبطنة لكل من الرئيسين الأميركي والروسي حول حيوية الدور الألماني في بناء القطب الاستراتيجي الأوروبي بالرغم من صعود أقصى اليمين الأوروبي. 

أ.ف.ب
تجمع انتخابي لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف (AfD) في كوتبوس، في 19 سبتمبر 2024

كان لافتا مسارعة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي ماركو روبيو، للتنديد بما وصفه بـ"الاستبداد المقنع"، منتقدا منح وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية صلاحيات واسعة لمراقبة المعارضة.وقال روبيو: "ما هو متطرف حقا ليس حزب (البديل من أجل ألمانيا) الذي جاء ثانيا في الانتخابات الأخيرة، بل سياسات الهجرة المفتوحة التي تنتهجها السلطات، ويعارضها حزب (البديل من أجل ألمانيا)".

التفاعلات الخارجية للقرار الألماني 

وفق هذه المقاربة الأيديولوجية نفسها، كان نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس قد أثار استياء الألمان، والأوروبيين بشكل عام، خلال خطاب ألقاه في مؤتمر الأمن في ميونيخ في منتصف فبراير/شباط اعتبر فيه أن حرية التعبير "تتراجع" في أوروبا، مشيرا خصوصا إلى ألمانيا.

وتتدخل واشنطن علنا في الشؤون الداخلية في القارة العجوز تحت عنوان رفض "ثقافة الإلغاء" من أجل حماية القوى القريبة لنهج ترمب. 

في زمن التوتر الروسي-الأوروبي وفي زمن الموجة الترمبية عالميا، أتى تصنيف ألمانيا الأمني (المعلق مؤقتا)لحزببارز من أقصى اليمين وكأنه رسالة إضافية تعبر عن هواجس أوروبية

وعلى المقلب الآخر، اعتبر الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف أن "ألمانيا تتجه نحو نظام شمولي". وتعزو المقاربة الروسية الرسمية القرار القضائي الألماني إلى توجه ما تسميه "حكومات الحرب" في أوروبا الكلاسيكية (المقصود: فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) مواجهة أقصى اليمين الذي تركز عليه موسكو لأنه "مناهض للتحالفات والحروب". ولوحظ ربط وسائل الإعلام الروسية بين التصنيف الألماني وبين إدانة القضاء الفرنسي لزعيمة "التجمع الوطني" مارين لوبان في أبريل/نيسان. 

وتزامن الحدث الألماني مع انتزاع حزب "الإصلاح" في بريطانيا لمقاعد من حزب "العمال" في ضربة لرئيس الحكومة كير ستارمر في غمرة المد اليميني المتشدد. وامتد الأمر إلى جنوب شرقي أوروبا مع الانتخابات الرومانية 

الاختبار-الإنذار في بوخارست 

تصدّر مرشح أقصى اليمين جورج سيميون نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، في 3مايو، وفق ما أظهرته استطلاعات آراء الناخبين عقب إغلاق صناديق الاقتراع،وذلكبعد خمسة أشهر على إلغاء المحكمة الدستورية للتصويت في حدث نادر في أوروبا، بسبب تدخل روسي مزعوم، تنفيه موسكو.

أ.ف.ب
زعيما حزب البديل من أجل ألمانيا، أليس فايدل وتينو شروبالا، والرئيس الفخري للحزب، ألكسندر غولاند، إلى جانب أعضاء كتلتهم البرلمانية خلال حفل إحياء الذكرى الثمانين لاستسلام ألمانيا في 8 مايو

وكان معبرا ما أدلى به الزعيم اليميني الوطني بعد نشر هذه النتائج أن "هذا ليس مجرد انتصار انتخابي، بل هو انتصار للكرامة الرومانية. إنه انتصار لأولئك الذين لم يفقدوا الأمل، لأولئك الذين لا يزالون يؤمنون برومانيا بلدا حرا وموقرا ذا سيادة". ويعارض سيميون (38 عاما) تقديم المساعدات العسكرية للجارة أوكرانيا وينتقد قيادة الاتحاد الأوروبي ويقول إنه مؤيد لتيار "أميركا عظيمة من جديد" الذي يمثله الرئيس دونالد ترمب.

وتسببت الانتخابات بتخبط في رومانيا قبل الدورة الثانية بعداستقالة رئيس وزراء رومانيا الاشتراكي الديمقراطي مارسيل شيولاكو من منصبه في رئاسة الحكومة بانتظار اتضاح خريطة المشهد السياسي. 

هكذا في زمن التوتر الروسي-الأوروبي وفي زمن الموجة الترمبية عالميا ورهانات أممية أقصى اليمين أوروبياً، أتى تصنيف ألمانيا الأمني (المعلق مؤقتا) لحزب بارز من أقصى اليمين وكأنه رسالة إضافية تعبر عن هواجس أوروبية حول التفاعل ما بين قوى أقصى اليمين والخارج سواء كان روسياً أو أميركياً.

font change