"قومٌ بلا جُهّال ضاعت حقوقهم، وقومٌ بلا عُقّال صاروا قَطايع".
لعل هذه الحكمة تعبّر في جوهرها عن الوضع الراهن في سوريا، إذ تتصاعد المواجهة بين الإدارة الجديدة للرئيس أحمد الشرع، ودروز سوريا الذين ما زالوا يرفضون مركزية السلطة وفرض نزع سلاحهم بالقوة، ودمجهم قسرا ضمن الجيش السوري الجديد.
الجدلية بين "العُقّال" و"الجُهَّال" في السياق الدرزي تتجاوز التقسيم الديني الداخلي، ذلك أن رجال الدين (المشايخ) يُعَدون طبقة "العُقَّال"، أما العامة من غير المتدينين فيُطلق عليهم "الجهّال"، الذين لا يُسمح لهم بالخوض في أسرار العقيدة. لكن في الحالة الراهنة، بات المصطلح يُستخدم بشكلٍ مجازي للدلالة على الانقسام السياسي داخل الطائفة، بين دعاة الحكمة والحفاظ على الوجود، ودعاة المغامرة والانخراط في مشاريع أكبر من طاقتهم.
في هذا السياق، تصبح "اليقظة" ضرورة استراتيجية، لا تعني الاستسلام أو التواري خلف الشعارات الكبرى، بل تعني الاعتراف بحجم الذات السياسي والديموغرافي، مقابل اتخاذ مواقف صلبة– وربما عنيفة إذا لزم الأمر– لضمان الحقوق والكرامات. اليقظة هنا ليست دعوة للعزلة أو الانفصال، بل لفهم موقع الدروز– والسوريين عموما– في خريطة الصراع الإقليمي، والتعامل معهم على أنهم شركاء حقيقيون، لا رعايا تابعون ولا مشاريع مؤقتة.
فاليقظة لا تعني التخندق بل الوعي، ولا تعني الاستسلام بل الكرامة. إنها فنّ الإمساك باللحظة التاريخية وتحديد حجم الدور الممكن تأديته دون التوهم بأن الطائفة قادرة وحدها على تغيير مسارات دولية. كما أنها ترفض خطابا قديما يعيد إنتاج الانقسام بين الانعزالية والمغامرة، وتقدّم بدلا عنه مزيجا من الواقعية السياسية والتجذر المجتمعي.
في سوريا، يشكّل "العُقال"– بالمعنى السياسي– الغالبية داخل الطائفة الدرزية، ويتركز همّهم على البقاء على أرضهم، والتمسّك بكرامتهم، ورفض الانخراط في مشاريع سياسية وحدودية أو تقسيمية قد تجرّهم إلى الهلاك. في المقابل، تبرز فئة من "الجهّال" بالمعنى السياسي، تدعو للانخراط في صراعات إقليمية كسبيل للتموضع، فتارة يؤكدون على "عروبة وإسلامية" الطائفة، وتارة يروّجون للارتهان لمحاور دولية وإقليمية، لا سيما إسرائيل، مستندين إلى روابط الدين والقربى مع دروز إسرائيل.