خلال العقدين الماضيين، رسخ الروائي العراقي خضير فليح الزيدي حضوره، بوصفه أحد الأصوات المميزة في المشهد السردي العراقي المعاصر. عبر أكثر من خمسة عشر إصدارا، تنوعت أعماله بين الرواية والكتابة السردية التي لم تلتزم حدود الأشكال التقليدية، بل تجاوزت التجنيس إلى فضاءات التجريب، حيث تتقاطع المغامرة مع نزعة الاكتشاف، في محاولة مستمرة لاستقصاء مناطق جديدة في أفق الكتابة. أعمال الزيدي أشبه بمختبرات تشتغل على تفكيك الزمن بطبقاته الاجتماعية، مستنطقة تفاصيل الحياة اليومية بما تحمله من مهن وأزياء وعادات وأصوات وأسماء وروائح... تلك التفاصيل التي تشكل القشرة الملموسة لهوية المدينة العراقية، وتجسد نبضها الإنساني المتوتر بين الطموح والانكسار. للإضاءة على هذه التجربة، "المجلة" التقت الزيدي في بغداد، وكان هذا الحوار.
في روايتك "عمتي زهاوي"، يبدو أن الشخصيات تتحرك في مسرح يقع ما بين الوهم والحقيقة. ماذا يمكن أن يتحقق من وراء هذه المغامرة بالنسبة الى المتلقي؟
غالبا ما أصر على القول القاطع إن الرواية لعبة تخييل بالغة الدقة من حيث الصنعة، تشبه في صناعتها "دمية باربي" الحديثة من حيث الشعر والعينان، التي يتماهى معها الأطفال كثيرا، بل يتفاعلون مع كينونتها كونها قريبة جدا من أحلامهم. الدمى لا تحاكي الشخصيات، بل تتمثلها خير تمثيل. والرواية الناجحة، أعني تلك التي تبقى عالقة في ذهن القارئ بعد الانتهاء من القراءة - كشخصيات، ووقائع، وأمكنة - هي لعبة لمن يجيد فن إقناع القارئ اللبيب بأن ما يجري قد جرى حقيقة.
بلا شروط
تشتغل في إطار ما يطلق عليه اصطلاحا "ما بعد القص" كما في رواية "فندق كويستان"، إلى أي مدى تجد أن ذلك ساهم في بناء علاقة جديدة بين الرواية والمتلقي؟
الحرفة الوحيدة الخالية من الشروط الملزمة هي الفنون، ومنها فن الرواية. يحق لكاتبها الذهاب بعيدا في ابتكار ما لم يبتكر من قبل، من غير شروط وقواعد، ومن غير التلويح بهراوات الإملاءات والقصديات الكلاسيكية.