لم يكن الهجوم الإسرائيلي الأخير على موانئ محافظة الحديدة اليمنية، فجر الثلاثاء، هو الأول، وربما لن يكون الأخير، لكنّ ثمة أمورا لافتة في طبيعته وطريقة تنفيذه.
إسرائيل وجهت قبل ذلك إنذارا بإخلاء موانئ الحديدة، في محاولة لإظهار نفسها بأنها تريد التقليل من حجم الخسائر البشرية في صفوف العاملين المدنيين في هذه الموانئ رغم علمها أن هذه الموانئ لم تعد تعمل بكامل طاقتها وبخروج معظم مرافقها من الخدمة بعد سلسلة الضربات المتتالية الماحقة التي تعرضت لها من قبل الجيش الأميركي والطيران الحربي الإسرائيلي لعدة أسابيع.
الأمر الآخر اللافت أن إسرائيل استخدمت هذه المرة بوارجها الحربية وليس مقاتلاتها الجوية، ربما من المياه الدولية في البحر الأحمر أو حتى من المياه اليمنية، ما قد يعني أنها كانت في البحر الأحمر، وباتت تعتقد أن قدرات الحوثيين على رصد واستهداف السفن تراجعت بفعل الحملة العسكرية الأميركية والإسرائيلية الواسعة ضدها.
كان الأميركيون قد ضربوا بقوة وبلا هوادة ودون تمييز بين موقع عسكري ومنشأة مدنية يشتبهون بأنها تمد الحوثيين بالأموال اللازمة لدعم مجهودهم الحربي، أو يستخدمونها كورش للتصنيع العسكري أو منصات لإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة.
وبلا حدود ولا قيود، كما يبدو، كانت أمام الحملة العسكرية الواسعة التي نفذها الجيش الأميركي، ضد ما اعتبرها أهدافا "مشروعة" له في اليمن تستخدمها جماعة الحوثيين، بحسب اتهاماته لها، لأغراض عسكرية في هجماتها على خطوط الملاحة الدولية في البحار المحيطة باليمن وكذلك على حليفتها إسرائيل.
ذلك، على الأقل، ما أوحى به الدمار الهائل وعدد القتلى والجرحى جراء الغارات الجوية التي شنتها مقاتلات أميركية مثلا على منشأة "رأس عيسى النفطية" بمحافظة الحديدة، غرب البلاد.
تلوث نفطي خطير
لا تقل فداحة الهجمات الإسرائيلية والأميركية قبلها عن الكارثة بحسب منظمة "بي آي إكس" الهولندية للسلام ونزع العنف المسلح، التي قالت إن تسربا نفطيا كبيرا وملحوظا للأقمار الاصطناعية في مياه السواحل الغربية لليمن قد حدث نتيجة للغارات الأميركية التي استهدفت ميناء رأس عيسى النفطي الخاضع لسيطرة جماعة الحوثيين.
ما الذي نعرفه عن الحديدة وموانئها؟ تقع محافظة الحديدة عند منتصف الساحل الغربي لليمن، البالغ طوله ما يزيد على 33 في المئة من مجمل السواحل البحرية اليمنية التي يصل امتدادها كذلك لأكثر من 2200 كيلومتر على كل من البحر الأحمر وخليج عدن.
وتشرف هذه المحافظة على ثلاثة من أهم موانئ البلاد على الساحل الغربي، أولها ميناء الحديدة التجاري والتاريخي القديم، ويتمتع بأهمية بالغة، استراتيجية واقتصادية، يليه ميناء الصليف الذي اشتهر لعقود من الزمن بإنتاج وتصدير الملح، ثم يأتي ميناء رأس عيسى النفطي.
إلى جانب هذه الموانئ في الساحل الغربي يوجد ميناء ميدي شمالا على مقربة من الحدود مع المملكة العربية السعودية، وكذلك ميناء "المخا" التاريخي جنوبا، التابع لمحافظة "تعز"، وقد اشتهر هذا الميناء عالميا وطوال قرون، بتصدير مادة البُن أو ما عُرف لاحقا بـ"موكا كافيه" نسبة إلى هذا الميناء.
تطل محافظة الحديدة كذلك على العشرات من الجزر المهمة في شمالها الغربي كجزيرة كمَران وأرخبيل جزر حنيش إلى جنوبها الغربي.
سيطرة الحوثيين على الحديدة
بأقل عدد من مسلحيهم، استولى الحوثيون القادمون من محافظة صعدة شمال البلاد على محافظة الحديدة، المترامية الأطراف بسهولة شديدة ودون مقاومة تذكر بسبب الطبيعة المدنية والسلمية لسكان هذه المحافظة السهلية والساحلية.
جاء هذا في ما يشبه الغفلة بعد سقوط العاصمة صنعاء بأيدي عناصر جماعة الحوثيين والقبائل الموالية لهم في 21 من سبتمبر/أيلول عام 2014 وبعد عام من تنحي الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عن الحكم، وتفكك قوات الجيش، خصوصا أنه لم تكن هناك قوات بحرية باستثناء وحدة صغيرة من قوات خفر السواحل.