إسلام آباد -في سابقة غير معهودة، التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بقائد الجيش الباكستاني، المشير سيد عاصم منير، في اجتماع غاب عنه نظيره الأميركي في منتصف يونيو/حزيران. لكن ما أثار الانتباه لم يكن فقط الشكل غير المألوف لهذا اللقاء، بل توقيته الدقيق وسط تصاعد التوترات في الإقليم، الأمر الذي دفع كثيرين إلى التساؤل عن خلفياته وتبعاته المحتملة.
وفيما تتجه أنظار العواصم إلى مسقط والدوحة بوصفهما وسيطين محتملين في ملفات إقليمية شائكة، يغيب عن كثيرين أن باكستان، منذ "الثورة" في طهران، هي التي تمثّل المصالح الإيرانية في واشنطن.
ومع حدود تمتد لأكثر من 900 ميل مع إيران، تخوض باكستان حربا استخباراتية مفتوحة ضد طهران، كما كتبتُ سابقا في مقال نُشر في "المجلة" مطلع عام 2024.
وعلى الرغم من العلاقات السياسية والثقافية المتجذّرة، واحتضان باكستان لأكبر تجمّع شيعي خارج إيران، فإن العلاقة بين الجهازين الأمنيين في البلدين، أي "الحرس الثوري" الإيراني والمخابرات الباكستانية (ISI)، تشهد عداءً مزمنا أشبه بـ"حرب ظل" ممتدة منذ ثمانينات القرن الماضي. فمن ميادين الصراع في سوريا، إلى المخيمات الفلسطينية في بيروت، مرورا بأذربيجان وأفغانستان، تواجه الطرفان مرارا عبر وكلاء ومصالح متضاربة.
هذه الخلفية تضع الجيش الباكستاني، وقائده المشير منير، في موقع بالغ الأهمية ضمن حسابات السياسة الأميركية في جنوب وغرب آسيا. وقد صرّح ترمب عقب اللقاء بأن منير أسهم في تهدئة التوتر بين الهند وباكستان مطلع هذا العام، كما لعب دورا محوريا في القبض على المطلوب الأول للولايات المتحدة داخل الأراضي الأفغانية. واعترف، في تصريح لافت، أن الجيش الباكستاني "يعرف إيران أكثر بكثير مما تعرفها الولايات المتحدة".
فمن هو المشير عاصم منير، الرجل الذي بات يحظى بثقة البيت الأبيض، ويُنظر إليه بوصفه "عرّاب الظل" في معادلات الأمن الإقليمي المعقدة؟
قبل بضعة أسابيع، تحوّل انتباه العالم ونشرات الأخبار، ولو لفترة وجيزة، إلى صراع آخر غير غزة أو أوكرانيا. ففي كل مرة تتواجه فيها الهند وباكستان، ترافق هذه المواجهة أسوأ الاحتمالات وخطر اندلاع حرب نووية. إلا أن البلدين بلغا هذه المرة فعلا حافة الهاوية، بحسب ما صرح به كل من الرئيس ترمب والسيناتور روبيو، لولا التحركات الدبلوماسية الهاتفية المكثفة التي أطلقها ترمب وقادها جيه دي فانس وماركو روبيو على مدار أربع وعشرين ساعة، وأسفرت عن وقف إطلاق نار كامل بين الجانبين.
جاء هذا التدخل بعد أيام من المعارك والضربات الجوية المتبادلة بين الهند وباكستان، إلى جانب هجمات بطائرات مسيرة استهدفت مواقع في عمق أراضي كل منهما.