بظهور رواية نجيب محفوظ "اللص والكلاب" في صيغة رواية مصورة، تكون اللبنة الأولى لمشروع "نجيب محفوظ المصور" قد أرسيت. المشروع الذي تتبناه دارا نشر "ديوان" ناشرة محفوظ، و"المحروسة"، يهدف إلى تحويل أعمال الروائي المصري الأشهر إلى وسيط غير مسبوق، لا يزال شحيح الحضور في المكتبة العربية، على شعبيته المتنامية لدى القارئ العربي الشاب، بغية منح العالم المحفوظي بعدا جديدا، وضخ دم "عصري" يمثله فن "الكوميكس" أو القصص المصورة، بعد أن استلهمته السينما والدراما التلفزيونية والمسرح وحتى الفن التشكيلي.
لن يشعر قارئ "اللص والكلاب" المصورة باغتراب كبير، إن كانت سبقت له قراءة النص الأدبي. فالصيغة التي تبناها سيناريو محمد إسماعيل أمين ونفذها الرسامان "ميجو" وجمال قبطان، تتبنى النص المحفوظي على مستوى اللغة والحبكة. تعتمد الرواية المصورة صيغة الراوي الخارجي نفسها، باجتزاءات دالة من النص الأصلي تعمل كتعليقات تؤطر المحكية المرسومة، فضلا عن قدر وافر من لغة الحوار بين الشخصيات، مما يجعل اللغة المحفوظية حاضرة من أول الرواية الى نهايتها.
لن تحول هذه الألفة دون أن يكتشف المتلقي أنه أمام مغامرة تملك خصوصيتها في التعامل مع نص لا يحوز شهرته فقط من ذيوعه الأدبي، إنما من ذاكرة بصرية غائرة، حفرها الفيلم السينمائي الشهير الذي أخرجه كمال الشيخ سنة 1962، بعد سنة واحدة من صدور الرواية، فانطبعت هيئة الشخصيات في ذهن المتلقي العربي كأيقونات مرجعية، ليصير شكري سرحان هو سعيد مهران، وشادية هي نور، وكمال الشناوي رؤوف علوان إلخ. نهضت الصورة الجديدة لـ"اللص والكلاب" إذن وهي تواجه تحديين أدبيا وسينمائيا. وإن كانت داعبت الأول ائتلافا باستلهام قدر من أسلوبيته اللغوية وعدم التلاعب بتراتبية حبكته، فإنها قررت، في المقابل، أن تدير ظهرها للثاني على مستوى التحدي الأصعب والأكثر تسلطا، وهو الذاكرة البصرية الجمعية، عبر تصميم شخصيات ذات ملامح جديدة في غالبيتها.