روائيون شباب يرثون حارة نجيب محفوظ

أعمال تبدأ من التاريخ وتصل إلى التكنولوجيا

روائيون شباب يرثون حارة نجيب محفوظ

القاهرة: شغلت المدينة والحارة والقرية موقعا مهما في بناء الرواية العربية منذ وقتٍ مبكر، فقد أدرك الكتاب أن المكان بشكل عام جزء أصيل من بنية السرد الراوئي يساوي في أهميته الحبكة والحكاية وربما يتجاوز الشخصيات أحيانا، وذلك بما يسبغه المكان من صفات وما يفرضه على شخوص العمل السردي من إمكانات وحدود. لذا عرف عن بعض الروائيين قدرتهم على تمثل أماكن بعينها والتعبير عنها ببراعة، سواء أكان هذا المكان مدينة على اتساعها، أو تحدد على نطاق ضيق مثل الشارع والحارة والحي، فعرفنا عن نجيب محفوظ قدرته الخاصة على التعبير عن الحارة المصرية وقدرته على جعلها معبرة عن مجتمع كبير على اختلاف فئاته، فكتب عن "قصر الشوق" و"خان الخليلي" و"زقاق المدق" والقاهرة الجديدة، كما وجدنا ذلك عند حنا مينا في سوريا الذي كتب عن "حارة الشحاذين" وكتب عبد الرحمن منيف عن "أرض السواد" و"مدن الملح"، وغيرهم.

في الآونة الأخيرة ظهر عدد من الروايات المصرية التي لفتت الأنظار إلى اهتمام أصحابها باستعادة دور المكان والتركيز عليه وإن اختلفت بالتأكيد طرائق تعبيرهم عنه ومحاولة رصد التغيرات الاجتماعية والثقافية في مصر عبر مراحل زمنية مختلفة.

في كتاب "مدن العرب في رواياتهم" يشير علي عبد الرؤوف إلى صعود أهمية رصد المكان في الرواية العربية فيقول:

"إن ثقافة المكان تشكل بنية حيوية في النص الروائي، لها قدرتها على التفاعل والانسجام مع الأحداث والشخصيات، وأحيانا يخرج المكان عن إطاره الجغرافي، ليشكل فضاءات جديدة تتجاوز حدود الزمان والمكان الواقعيين في إطار علاقتيهما بالحدث، فضاءات تصنعها فاعلية لغة المكان وشخصياته، وبذلك يصبح المكان في الرواية ليس بما هو موجود في مسرح عمليات الرواية، ولكن بما يخدم شكل الرواية ومضمونها، والمعبر عن ثقافته. فالمكان خارج دالته الجغرافية هو دالة ثقافية لها قوانينها المعرفية".

لا شك أن لكل كاتب وروائي طريقته في عرض المكان والتعامل معه، والتركيز على تفاصيله من جهة أو تجاوز هذه التفاصيل للوصول إلى سردية خاصة. يبدو ذلك بداية من عنوان الرواية الذي يشير في الغالب إلى ذلك المكان، وصولا إلى تفاصيله وتاريخه والتغيرات التي تحدث فيه وأثر ذلك على شخصيات العمل وعالمهم داخليا وخارجيا، على النحو الذي نرصده في الروايات الآتية.

تنطلق غادة العبسي إلى قراءة موسعة للمجتمع المصري في ذلك العصر (قبيل الحرب العالمية الأولى وإلى مابعد ثورة يوليو/تموز 1952)  حيث كانت مصر ملاذا لليونانيين، بل وفرصة سانحة لإقامة مشاريع تجارية كبرى


كوتسيكا... غادة العبسي

من لقطةٍ قد تبدو للكثيرين عابرة، يلفت اسم محطة "كوتسيكا" في شرق القاهرة انتباه الكاتبة غادة العبسي، وتبحث عن سر هذه التسمية التي تبدو غريبة على المكان، لتكتشف ارتباطه باسم صاحب أول مصنع للكحول في مصر، الخواجة اليوناني تيوخاري كوتسيكا، فتقوم ببحثٍ مكثف متتبعة المصادر التاريخية الموثقة للتعرف الى حكايته ورصد تفاصيل حياته قبل مجئيه من بلاده حتى استقراره في مصر وكيف أصبح في سنوات قليلة واحدا من أكبر رجال الأعمال اليونان في مصر. تنطلق غادة العبسي إلى قراءة موسعة للمجتمع المصري في ذلك العصر (قبيل الحرب العالمية الأولى وتمتد إلى ما بعد ثورة يوليو 1952)  حيث كانت مصر ملاذا لليونانيين، بل وفرصة سانحة لإقامة مشاريع تجارية كبرى، ومن مصنع توكسيكا للكحول وعالمه إلى عالم بسطاء المصريين والمهمشين الذين قادهم الحظ للعمل في هذا المصنع، نتعرف الى شريحة واسعة من الشخصيات المختلفة والمتابينة الذين يجمع بينهم ذلك الرجل وذلك المكان.

تبرع الكاتبة في تمثل شخصيات عالمها، فتضعنا منذ البداية مع بدايات تيوخاري في شبابه وكيف كانت آماله وأحلامه، سواء في عالم التجارة أو في الحياة والحب، ونتعرف الى قصة غرامه بأنجيلكي، التي كان يراسلها حتى بعدما استقر به المقام في مصر، كما نتعرف الى وجه يوناني آخر مختلف هو أخوه وشريكه بولي، الذي ينظر الى  المصريين نظرة مختلفة وإن شارك أخاه أحلام الثراء والمجد. هكذا تضعنا الكاتبة في عالم هؤلاء الأثرياء ونتعرف اليهم عن قرب، وفي المقابل ننتقل إلى أسرةٍ مصرية بسيطة تعاني في كسب قوتها، وتضطرها الظروف للعمل في مصنع الكحول وهي أسرة العامل البسيط عبد العليم ومن حوله من نساء مثل صابرة شوقة وصولا إلى "ست أبوها"، وتتمكن من رصد تفاصيل دقيقة خاصة بعوالم هؤلاء النساء وكيف تختلف أحلامهم وآمالهم مع التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تحدث من حولهم، في مقابل نساء اليونان وكيف يعشن حياتهن وتنحضر أدوراهن بمساندة أزواجهن.

من جهةٍ أخرى استطاعت الكاتبة أن تعكس آثار الحرب والتغيرات السياسية التي حدثت في مصر في تلك المرحلة التاريخية الفارقة على شخصيات العمل سواء من الأثرياء اليونانيين أو المصريين البسطاء، كما حضرت أماكن مهمة بعيدة نسبيا عن منطقة كوتسيكا، مثل شارع عماد الدين وعالم المطربين والسهر، كما حضرت أم كلثوم في الخلفية، وكيف كان تأثيرها على البسطاء في ذلك الوقت. 

نقرأ من الرواية:

"في أعماقه هو مؤمِنٌ بأن أم كلثوم هي العالَم الجديد، الواعد بعد اليأس، البَعثُ بعد طول الرقاد… قُدرَتُها على أداء أصعب الألحان والكلمات وتطويعها، تعطي الحالمين أملا أنه مهما عَسُرَت حياتهم وتكاثرت همومهم فسوف يتمكَّنون من الفوز في النهاية… ‫الجمال هو خير وسيلة لمحاربة القبح والظلم والتفاهة. ‫أضفى عشق أم كلثوم حيويَّة وصفاء وجمالا على حياة الصانع الماهر، لن يكتشف أحدٌ أن زجاجات البيرة التي تخرج من تحت يدَي عبد العليم مشبعة بصوت أم كلثوم".

تزخر رواية يوسف شريف بالشخصيات والعوالم القريبة من عوالم محفوظ وشخصياته التي يروق استكشافها والتعرف اليها ورصد ما طرأ عليها من اختلافات وتغيرات بعد مرور كل هذا الزمان


"الصنادقية"... استعادة حارة محفوظ

منذ السطور الأولى تقودنا رواية الكاتب الشاب يوسف الشريف نحو عالم نجيب محفوظ، ليس فقط لاستدعائه أماكن محفوظ الأثيرة حيث حارة الصنادقية في الجمالية القريبة من خان الخليلي والأزهر، ولكن لأن تلك المنطقة من القاهرة القديمة يبدو أنها لا تزال تزخر بالشخصيات والعوالم القريبة من عوالم محفوظ وشخصياته التي يروق استكشافها والتعرف اليها ورصد ما طرأ عليها من اختلافات وتغيرات بعد مرور كل هذا الزمان.

تبدأ "الصنادقية" بداية مختلفة من العصر الحالي، بحادثة محددة هي اختفاء الشيخ مالك الذي يبدأ عالم الحارة يتداعى من حوله، كلهم يتحدثون عنه ويرصدون معرفتهم به من جهة، ومن جهةٍ أخرى نبدأ في التعرف اليهم، وذلك من خلال تقنية تعدد الأصوات التي اعتمدها الكاتب، حيث يأتي كل فصلٍ في الرواية باسم شخصية من شخصيات العمل، متنقلا بانسيابية بين الماضي والحاضر، فنتعرف الى حسين أصلان وابنه حسن، وكيف كانت حياتهما بسيطة وكيف انتقلت فجأة إلى حالة من الثراء المفاجئ لا سيما بعد الانفتاح، كما نتعرف الى أحمد السباعي، تلك الشخصية الإشكالية التي تبحث عن حياتها بعد المصائب التي لحقت بعائلته، وتنقلب حياته رأسا على عقب ويتوه بحثا عن الحب والأمان، أو شخصيات أخرى تبدو ثانوية مثل بحر العبيط وبدر النجار وفرج أبو سيف وغيرهم.

على الرغم من تعدد شخصيات الرواية وثرائها ظاهريا إلا أن الرواية سقطت في فخ المباشرة والسطحية في عرض الكثير من المواقف والشخصيات وتصويرها، إلى حد أن الفصل الخاص ببدر النجار يبدو منشورا ثوريا أو خطابا منزوع السياق لا نعرف دوافعه ولا خلفيات صاحبه الاجتماعية والنفسية، وتأتي نهاية الرواية لتكشف عن مكان ذلك الشيخ الغائب دون توضيح لماذا ظهر ولا لماذا غاب.

ربما استطاع الكاتب أن يطرح في الرواية عددا من القضايا الإشكالية التي تتعلق بالفن والدين والمجتمع والعلاقة بينها، كذلك الحديث عن مشكلات هذا المجتمع والانغماس في تجارة الآثار والمخدرات وما وراءها، بالإضافة إلى الحديث عن عالم الجنس وخفاياه، إلا أن الرواية جاءت مثقلة بكل هذه الأفكار والقضايا بصورة لا تدع للقارئ فرصة أو مجالا للتعايش معها أو بيان ما وراءها.

 نقرأ من الرواية:

"سأل نفسه كثيرا. إذا كان هذا المكان على الأرض فكيف تكون الجنة؟ ‫هل هذه مصر؟ ولو كانت دي مصر فأين تقع الصنادقية؟ ‫في عينه كانت البلد مقسومة. البلد تحتوي على بلاد بداخلها، هناك بلد للفقراء والطبقة الوسطى، وبلد أخرى ممنوع الاقتراب منها أو التصوير، يعيش أهلها وسط أسوار حصينة خلف بوابات عليها حرَّاس وكلاب متوحشة، وخلف تلك الأسوار يعيشون داخل أسوار أخرى هي أسوار بيوتهم وﭬـلَلِهم وقصورهم".  

يذهب حمّاد عليوة إلى الأطراف البعيدة، ويسعى لقص أثرها ومعرفة أصولها القديمة، وكيف بدأت وتحولت إلى ما هي عليه الآن، ومن الذين جاؤوا إلى هذه الأماكن وطبعوها بهذا الطابع الخاص

"الحي الإنجليزي"... مصر الأخرى

 وإذا كان تركيز أكثر الكتاب منصبّا على عالم "وسط البلد" مثلما اصطلح على تسميته، فإن حمّاد عليوة يذهب إلى الأطراف البعيدة، ويسعى أيضا الى  قص أثرها ومعرفة أصولها القديمة، وكيف بدأت وتحولت إلى ما هي عليه الآن، ومن الذين جاؤوا إلى هذه الأماكن وطبعوها بهذا الطابع الخاص، إنه حي المعادي الهادئ الذي يحمل خصوصية وغموضا يجعلان البحث عن بداياته ونشأته أكثر تشويقا وجاذبية، وهو ما يقوم به حمّاد عليوة في روايته "الحي الإنجليزي" لنكتشف أن هذه هي التسمية الأولى للمعادي ونتعرف من خلال روايته الى وجهٍ آخر لمصر من خلال عدد من المقيمين الأجانب، بطريقة ربما ما لم يتناولها الكثير من الروائيين:

"كانت المنطقة صحراوية أيضا، لا يوجد سوى عدد قليل من الفيلات الصغيرة ذات الحديقة الأمامية، فضلا عن بيوت صغيرة متفرقة على مسافاتٍ بعيدة، لكن وجدنا الراحة هنا؛ كانت الطرق مقسمة جيدا، حتى زراعة الأشجار كانت وفق خطة مسبقة، كانت أشجار عملاقة، أو كانت الأشياء تبدو كذلك لأننا كنا صغارا، كانت البيوت بدون أسوار، لكنها مؤمَّنة جدا علمت أن هنا كانت أول محطة "طاقة شمسية"، وسعدت جدا بأن المخترع كان أميركيا مثلي يُدعى فرانك شومان، توجد لديَّ صورة له، وأيضا حصلت على صور أخرى التُقطت لموقع المحطة".

منذ البداية وبالعودة إلى الثمانينات يرصد عليوة نشأة حي المعادي/الإنكليزي وتبدو خيوط الرواية واعدة للغاية وهو يتناول شخصيات من سماهم "رابطة المغتربين الأجانب" بدءا بالأميركية سريا موريس التي تعتبر عودتها إلى الحي بمثابة ولادة  ثانية لها، مرورا بفيليب أنطوان والصحافي الأميركي آرون رود الذي عاش في مصر وعرف تفاصيل المجتمع المصري بالإنصات الجيد إلى طوائف الشعب، وصولا إلى المصور البولندي كارل هوفمان، وريتشارد وينسون المدرّس بالمدرسة الأميركية، وغيرهم، تبدأ الرواية بتعريفنا بهذه الشخصيات وما يجدونه في مصر والحي الإنكليزي/المعادي من خصوصية وما يحبون من أجله البقاء فيه، ويعكس في جانب منه تلك الحالة التي كانت عليها مصر قبل عصر الانفتاح، والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي طرأت على المجتمع، والذي يؤدي بعد ذلك إلى مشكلات مع هذه الرابطة وأفرادها.

يقسَم حماد عليوة روايته أربعة أجزاء، يأتي الجزء الثاني فيها بعيدا كل البعد عن عالم الحي الإنكليزي وشخصياته، إذ يتناول شخصية نواف الرشيدي وعالمه الشديد الخصوصية وما يغرق فيه من بحثٍ عن الجنس والمتعة، وهو ما ينقل القارئ إلى عالم مختلف يشتت من فكرة التركيز على عالم المكان وشخصياته وتفاصيله، لينتقل بعد ذلك في الجزء الثالث إلى المدرسة الأميركية مرة أخرى، وهناك نتعرف الى سميرة التي تعمل هناك وتسعى لتربية أبنائها بشكلٍ خاص ومستقل ويبدو أنها تنجح في ذلك إلى حدٍ ما، ويعكس الكاتب من خلالها تلك الطبقة التي تتأرجح وتتشتت بين الأجانب أصحاب النفوذ والسلطة وبين مجتمعها الذي تنتمي إليه وتعيش فيه إلى حدٍ كبير، وما ينتج من ذلك الاحتكاك بالتالي من أبناءٍ لا يحتفظون بانتماء لأصول خاصة ببلدانهم، بل يسعون إلى السفر والهجرة راسمين أحلامهم وآمالهم كلها هناك. ويزيد الشعور بالقسوة والاغتراب عن المجتمع المصري ما يتعرض له ابنها سعيد من معاملة السادة الضباط الكبار!

 هكذا تسعى رواية "الحي الإنجليزي" إلى عرض رؤية بانورامية أكثر اتساعا لحي المعادي، تنعكس من خلاله صورة مصر الأخرى التي لا نجدها في روايات "وسط البلد"، لكنها في الوقت نفسه تعبر عن هذا المجتمع المختلف الذي يسعى للمزاوجة بين الشرق والغرب ويضيع بينهما.

  ينشغل محمد عبد العاطي بالتكنولوجيا، بداية بظهور الإنترنت وصولا إلى سيطرة عوالم وسائل التواصل الاجتماعي على عالم الحارة الشعبية

 "حارة عليوة"... التكنولوجيا والمستقبل

بدا أن التركيز في أغلب الروايات التي كان محورها المكان (سواء كانت الحارة أو المدينة)، يقوم على أن يرسم الكتاب صورة بانورامية المجتمع وأفراده في لحظةٍ زمنية معينة، ويرصدوا عددا من الاختلافات والتغيرات ومحاولات التعايش أو الصدام بين هذه الشخصيات، لكن ما شغل محمد عبد العاطي هو أمر آخر، على أهميته وحضوره في عالم اليوم، ربما لم يفت نظر الكثيرين، ألا وهي التكنولوجيا، بداية بظهور الإنترنت وصولا إلى سيطرة عوالم وسائل التواصل الاجتماعي على عالم الحارة الشعبية التي كانت بسيطة، بل إنه يقفز بنا إلى المستقبل، ليرى كيف يمكن أن يكون العالم بعد عشرات السنين.

تبدأ الرواية مع دخول عالم الإنترنت إلى حارة عليوة من خلال البريد الإلكتروني وتحديدا في عام 2003، وما يطرأ على الناس والجيران بمجرد الاشتراك في هذه "الخدمة" الجديدة التي تربطهم ببعضهم ببعض ربطا غير مباشر، لكنه يختلف كثيرا عما ألفوه واعتادوا عليه، يرصد الكاتب هذه اللحظة ومفارقتها، وما ينتج منها، ويتتبع تطورها حتى نصل إلى "وصلة الإنترنت" التي تجمع عددا من الجيران ببعضهم.

لن يقتصر الأمر على ذلك كما نعلم، بل يتطور بشكلٍ سريع إلى عالم الهواتف الذكية وما أحدثه وجود الإنترنت في يد الجميع من آثار على المجتمع بشكل عام، وعلى عالم الحارة الصغير بشكل خاص، بل إن "التريندات" العالمية تصبح جزءا من أحداث مؤثرة في تلك الحارة التي ربما لا يعرف أحد مكانها على الخريطة!

من الخاص إلى العام، ومن الظواهر المصرية الشديدة المحلية التي تمر بها وتعيشها الحارة المصرية إلى مشكلات العالم وتجاربه ومعارفه المختلفة، وكيف كان أثر دخول الإنترنت والتكنولوجيا عليها، وبطريقة مكثفة وعبر لقطات قصيرة دالة، يعرض محمد عبد العاطي نحو عشرين عاما من علاقة الحارة المصرية بالتكنولوجيا والإنترنت، ويرى كيف تغيّر شكل هذه الحارة وفقا لتلك المتغيرات، وكيف كانت علاقات الناس بعضهم ببعض وإلى أي شيءٍ تحولت.

لا يتوقف الكاتب عند عرض هذه المتغيرات الراهنة المألوفة، ولكنه يقفز بنا زمنيا إلى المستقبل، ويقدم رؤية خاصة لما سيكون عليه العالم بعد تزايد وتيرة هذا الاستخدام للتكنولوجيا في شتى مجالات الحياة، حتى إنه يتنبأ بتقنية تبدو شديدة الشبه بما سمعنا عنه أخيرا من تقنية "الميتافيرس" التي تحدث عنها مارك زوكربيرغ، وكيف تتلاشى العلاقات تقريبا في ذلك العالم وتكون شديدة الآلية والجمود!

بذلك جمع تناول الحارة وشخصياتها وعالمها في رواية "حارة عليوة" بين تفاصيل واقعية شديدة المحلية، وبين هذا التلقي العام للتكنولوجيا الذي غيّر العالم كله، والذي يمكن أن نجد له أثرا بالتأكيد في كل شارع وحارة ومنطقة من مناطق العالم المترامية الأطراف.

هكذا جاء تمثيل الحارات والأحياء في هذه الروايات المعاصرة مختلفا ودالا على تنوع كبير وثري في التعامل مع واحد من أهم عناصر البناء الروائي، وهو المكان، وقدرة هؤلاء الكتاب على اختلاف مواضيعهم وقضاياهم على التعبير عن أفكارهم في إطار هذه الأماكن شديدة الخصوصية.

  • مدن العرب في رواياتهم _ علي عبد الرؤوف _ مدارات للأبحاث والنشر
  • كوتسيكا _ غادة العبسي _ المحروسة للنشر
  • الحي الإنجليزي _ حماد عليوة _ دار الرواق
  • الصنادقية _ يوسف الشريف _ دار العين
  • حارة عليوة سابقا _ محمد عبد العاطي _ نهضة مصر (حصل عنها على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، 2020
font change

مقالات ذات صلة