"أنصار السنة"... من هم؟ وما علاقتهم بتفجير كنيسة مار إلياس في دمشق؟

الأطراف التي تريد زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا كثيرة، بعضها داخلي

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رجال إنقاذ يتفقدون الدمار في موقع الهجوم الانتحاري في كنيسة مار الياس بمنطقة الدويلعة بدمشق، سوريا في 22 يونيو

"أنصار السنة"... من هم؟ وما علاقتهم بتفجير كنيسة مار إلياس في دمشق؟

هزّ العاصمة السورية دمشق تفجير يوم الأحد 22 يونيو/حزيران داخل كنيسة مار إلياس في منطقة الدويلعة أودى بحياة أكثر من 25 مدنياً وعشرات الجرحى، في حادثة صادمة استهدفت المسيحيين السوريين داخل كنيستهم لأول مرّة منذ عقود، وعلى الرغم من إعلان وزارة الداخلية السورية من اليوم الأول للتفجير أن تنظيم "داعش" هو الذي يقف خلف استهداف الكنيسة، صدر بيان يوم الثلاثاء عن تنظيم "سرايا أنصار السنة" والذي ظهر اسمه خلال الأشهر الأخيرة على الإعلام، يتبنّى فيه التفجير ويهدد بعمليات أكثر خلال الفترة القادمة.

وجاء في بيان "سرايا أنصار السنة" أن التنظيم استهدف كنيسة مار إلياس "بعد استفزازٍ من نصارى دمشق في حق الدعوة وأهل الملَّة، استفزازا جاوز التلميح إلى التصريح، وتعدَّى الهزل إلى الجد، تطاولوا فيه على أصول الدعوة"، وبحسب البيان فإن الذي نفّذ التفجير هو شخص اسمه "محمد زين العابدين أبو عثمان"، وهدد التنظيم بأن "القادم لن يمهلكم، ولن يرحم غفلتكم، فجنودنا- من استشْهَاديين وانغِمَاسيين- على أتمِّ الجاهزية، عُدَّة وعددًا، ورباطًا لا يعتريه وهن، ولا تعرف صفوفه التراجع". وتابع: "من ابتغى النجاة، فباب التوبة لا يزال مفتوحًا، فليُبادر قبل أن يُغلق، فإنَّا إذا أقبلنا لا نلتفت، وإذا مضينا لا نُمهل".

وزارة الداخلية السورية أعلنت يوم الثلاثاء 24 يونيو أيضا أنها ألقت القبض على الخلية التي كانت متورطة في التفجير، وأوضحت أنها نفذّت مداهمة أمنية أسفرت عن "تحييد" أحد المتورطين "في التفجير الغادر بكنيسة مار إلياس، وإلقاء القبض على انتحاري آخر كان في طريقه لتنفيذ عملية في مقام السيدة زينب قرب العاصمة دمشق"، وبحسب الوزارة فإن نتائج تحقيقاتها تؤكد أن الخلية تتبع لتنظيم "داعش"، وأن هذه الخلية يتزعمها "شخص سوري الجنسية، يدعى محمد عبد الإله الجميلي، ويكنى أبو عماد الجميلي، وهو من سكان منطقة الحجر الأسود في دمشق، وكان يعرف بوالي الصحراء عند (داعش)". وقالت الوزارة إن الانتحاريين الاثنين، الذي استهدف الكنيسة والذي كان في طريقه لاستهداف مقام السيدة، زينب، غير سوريين و"قدما إلى دمشق من مخيم الهول، عبر البادية السورية، وتسللا بعد تحرير العاصمة، بمساعدة المدعو أبو عماد الجميلي، مستغلين حالة الفراغ الأمني بداية التحرير".

الدولة السورية على علم بتحركات بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى هذا التنظيم، وأن العدد الكلي في الوقت الحالي لا يتجاوز العشرات، متفرقين في أكثر من منطقة جغرافية في سوريا

ماذا نعرف عن "سرايا أنصار السنة"؟

بدأ تنظيم "سرايا أنصار السنة" في الظهور إلى العلن شهر فبراير/شباط الماضي، وذلك بعد أن بدأ بإعلان استهداف الطائفة العلوية بشكل رئيس في مناطق نفوذها وتجمعاتها في الساحل السوري، ثم ليعلن عن مشاركته في عمليات القتل التي استهدفت المدنيين خلال أحداث الساحل السوري مطلع شهر مارس/آذار الماضي، متوعدًا بمهاجمتهم ومهاجمة الدروز وباقي الأقليات في سوريا، ومتهماً الدولة السورية ورئيسها أحمد الشرع بأنهم عملاء للغرب.

التنظيم بحسب بياناته على "تلغرام"، يقوده شخص اسمه أبو عائشة الشامي، والمسؤول الشرعي فيه شخص يُدعى أبو الفتح الشامي، كما يشغل شخص آخر اسمه أبو سفيان الدمشقي منصباً شرعيا في التنظيم. وتبنّى التنظيم عبر قناته على "تلغرام" 25 عملية ضدّ الطائفة العلوية في مناطق متفرقة من الساحل السوري خلال شهر رمضان وحده. العمليات تضمنت الاغتيال والتخريب وحرق الممتلكات، ودعا أكثر من مرّة الراغبين بالانتساب إليه للتواصل عبر قناته على "تلغرام" التي انشئت أواخر شهر يناير/كانون الثاني الماضي.  

أ.ف.ب
مسيحيون سوريون يحملون المشاعل خلال مسيرة في مدينة القامشلي شمال شرق البلاد، في 25 يونيو

مصادر "المجلّة" أكدت أن الدولة السورية على علم بتحركات بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى هذا التنظيم، وأن العدد الكلي في الوقت الحالي لا يتجاوز العشرات، متفرقين في أكثر من منطقة جغرافية في سوريا، أبرزها إدلب والمناطق المحاذية للساحل السوري، إضافة إلى بعض الأفراد في حمص وريف دمشق. وبحسب المعلومات فإن التنظيم كان موجودا في إدلب قبل سقوط النظام، إلا أن أهدافه كانت مختلفة حينها، فهذا التنظيم كان يضم بشكل رئيس أشخاصاً غاضبين من توجهات "هيئة تحرير الشام" عندما كانت تحكم إدلب، وكانوا ينادون بإسقاط "الهيئة" لأنها "خرجت عن تعاليم الإسلام وخانت العهود التي قطعتها على الذين انتموا إليها".

استبعدت المصادر أيضاً أن يكون تنظيم "سرايا أنصار السنة" هو المسؤول عن العملية، إلا إن كان هذا التنظيم قد بايع "داعش" وأصبح جزءًا منه

وبعد سقوط النظام، ووصول "هيئة تحرير الشام" إلى دمشق والبدء بإجراء تغييرات جوهرية على منهج "الهيئة" وطرائقها في الحكم، وانفتاحها على العالم العربي والغرب، بدأت هذه المجموعة باستغلال غضب بعض العناصر والأفراد من توجهات حكومة الشرع وحاولت استدراجهم إلى صفوفها وغيّرت أهدافها المباشرة إلى محاولة إضعاف صورة الدولة السورية ورئيسها من خلال استهداف الأقليات في سوريا، وبثّ رسائل عداء لهم. المصادر أوضحت أن التنظيم هذا يعتمد مبدأ اللامركزية ومبدأ العمليات الفردية العشوائية، من حيث عدم وجود هيكل تنظيمي واضح لها، واعتمادها على الأفراد المتوزعين لا الجماعات المنظمة.

المعلومات تشير أيضا إلى أن الداخلية السورية تراقب عناصر في المجموعة وتترصد تحركاتهم، واعتقلت أكثر من شخص منهم خلال الأشهر الماضية، وتحاول تتبع الأفراد لمنع أي هجمات قد تحصل، وللوصول إلى قادة التنظيم. ورجّحت المصادر أن غالبية الاستهدافات التي تبناها التنظيم قد تكون من أجل كسب التأييد أكثر من كونها عمليات نفّذها التنظيم حقا، خصوصا في مناطق الساحل وحمص كون أن بعض الأعمال التخريبية وعمليات الاستهداف كانت من باب الانتقام وتم إلقاء القبض على الفاعلين.

أ.ف.ب
قداسٍ بقيادة بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر، غداة التفجير الانتحاري على كنيسة القديس إلياس في منطقة الدويلعة بدمشق، في 23 يونيو

وعن تفجير الكنيسة في دمشق، قالت المصادر إنه تبين بعد التدقيق أن تنظيم "داعش" هو من يقف خلف التفجير، وأن إعلان تنظيم "سرايا أنصار السنة" جاء بعد يومين من التفجير، ما يُرجح أنه "تبنٍّ من أجل كسب القوّة الوهمية". كما أكدت عدّة مصادر في الأمن العام أن التفجير الذي استهدف الكنيسة كان بفعل المجموعة التي تم إلقاء القبض عليها من قبل وزارة الداخلية، وأن هذه الخلية مرتبطة بتنظيم "داعش" بشكل مباشر. واستبعدت المصادر أيضاً أن يكون تنظيم "سرايا أنصار السنة" هو المسؤول عن العملية، إلا إن كان هذا التنظيم قد بايع "داعش" وأصبح جزءًا منه.

سرديات متخبطة

وقامت "المجلّة" بتحليل اللغة التي اعتمدها تنظيم "سرايا أنصار السنة" منذ نشأة قناته على "التلغرام"، وكان ملاحظاً وجود تخبّط في اللغة وتفاوت في منهجيتها وأسلوب الكتابة. فأحيانا تعتمد الجمل القصيرة المنمّقة والتي تركز على النغم الصوتي النثري، وفي أحيان أخرى يتم اعتماد مبدأ النسخ من الكتب الشرعية مع التعديل، في حين أن بعض النصوص تأتي بلغة مبتذلة وعامية. كما أن لغة القناة تتناقض في بعض الأحيان، فهي تُمجّد شخصيات كانت في "داعش" سابقاً، وتُحرّم استخدام كلمة "داعش" للدلالة على "الدولة الإسلامية في الشام والعراق"، ثمّ في لحظة أخرى تكتب عنهم باستخدام اللغة التهكميّة مثل نعت التنظيم بكلمة "الدواعس".

الثابت الأول في نصوص القناة على "تلغرام" هو العداء للحكومة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع، وإلصاق صفة "الكفر" بكل العاملين معها أو المتعاونين معها، أما الثابت الثاني فهو تهديد وتوعّد باستهداف الأقليات في سوريا، من علويين ودورز وإسماعيليين، وإصدار فتاوى بإباحة قتلهم، بحجة أن "الفتنة أشد من القتل" فلذلك لا ينبغي النظر إلى عامل إراقة الدماء لأنه أقل خطرًا من الفتنة، بحسب سرديات التنظيم.

يُشكل استهداف كنيسة مار إلياس نقطة تحوّل جديدة في الواقع الأمني في سوريا وفي طبيعة التهديدات التي تواجه السوريين عموما، وجهود الحكومة السورية الجديدة بشكل خاص

في 15 أبريل/نيسان نشرت القناة أن "عفو الحكومة السورية عن شبيحة الدم المجرمين ليس من الدين في شيء، فإن في معاقبتهم الردع والزجر؛ فتهدأ الثائرة، وتبرد مشاعر الانتقام عند أولياء الشهداء"، لتتبعه ببيان يوم 17 من الشهر نفسه تتحدث فيه عن صفات الحكومة السورية والتي جاء في بعضها أن الحكومة هي عبارة عن "استضافة وحماية المتورطين بجرائم الحرب ضد المدنيين، التقايض مع أرباب الفساد والإجرام من أزلام أسماء الأسد، ومخلوف، ومحمد حمشو، ووفيق رضا سعيد، وفادي صقر وغيرهم، حكومة إسلامية الشكل، ديكتاتورية الموضوع، علمانية القالب، تخضع للثقافة السائدة على حساب الدين والمبادئ، وعمالة للتحالف الدولي، وتسليم للمطلوبين، والتعاون مع المخابرات التركية والأميركية لحرب المجاهدين"، واتهمت في منشور آخر حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع بأنها "انسلخت من ربقة الإسلام انسلاخ الأفعى من جلدها، نكصت على أعقابها، وارتدت على أدبارها، قد خلعت بيعة الله من أعناقها، ورفعت راية الشِّرك على منابرها".

ونشرت القناة مطلع شهر مايو/أيار الماضي مقطعاً للقيادي السابق في تنظيم "داعش" أبو محمد العدناني، الذي وصفه تنظيم "سرايا أنصار السنة" بأنه "الشيخ المُسدد"، يتحدث فيه عن الدول العربية والغربية ويتهمها بالكفر. ثمّ حرّم التنظيم بعد أيام لفظ "داعش"، لكنه في مطلع يونيو انتقد الحكومة السورية وأفعالها في منشور آخر وقال إن "عدد الدواعس يتزايد يوميا بشكل لا يُصدق بسبب قرارات حكومة الجولاني".

التنظيم أيضاً بدأ مع شهر مايو الخروج عن هدفه الجغرافي في منشوراته، فتحدث عن وجود خلايا له في لبنان، وأن هذه الخلايا جاهزة لاستهداف العلويين والدروز، ثمّ في وقت لاحق نشر أن "سرايا أَنصار السنة في سوريا ولبنان" تُعلن تأييدها لمجموعة غامضة ظهرت على قنوات "التلغرام" تحت اسم "حركة الملثمين الأحرار".

ومن خلال تحليل منشورات القناة، يتبيّن أن تنظيم "سرايا أنصار السنة" لا يحمل في طيّاته أي بنية تنظيمية وأدبية واضحة، كما أن التفاوت في النصوص يعكس التخبط الذي تعيشه المجموعة من الناحية المنهجية، ورغبتها في الصعود الإعلامي، وهو ما جرت ملاحظته من منشورات القناة التي تضع روابط وفيديوهات التقارير التي تنتقد التنظيم وتتحدث عنه، وذلك في سياق إظهار شهرة التنظيم ومدى المخاوف التي يُشكلها في الأوساط السورية والعربية.

"داعش" أم "أنصار السنة"... التهديد مستمر 

يُشكل استهداف كنيسة مار إلياس نقطة تحوّل جديدة في الواقع الأمني في سوريا وفي طبيعة التهديدات التي تواجه السوريين عموما، وجهود الحكومة السورية الجديدة بشكل خاص. ويضع هذا التحوّل الحكومة السورية أمام واقع صعب وسط محدودية الأدوات والمعرفة الاستخباراتية، خصوصاً في ظل انشغال الدولة بمهام أمنية كبيرة أبرزها الحدود السورية وتأمينها ومنع امتداد أي صراع من خارج حدود الدولة السورية إلى الداخل، إضافة إلى مهام متصلة بمنع بقايا النظام السابق والخلايا الإيرانية من زعزعة الاستقرار، وجهود كبيرة أخرى لمواجهة تنامي خطر تنظيم "داعش" في سوريا، فضلا عن عمليات محاربة تجارة وتهريب مخدر الكبتاغون الذي غزا العالم من سوريا زمن النظام السابق.

الأطراف التي تريد زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا كثيرة، بعضها داخلي، وآخر يحظى بتمويل ودفع من خارج الحدود. وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة السورية الجديدة لمنع انتشار الفوضى، وتوحيد الجغرافيا عبر عمليات التفاوض، فإن الخطر جدّي وموارد الحكومة محدودة في ظل تعدد التهديدات والأولويات، وفي ظلّ انتشار ملايين قطع السلاح المنفلت بأيدي السوريين والمجموعات المسلحة الخارجة عن مظلّة الدولة السورية.

font change