لبنان كما سائر المنطقة وخصوصا ساحات النزاع المفتوحة يعيش تداعيات الحرب الإيرانية–الإسرائيلية بين محاولة إسرائيل وأميركا تثبيت مفاعيل سياسية لنتائج الحرب ومحاولة طهرن في المقابل إفشال هذه المفاعيل من خلال التأكيد على انتصارها في المواجهة، ولا سيما من حيث صمود النظام وإلحاق الأذى بإسرائيل على الرغم من الضربات القاسية التي تعرضت لها إيران سواء باستهداف الهيكل القيادي أو البنى التحتية العسكرية والنووية.
وهذا سجال مفتوح بين إيران وإسرائيل بمشاركة أميركية مباشرة ولا يبدو أنه سيقفل قريبا، خصوصا في ظل اللغط الذي يحيط بحجم الدمار الذي لحق بالمنشآت النووية بعد الضربة الأميركية. مع العلم أن بناء إيران سردية انتصارها على صمود نظامها ضعيف الحجة نسبيا على اعتبار أن أيا من تل أبيب أو واشنطن لم يضعا إسقاط النظام الإيراني هدفا مباشرا للحرب. لكن أيا يكن من أمر فإن هذا السجال المتوقع هو جزء لا يتجزأ من حروب المنطقة حيث تكثر تأويلات النصر والهزيمة مدفوعة بعدم تحقيق أي طرف نصرا كاملا ضد خصمه أو إلحاق أي طرف هزيمة كاملة بخصمه.
لبنان ليس غريبا عن هذا السجال وقد شهده ولا يزال منذ وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" في 22 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، بحيث يصر "الحزب" على انتصاره بالرغم من كل الضربات التي تعرض لها ولا يزال، لكن حسابات الربح والخسارة تدخل هنا في منطق خاص جدا لا يخضع لأي معايير عسكرية أو سياسية واضحة بقدر ما يخضع لقدرة الأطراف، وبالأخص "حزب الله"، على رفع راية النصر، فيغدو الانتصار قيمة مجردة الغاية منها تغطية التمسك بالسياسات المتبعة، أي عدم إجراء أي مراجعة موضوعية تدفع باتجاه تبني سياسات جديدة، وهو ما يعمق بالضرورة الحالة المأزقية التي يعانيها "الحزب" ولبنان معا.