تتميز إيطاليا بواقع سياسي فريد من نوعه على الصعيد الأوروبي. واقع متنوع وتركيبة تعددية تشبه جغرافيا إيطاليا وجمالها الطبيعي وثقافتها الغنية. وهي تعيش اليوم صراع ضدين عاشته منذ أكثر من مئة سنة، حين أسس بينيتو موسوليني الحركة الفاشية وسيطر على السلطة عام 1922 ومارس الحزب الشيوعي المقاومة المسلحة بقيادة المفكر أنطونيو غرامشي حتى سقوط موسوليني الذي تم إعدامه عام 1945 فيما استمر الحزب الشيوعي حتى 1989 حين استبق أمينه العام الشاب أكيللي أوكتو سقوط الاتحاد السوفياتي بسنتين معلنا انتهاء التجربة الشيوعية. واليوم يستمر الصراع بين سيدتين تترأس الأولى حزب "إخوة إيطاليا" وريث الحركة الفاشية الذي تتزعمه منذ عشر سنوات رئيسة الحكومة الحالية جورجيا ميلوني (48 سنة) والثانية اللي شلاين (38 سنة) التي تقود منذ أكثر من سنتين الحزب الديمقراطي المتفرع من الحزب الشيوعي، وهي متعددة الجنسيات الإيطالية والسويسرية والأميركية.
وقد سادت هذه الحالة بعد فترة التسعينات التي قضت خلالها حملة قضاة "الأيادي النظيفة" ضد الفساد والرشوة على معظم الأحزاب التي كانت تتصدر المسرح السياسي كالحزب الديمقراطي المسيحي الذي كان الأقوى والمسيطر على الحكم منذ سقوط الفاشية لغاية 1992، والحزب الاشتراكي الذي كان يتزعمه رئيس الحكومة الأسبق بتينو كراكسي الذي اتهم بفضائح فساد رفضها باستمرار ولجأ إلى تونس وتوفي هناك، والحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الجمهوري والحزب الليبرالي، جميعهم انهاروا بسبب تورط قياديين ومسؤولين منهم في الفساد، فيما نجا الحزب الراديكالي الذي لم تطاله الفضائح، واشتهر بخوض معارك اجتماعية لصالح المرأة مثل الطلاق والإجهاض وأيضا حرية تدخين الحشيشة. ولكن هذا لم يمنع نشوء أحزاب جديدة تؤكد غناء وتنوع الحياة السياسية الإيطالية، إذ لم يقتصر الحكم يوما على الحزب صاحب الأكثرية النيابية وإنما دائما على ائتلاف يشارك فيه عدد من الأحزاب. وإلى جانب السيدتين اللتين تقودان لأول مرة الحزبين الرئيسين هناك أحزاب يمينية متحالفة مع ميلوني وتشاركها في الحكومة مثل حزب "إيطاليا إلى الأمام" الذي أسسه رجل الأعمال سلفيو بيرلسكوني الذي توفي منذ سنتين، والذي ترأسه منذ عام 1992 فور انهيار الحزبين الديمقراطي المسيحي والاشتراكي، وكانا حزبي السلطة، خوفا على أعماله ومشاريعه وهو الذي كان يملك ثلاث محطات تلفزيونية وفريق ميلان أشهر الأندية الإيطالية في كرة القدم. واليوم هبطت شعبية هذا الحزب تحت العشرة في المئة إلى مستوى 8 في المئة ويرأسه نائب رئيسة الحكومة ووزير الخارجية الحالي أنطونيو تاياني، الباهت سياسيا والذي يحاول المحافظة على توجهات التيار الأوروبية، واتخاذ مواقف وسطية. وهناك الحليف الآخر "حزب الرابطة" العنصري الذي يتزعمه ماتيو سالفيني الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس الحكومة ووزير الأشغال والبنى التحتية، وهو حزب يشتهر بتعصبه لإيطاليي الشمال "الأكثر حضارة" برأيه وأصحاب رؤوس أموال ومشاريع، ولكنه يحاول مؤخرا التخفيف من كرهه للجنوبيين الطليان والأجانب، وبالأخص المهاجرين الذين يشكلون ظاهرة مقلقة لإيطاليا إذ إن توافدهم بالمئات هو شبه أسبوعي بحرا بين تونس وجنوب إيطاليا.