على أعتاب دمشق... إسرائيل توسع توغلاتها في سوريا

فرض الأمر الواقع

أ.ف.ب
أ.ف.ب
جندي إسرائيلي يقف عند نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، المطلة على جنوب سوريا، في 25 مارس

على أعتاب دمشق... إسرائيل توسع توغلاتها في سوريا

تحاول إسرائيل فرض واقع صعب على الدولة السورية من الناحية الأمنية، وذلك لدفعها إلى الوصول إلى تفاهمات بينها وبين سوريا قبل أن تتسارع أعمال عجلة الاستقرار السوري الذي قد يؤجل التفاهمات السريعة ويفتح أبواب التفاوض على المكاسب من جانب الحكومة السورية مقابل أي اتفاق أو عملية سلام. السلوك الإسرائيلي مبني على تعقيد كثير من الديناميكيات السياسية والأمنية أمام الدولة السورية الجديدة المتعبة والمُثقلة بإرث من الدمار والبنية الاقتصادية المنهارة نتيجة سنوات طوال من الحرب.

توغلات في الأراضي السورية، عمليات استهداف وإنزال في عدّة مناطق، وإنشاء حواجز تفتيش في مناطق من حوض اليرموك والقنيطرة، حتى إن التدخلات الإسرائيلية وصلت إلى منطقة يعفور القريبة من العاصمة دمشق، من خلال تنفيذ عملية برية امتدت لـ4 ساعات بحسب معلومات "المجلة"، تضمّنت مصادرة صواريخ تُركت من قبل ميليشيات تابعة لإيران و"حزب الله" اللبناني بعد سقوط النظام، وعملية تفتيش لأكثر من منزل كان من المخطط أن يتم اعتقال أشخاص فيها، دون أن تتمكن "المجلة" من التأكد من مصادر متقاطعة حول نجاح عملية الاعتقال.

عملية الإنزال تمّت بعد ساعات من احتفال الدولة السورية بهويتها البصرية الجديدة، وبحسب المعلومات قدمت 3 طائرات هليكوبتر ونفذّت عملية إنزال في بلدة كفر قوق التابعة لمنطقة يعفور التي لا تبعد عن دمشق كثيرا (حوالي 18 كم)، وعملية مشابهة في بلدة رخلة القريبة من كفر قوق. الجانب الإسرائيلي سحب من المنطقة صواريخ محمولة على الكتف/مضاد للطيران، وتم تفجير ما بقي من المستودعات والتي كانت فيها أسلحة خفيفة. المنطقتان كانتا مراكز قوّة وتخزين سلاح لـ"حزب الله" اللبناني كونهما قريبتين من الحدود السورية-اللبنانية، ما يُرجح أن الجانب الإسرائيلي كان يحاول قطع الطريق أمام وصول هذه الأسلحة لـ"الحزب" في لبنان، سيّما أن عمليات التهريب على الحدود مستمرة في محاولة من "الحزب" نقل ما أمكن من مخزون السلاح الموجود في سوريا والذي لم تصل إليه الدولة السورية بعد.

عملية الإنزال تمّت بعد ساعات من احتفال الدولة السورية بهويتها البصرية الجديدة، وبحسب المعلومات قدمت 3 طائرات هليكوبتر ونفذت عملية إنزال في بلدة كفر قوق التابعة لمنطقة يعفور التي لا تبعد عن دمشق كثيرا

بفارق ساعات عن عملية الإنزال تلك، قامت قوّة برية إسرائيلية بالتوغل في مناطق عدّة من حوض اليرموك بريف درعا، وتحديدا في قرية صيصون، وبحسب المعلومات فإن هذا التوغل كان مؤقتا، تخلله تفتيش لعدة منازل وتجريف لبعض الأراضي، إضافة إلى إنشاء حواجز مؤقتة قبل الخروج من المنطقة بعد انتهاء العمليات هناك. هذا التحرك في حوض اليرموك سبقته عملية توغل مشابهة قبل يومين، 2 يوليو/تموز، وصولا إلى مزرعة في ريف بلدة المعلقة جنوب القنيطرة، حيث تم اعتقال ثلاثة أشخاص من أصول فلسطينية، وتفتيش لعدة أماكن في البلدة. 

أكثر من 6 عمليات مشابهة تمّت في محافظة القنيطرة خلال شهر يونيو/حزيران الماضي، في بلدات جباتا الخشب، طرنجة، وغيرها. وفي يوم 22 من الشهر الفائت توغلت قوّة من الجيش الإسرائيلي بمرافقة عدّة مجنزرات إلى بلدة عابدين في حوض اليرموك، وبحسب المعلومات قامت تلك القوات بشقّ طريق جديد في محاولة لربط وادي عابدين بالجولان، إلا أن عمليات التمهيد توقفت حينها وغادرت القوّة، فيما يبدو أنه انتهاء للمرحلة الأولى من العملية. وفي يوم 31 يونيو قامت قوّة إسرائيلية بتفتيش المارّة على الطريق بين خان أرنبة وجبا في ريف القنيطرة، وتوقيف كل سيّارة أو شخص يمر على الطريق.

غضب شعبي

الاستهدافات والتوغلات الإسرائيلية التي تحاول إسرائيل تبريرها بأنها لحماية أمنها القومي من أي جماعات تابعة لإيران أو جهات متشددة في المناطق السورية القريبة من حدودها، هي في واقع الأمر تُشكل عبئا أمنيا على الدولة السورية، فالغضب الشعبي من التوغلات الإسرائيلية بات حملا ثقيلا خصوصاً في محافظات الجنوب، إضافة إلى أن الأطراف الخارجية التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار في سوريا تستفيد من التدخلات الإسرائيلية وسط توجّه الدولة السورية لاحتواء التدخل دون خلق مزيد من الفوضى، فالميليشيات التابعة لإيران وأذرع "حزب الله" اللبناني تحاول تجنيد وإعادة إحياء نفوذها من بوابة "المقاومة" ومنع التدخلات الإسرائيلية ومحاربة توجهات الحكومة السورية للتفاوض مع إسرائيل، يُضاف إلى ذلك الاستراتيجية الجديدة لتنظيم "داعش" في سوريا والتي تهدف إلى شيطنة الدولة السورية ورئيسها أحمد الشرع، بغية تجنيد عناصر جدد بحجة محاربة الدولة وتوجهاتها للسلام مع إسرائيل.

الدولة السورية ألمحت أكثر من مرة إلى أن هناك مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، بهدف الوصول إلى نوع من الاتفاق، إلا أن البنية الشعبية التي يمكن أن تقبل التوافق مع الجانب الإسرائيلي ما زالت غير واضحة المعالم بالنسبة للدولة السورية، فأي خطو نحو الأمام للسلام قد تخلق فجوات أمنية وتُفقد القيادة السورية الجديدة نسبة من التأييد الشعبي لها.

يقول أحمد رويّان، رئيس اللجنة التنفيذية في التجمع المدني لأبناء الجولان في حديث مع "المجلة" إن "نظرتنا ورأينا في الاتفاق مع إسرائيل يتوافق ويتطابق مع رأي القيادة السورية التي نثق بها تمام الثقة"، وعقّب بالقول: "بشرط أن لا يتم التهاون أو التفريط بحقنا الأصيل في أرضنا المحتلة عام 67"، وعدّ أن "الغاية من التوغلات الإسرائيلية هي خليط من فرض واقع جديد وجس نبض للشعب السوري وخصوصا أبناء الجولان ومحاولة للتمهيد لعقد اتفاق جديد لتبديد المخاوف الأمنية التي تخشاها إسرائيل".

الدولة السورية ألمحت أكثر من مرّة إلى أن هناك مفاوضات غير مباشرة مع الجانب الإسرائيلي، بهدف الوصول إلى نوع من الاتفاق

فصائل غير منضبطة

منذ سقوط النظام السوري، وبدء الجانب الإسرائيلي شنّ غارات مكثفة ضد منشآت عسكرية كانت تتبع للجيش السوري زمن النظام، بدأت كثير من بقايا الخلايا الإيرانية، وبقايا النظام السوري، وخلايا "داعش"، ومجموعات عسكرية غير منضبطة، باستغلال الحالة تلك لتحقيق عدّة أهداف مثل تجنيد عناصر جدد، وزعزعة الثقة بالدولة السورية الجديدة، ومحاولات استهداف للجانب الإسرائيلي لخلق فوضى أمنية وتبرير التدخلات الإسرائيلية في سوريا، والتي تُعتبر أحد أعمدة سرديات هذه الجماعات في تقوية نفوذها في سوريا، يُضاف إلى ذلك سرديات أخرى مثل اتهام الدولة السورية بالتطرف ومهاجمة الأقليات السورية.

وكان لافتا ما حصل يوم 3 يونيو/حزيران، عندما تم إطلاق ثلاثة صواريخ غراد من منطقة قريبة من سحم الجولان بريف درعا باتجاه الجولان، ليردّ الجانب الإسرائيلي بأكثر من 6 قذائف على المنطقة، عدّة أطراف تبنّت العملية من الجانب السوري أبرزها "المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس"، و"كتائب الشهيد محمد الضيف"، المجموعتان ظهرتا خلال الأشهر الأخيرة، وتحملان أجندةً متقاربة، محاربة الجانب الإسرائيلي، ودعم "محور المقاومة" في المنطقة.    

بحسب المعلومات التي حصلت عليها "المجلة"، فإن الحكومة السورية اعتقلت أشخاصا بعد الاستهداف ينتمون لـ"كتائب الشهيد محمد الضيف" التي تبنّت العملية، في إطار التحقيقات حول الحادثة، فيما لم يتم الوصول إلى معلومات عن أماكن توزع عناصر "المقاومة الإسلامية في سوريا-أولي البأس" التي تبنّت العملية هي الأخرى ونشرت مقطع فيديو يُظهر لحظة إطلاق صواريخ دون وجود ما يؤكد أن الفيديوهات هي لعملية إطلاق الصواريخ نفسها التي وصلت الجانب الإسرائيلي.

هذه الكتائب في سوريا هي عبارة عن مجموعة صغيرة ليست ذات نفوذ كبير. في حين أن الخطر الأكبر يكمن في محاولة أذرع إيران و"حزب الله" اللبناني في المنطقة الاستفادة من هذه المجموعات وتقوية نفوذها

"كتائب الشهيد محمد الضيف" حملت اسم القائد السابق لأركان "كتائب عز الدين القسام"، والذي يُعتبر الجناح العسكري لـ"حماس". اغتالته إسرائيل شهر أغسطس/آب من العام الماضي، وتحقيقات الدولة السورية مع المعتقلين كشفت، بحسب معلومات "المجلة"، أن هذه الكتائب في سوريا هي عبارة عن مجموعة صغيرة ليست ذات نفوذ كبير. في حين أن الخطر الأكبر يكمن في محاولة أذرع إيران و"حزب الله" اللبناني في المنطقة الاستفادة من هذه المجموعات وتقوية نفوذها. سيّما أن بعض الشخصيات التي كانت تخدم الأجندات الإيرانية في الجنوب السوري ما زالت موجودة ومتوارية عن الأنظار وتحاول الوصول إلى عناصر سابقين أو مدنيين غاضبين من التدخلات الإسرائيلية بغية تجنيدهم.

ووفق المعلومات، فإن الأمن الداخلي في سوريا يبحث عن عناصر سابقين في "قوات العرين"، التي كان يرأسها وسيم المسالمة والتابعة للميليشيات الإيرانية كانت تنشط في منطقة اللجاة جنوب سوريا، ما زالوا على تواصل مع شخصيات وقيادات في "حزب الله" اللبناني، فيما قالت عدّة مصادر محلية في درعا والسويداء إن بعض الشخصيات القيادية في جيش النظام والميليشيات الإيرانية يختبؤون في أرياف السويداء ومناطق من درعا، وأن هؤلاء يحاولون تجنيد شخصيات للعمل لصالحهم لتنفيذ عمليات أمنية في درعا. وسيم المسالمة لم يتم اعتقاله حتى اللحظة وما زالت عمليات البحث عنه من قبل الدولة السورية جارية للوصول إليه، في خطوة تراها الدولة مهمة في طريق تفكيك الشبكات التي ما زالت تعبث في مناطق الجنوب السوري.

 أ ف ب
أمرأة تسير وسط الدمار بعد غارة إسرائيلية في درعا جنوب سوريا في 18 مارس 2025

أحمد رويّان لا يظن أن قوّة إيران في الجنوب السوري قادرة على "فرض واقع جديد على الحدود مع الجولان المحتلة"، وأن "زمن متاجرة إيران في القضية الفلسطينية والعداء الوهمي لإسرائيل قد انتهى"، لكنّه في الوقت نفسه يقول  "ما زلنا نخشى أن تكون هناك أذرع خفية لإيران تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار وتوفير الحجة لإسرائيل للقيام بمزيد من التوغلات داخل أراضي القنيطرة".

من جهته، أعرب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الأميركي ماركو روبيو، يوم 4 يوليو/تموز الجاري، عن "قلق متزايد" لدى دمشق "إزاء محاولات إيران التدخل في الشأن السوري، وخصوصا في أعقاب الضربات التي تعرضت لها طهران مؤخرا، وهو ما شاركته الولايات المتحدة، محذرة من أن إيران رغم انشغالاتها الحالية لن تتوقف عن السعي لتغيير موازين القوى داخل سوريا"، وأضاف الشيباني أن سوريا تتطلع "للتعاون مع الولايات المتحدة للعودة إلى اتفاق فض الاشتباك لعام 1974".

مسار سياسي معقّد

تواجه عملية التوافق مع إسرائيل عدّة عراقيل داخلية في سوريا، أبرزها عدم استقرار الوضع الأمني في سوريا، ما يعني أن جهود الحكومة السورية تُعطي الأولوية لمواجهة التحديات الداخلية، لضمان إرساء الأمن وإضعاف الأجندات الخارجية والداخلية ومحاربة المخدرات وتنظيم "داعش"، إضافة إلى عراقيل على مستوى المزاج الشعبي غير المُجمع على أي تحرك نحو اتفاق سلام مع الجانب الإسرائيلي في ظلّ التدخلات الإسرائيلية من جهة، وهجمات التضليل الإعلامي التي تهدف إلى شيطنة الدولة واعتبارها عملية للجانب الإسرائيلي، ويزيد على ذلك مخاوف من حالات انشقاق داخلية في صفوف القوى العسكرية الصلبة التابعة للحكومة السورية في حال التوجه إلى عملية سلام مع الجانب الإسرائيلي. كما أن سياسة فرض وفرط القوّة التي تعمل بها إسرائيل تُعد أحد المعوقات للسلام أو الاتفاق، لأن ذلك يعكس صورة ضعف عند الجهة التي عقدت السلام مع إسرائيل على مبدأ السلام تحت ضغط السلاح.

السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توماس باراك، قال قبل أيام في تصريحات صحافية إن بلاده ترعى إجراء محادثات "ذات مغزى" بين الحكومة السورية وإسرائيل، معقّباً أن تحقيق السلام بين الجانبين قد يتطلب وقتاً، مرجئا ذلك إلى تعقيدات المشهد الداخلي السوري.

تواجه عملية التوافق مع إسرائيل عدّة عراقيل داخلية في سوريا، أبرزها عدم استقرار الوضع الأمني في سوريا، ما يعني أن جهود الحكومة السورية تُعطي الأولوية لمواجهة التحديات الداخلية

وعلمت "المجلة" من عدة مصادر سورية أن الحكومة السورية ترى أن أي اتفاق مع إسرائيل في المرحلة الحالية سيكون اتفاق وقف إطلاق نار والعودة إلى حدود ما قبل انهيار النظام، وسط ضمانات يمكن أن تقدمها الحكومة السورية بتعزيز الأمن في المنطقة، القريبة من الحدود السورية الإسرائيلية، في محاولة لتهدئة المخاوف حيال وصول قوى متشددة أو تابعة لإيران في المنطقة. إلا أن ذلك يعني بطبيعة الحال وقف التوغل الإسرائيلي وعدم اعتراض إسرائيل لأي قوّة تابعة للجيش السوري أو الأمن الداخلي السوري بالقرب من الحدود، لأنه دون ذلك لن تتمكن الدولة السورية من ضبط المنطقة ومواجهة القوى التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار في الجنوب.

أ.ف.ب
جندي إسرائيلي يتفقد دبابة قتالية من طراز ميركافا في موقع بمرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل على طول الحدود مع جنوب سوريا في 25 مارس

وحاولت الحكومة السورية إيصال عدّة رسائل بأن التدخلات الإسرائيلية في سوريا تُعقد المشهد، وتفتح الباب أمام كثير من القوى الخارجية للتدخل ومحاولة زعزعة الاستقرار في سوريا، وأكدت خلال لقاءاتها مع مسؤولين غربيين أن الوقت مبكر للحديث عن أي عملية سلام مع إسرائيل، وأن أولوية الدولة السورية اليوم هي الاتفاق على عودة الخطوط إلى ما قبل سقوط النظام وحدود فض الاشتباك، في مقابل ذلك ضمانات بأن الحدود السورية لن تُشكل أي تهديد عابر للحدود لدول الجوار بشكل عام.

ومما لا شك فيه أن تعقيدات ملف لبنان وقضية سحب سلاح "حزب الله" يمكن أن تنعكس على الواقع الأمني في سوريا، سيّما أن "حزب الله" اللبناني يرى خطة توماس باراك كـ"استسلام"، ما يعني أن المبعوث الأميركي لن يسمع كثيراً من الإيجابية من الجانب اللبناني في الأيام القادمة وسط رفض "حزب الله" لتسليم سلاحه من جهة، ومحاولة تجييش الشارع اللبناني لخدمة توجهاته من جهة أخرى. الرفص المستمر لـ"الحزب" يعني إمكانية عودة العمليات العسكرية الإسرائيلية، والذي بدوره يعني زيادة محاولات تجنيد وتفعيل الخلايا الموجودة في الجنوب السوري لتخفيف الضغط من جهة، وتشتيت الجبهات من جهة أخرى لتعزيز حالة الفوضى في المنطقة.

font change