أسلوب ترمب مع إيران قد يُعيد إنتاج الأخطاء السابقة

فشل الديمقراطيين في تمرير قرار يحد من صلاحيات الرئيس في إعلان الحرب يوضح صعوبة مقاومة أجندة ترمب

سارة بادوفان
سارة بادوفان

أسلوب ترمب مع إيران قد يُعيد إنتاج الأخطاء السابقة

قوبل إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن البرنامج النووي الإيراني قد "تعرض للتدمير الشامل" بفعل قنابل أميركية خارقة للتحصينات في يونيو/حزيران الماضي، بردود فعل متباينة داخل الولايات المتحدة وخارجها. وكرر المؤيدون خارج الولايات المتحدة، ولا سيما إسرائيل، رواية ترمب بشأن حجم الضرر، حيث صرح رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، إيال زامير، بأن البرنامج النووي الإيراني "تراجع لسنوات".

غير أن هذه المزاعم الجريئة لم تخلُ من الاعتراضات. فقد أكد رافائيل غروسي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران لا تزال قادرة على استئناف تخصيب اليورانيوم، وربما لإنتاج سلاح نووي، خلال "بضعة أشهر" فقط. وهي وجهة نظر سبق أن وردت في تقرير أولي صادر عن وكالة استخبارات الدفاع التابعة للبنتاغون عقب الضربة مباشرة.

وقد جاء رد الإدارة على هذه التحديات على الطريقة "الترمبية". إذ وصف وزير الخارجية ماركو روبيو الشكوك بشأن فعالية الضربة بأنها "قصة كاذبة"، فيما قال وزير الدفاع بيت هيغسيث إن "أي شخص يدعي أن القنابل لم تكن مدمرة إنما يسعى لتقويض الرئيس". أما البيت الأبيض، فأعلن أن تسريب تقرير البنتاغون جاء من "موظف فاشل ومن الدرجة الدنيا داخل مجتمع الاستخبارات".

وعلى الرغم من أن هذا القدر من الصلف قد يكون سمة مميزة لترمب وفريقه، فإن ظاهرة الاستخدام الانتقائي للمعلومات الاستخباراتية لتبرير خيارات السياسة الخارجية تعد من الممارسات المتكررة في تاريخ شاغلي المكتب البيضاوي. ومن نواح عدة، يبدو الجدل الحالي حول المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالهجوم على إيران مألوفا للغاية.

أفادت تقارير عدة بأن طهران ربما تكون قد نقلت مخزونها الذي يبلغ نحو 408 كيلوغرامات من اليورانيوم العالي التخصيب من منشآت مثل فوردو ومواقع أخرى قبل الهجوم

هل رجعنا القهقرى عقودا؟

يكمن جوهر الجدل في مدى الدمار طويل الأمد الذي تسببت به ضربات ترمب للمنشآت النووية الإيرانية، إلى جانب الهجمات الإسرائيلية التي استمرت اثني عشر يوما. وتشير صور الأقمار الاصطناعية وعدد من التقارير الاستخباراتية إلى أن القنابل الخارقة للتحصينات التي استهدفت منشآت نووية في أصفهان ونطنز وفوردو قد أحدثت أضرارا جسيمة. وبعيد الضربات، صرح ترمب بأن "المحو" هو الوصف الأدق لأثرها، مؤكدا أن البرنامج النووي الإيراني "تراجع عقودا".

رويترز
وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخريطة إيران، في صورة التقطت في 23 يونيو

غير أن تساؤلات عدة طرحت سريعا، لا سيما بعد أن أشار كل من تقرير البنتاغون المسرّب وتصريحات رافائيل غروسي إلى أن إيران لا تزال تملك الإمكانات التكنولوجية والصناعية اللازمة لاستئناف تخصيب اليورانيوم، إذا اختارت ذلك. كما عبر عدد من كبار مسؤولي الحزب الديمقراطي عن شكوكهم. فقد اتهم السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي ترمب بتضليل الرأي العام عمدا عبر إعلانه أن البرنامج قد أبيد بالكامل، قائلا: "من المؤكد أن قدرات مهمة ومعدات أساسية لا تزال قائمة".

وأفادت تقارير عدة بأن طهران ربما تكون قد نقلت مخزونها الذي يبلغ نحو 408 كيلوغرامات من اليورانيوم العالي التخصيب من منشآت مثل فوردو ومواقع أخرى قبل الهجوم. وقال غروسي في مقابلة مع شبكة "سي بي إس" (CBS): "لا نعلم أين يمكن أن تكون هذه المواد... ربما تكون قد دمرت خلال الهجوم، لكن من المحتمل أيضا أن يكون قد جرى نقل بعضها". وإذا كانت إيران قد احتفظت بجزء من هذا المخزون، فستمتلك المواد اللازمة لصنع ما يصل إلى تسع قنابل نووية في فترة وجيزة، إذا قررت ذلك، رغم أن طهران ما فتئت تؤكد أن التسلح النووي ليس هدفها.

يعد إصرار إدارة ترمب على صدق روايتها نموذجا مألوفا لسياسات فريق "اجعلوا أميركا عظيمة مجددا"، التي تتسم بالنهج الصفري وتجاهل الخصوم

وفي مواجهة هذه الشكوك، صعدت إدارة ترمب من لهجتها. وقد بدا أن ترمب يقارن ضرباته بالقصف النووي الذي أنهى الحرب العالمية الثانية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.

ووفقا لما كتبه الصحافي بيتر بومونت في صحيفة "الغارديان"، فقد تحولت القضية إلى "اختبار ولاء لا مفر منه" لمسؤولي الإدارة الذين سارعوا إلى الاصطفاف خلف الرئيس. فقد تراجعت مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، عن تصريح سابق أدلت به أمام الكونغرس هذا العام، أكدت فيه أن إيران لم تسعَ بنشاط لتطوير أسلحة نووية منذ عام 2003، وصرحت تحت الضغط بأن "صواريخنا أطلقت بدقة عالية، ودمرت القدرات الإيرانية الرئيسة اللازمة لتجميع سلاح نووي بسرعة". كما صرح مدير وكالة المخابرات المركزية، جون راتكليف، للمشرعين بأن النكسة التي تعرض لها البرنامج النووي الإيراني ستستغرق سنوات لتعالج.

مسار مألوف

يعد إصرار إدارة ترمب على صدق روايتها- رغم تعارضها مع تقرير استخبارات البنتاغون وتقييمات رافائيل غروسي- نموذجا مألوفا لسياسات فريق "اجعلوا أميركا عظيمة مجددا"، (MAGA) التي تتسم بالنهج الصفري وتجاهل الخصوم. إلا أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة بالكامل، إذ تحاكي النقاشات التي دارت حول الضربات ضد إيران تلك التي سبقت غزو العراق عام 2003. ففي مسعاها لتأكيد امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل لتبرير الغزو، منحت إدارة جورج دبليو بوش الأولوية للتقارير الاستخباراتية التي تدعم هدفها السياسي.

رويترز
موكب جنازة القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين وغيرهم ممن قُتلوا في الضربات الإسرائيلية، في طهران، إيران، 28 يونيو

وفي مقال نشره في مجلة  "The Conversation" (ذي كونفرسيشن)، استعرض البروفيسور روبرت دوفر كيف أظهرت التحقيقات اللاحقة أن وكالات الاستخبارات الأميركية سمحت لتقييماتها بأن تتأثر بالاحتياجات السياسية للبيت الأبيض، أو أنها ترددت كثيرا في الإقرار بجهلها ببعض الجوانب. وقد أسفر ذلك عن تقييمات واثقة- وإن كانت خاطئة- بأن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل، ما مهد الطريق للغزو وما تبعه من تداعيات.

وخلافا لإخفاقات استخباراتية سابقة، مثل الفشل في التنبؤ بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، فإن أخطاء عام 2003 كانت مدفوعة في المقام الأول بالسياسة. وسواء كان ذلك على المستوى الدولي أم لا- وهو في حد ذاته محل جدل حزبي واسع- فإن إدارة بوش أوجدت بيئة قللت فيها أجهزة الاستخبارات من أهمية الفروقات بين تقييماتها وبين سياسة البيت الأبيض.

ويوضح فشل الديمقراطيين في تمرير قرار يحد من صلاحيات الرئيس في إعلان الحرب مدى صعوبة مقاومة أجندة ترمب في الوقت الحالي

رفض المعارضة

هل يتكرر السيناريو ذاته اليوم؟ نظريا، ثمة ضوابط مؤسسية أقرت بعد إخفاقات 2003، تهدف إلى منع ما يعرف بـ"تفكير القطيع" داخل الأجهزة الاستخباراتية. لكن ترمب لم يكتفِ برفض التقييمات المغايرة، بل لجأ إلى ازدرائها، كما فعل مع تقرير وكالة استخبارات الدفاع. والأهم من ذلك أن البيئة السياسية الراهنة تختلف جذريا عن تلك التي سادت عام 2003. فبالرغم من أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، مثل كريس ميرفي، وأجزاء من الإعلام الليبرالي شككوا في مزاعم الإدارة، فإنه لا توجد مؤشرات على وجود رغبة جادة في فتح تحقيق أو التدقيق في مدى صحة الرواية الرسمية بشأن الغارات على إيران.

رويترز
ترمب ووزير الخارجية ماركو روبيو وفريق الأمن القومي في غرفة العمليات بالبيت الأبيض، في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، 21 يونيو

وقد يعزى ذلك إلى أن العملية لا تزال حديثة العهد، ولم تسفر- حتى الآن- عن خسائر بشرية أميركية، على عكس هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول 2001 أو تداعيات حرب العراق. لكنه قد يعكس أيضا واقعا سياسيا جديدا يتمثل في هيمنة ترمب على مؤسسات الحكم الأميركية. فالجمهوريون الموالون يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ، بينما تهيمن الأغلبية المحافظة على المحكمة العليا.

ويوضح فشل الديمقراطيين في تمرير قرار يحد من صلاحيات الرئيس في إعلان الحرب- كان من شأنه تقليص قدرة ترمب على توسيع النزاع مع إيران- مدى صعوبة مقاومة أجندة ترمب في الوقت الحالي. ومع تراجع الاهتمام الإعلامي ما لم يشهد البرنامج النووي الإيراني إحياءً مفاجئا أو تجدّد الصراع مع إسرائيل، فمن المرجح أن يطوى ملف الاستخدام الانتقائي للمعلومات الاستخباراتية دون مساءلة. ومع ذلك، تبقى هذه الأداة جزءا مألوفا من ترسانة ترمب السياسية، وقد يعيد استخدامها في اللحظة التي يراها ملائمة خلال ما تبقى من ولايته.

font change

مقالات ذات صلة