تثير خطة إسرائيل لإنشاء ما تصفه بـ"مدينة إنسانية" في جنوب غزة قلقا عميقا في مصر، وقد تؤدي في حال تنفيذها إلى تصعيد التوتر الإقليمي ومواجهة مباشرة بين القاهرة وتل أبيب.
يحاول القادة الإسرائيليون تزيين الصورة بإطلاق تلك التسمية على ما سيصبح حتما مخيم اعتقال كبيرا الذي سيُقام فوق أنقاض رفح، المدينة التي دمرتها إسرائيل بالكامل خلال حربها. ومن المقرر نقل 600 ألف فلسطيني مشردين– محصورين حاليا فيما يسمّى "منطقة إنسانية" في المواصي– إلى هذا المخيم قسرا بعد إخضاعهم لفحص أمني إسرائيلي. كما تهدف الخطة إلى حشر 1.4 مليون فلسطيني باقين في القطاع داخل هذه المنطقة شديدة الحراسة.
لن يُسمح للنازحين بمغادرة المخيم إلا إلى خارج قطاع غزة، تحت مزاعم "الهجرة الطوعية" التي يروج لها القادة الإسرائيليون. هذا المشروع يعد رمزا صارخا لجرائم الحرب الجارية في غزة، والتي تشمل الترحيل القسري الجماعي وسلب الحريات الأساسية للمدنيين.
بالكاد تخفي فكرة هذا المخيم نوايا نتنياهو الحقيقية تجاه غزة ما بعد الحرب. فهي تكشف عن رغبته الجامحة في رد الجميل للولايات المتحدة، وللرئيس دونالد ترمب شخصيا، لقاء ما قدماه له ولإسرائيل من دعم. وقد صرح نتنياهو صراحة بأن الحرب لن تنتهي ما لم تتحقق رؤية ترمب لغزة– أي تحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". وتلك الرؤية تتطلب، قبل كل شيء، إفراغ غزة من سكانها. والمخيم ليس سوى الأداة التي يعول عليها نتنياهو لتحقيق هذا الهدف تحديدا.
خلال لقائه ترمب في البيت الأبيض يوم 7 يوليو/تموز، زعم نتنياهو أن إسرائيل باتت قريبة من إبرام اتفاقيات مع عدد من الدول لاستقبال لاجئي غزة، لكنه لم يذكر اسم أي دولة، رغم أن تقارير عدة تحدثت عن مغادرة آلاف الفلسطينيين للقطاع بمساعدة السلطات الإسرائيلية.
أما من تبقى، فهم عالقون. إسرائيل تسيطر على نحو 75 في المئة من أراضي غزة، وقد دمرت أكثر من 92 في المئة من مبانيه السكنية. يعيش هؤلاء في العراء، يُجبرون على الفرار مرارا وتكرارا، دون طعام أو ماء أو أدنى مقومات الحياة. ومن شبه المؤكد أنهم سيفضلون الرحيل إن فُتح لهم الباب. فذلك ليس سياسة بقدر ما هو غريزة بشرية.
مغامرة محفوفة بالمخاطر
تتابع مصر هذه التطورات على حدود غزة بقلق متصاعد. ويكمن جوهر المخاوف المصرية في الخطة الإسرائيلية لإنشاء مخيم اعتقال في جنوب القطاع، وهي خطة ترى فيها القاهرة امتدادا صريحا للطموح الإسرائيلي القديم بدفع سكان غزة إلى سيناء، خاصة إذا فشلت تل أبيب في إيجاد دول ثالثة مستعدة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، فتصبح سيناء هي الوجهة التالية.
ولهذا السبب تحديدا، ترفض مصر رفضا قاطعا الخطة الإسرائيلية. وبحسب تقارير، فقد نقل المفاوضون المصريون هذا الرفض أيضا إلى نظرائهم الإسرائيليين خلال محادثات وقف إطلاق النار غير المباشرة مع "حماس" في قطر.