شفيقة الجزار لـ"المجلة": جيلنا حفر في الصخر ليظهر هذا الجيل

وفي طفولتي وتشجيعا من عمي الذي كان يعمل في القاهرة، ذهبنا للدراسة في الكلية الأميركية الداخلية للبنات، وكنا في البداية خمس بنات من السعودية، أنا وأختي والبنات الثلاث لرجل الأعمال عبد اللطيف جميل، وبعدها التحقت الكثير من البنات السعوديات بالمدرسة، من بينهن الأميرة هيفاء ابنة الملك فيصل. ومن ثم بدأ الأهالي يرسلون بناتهم للدارسة، وكان لعودتنا متعلمات تأثير كبير في المجتمع السعودي.  

سمراء الحجاز

والدك عبد القادر الجزار كان شاعرا وكذلك عمك وزوجك الراحل أيضا، هل أثر كلهم أو أحدهم على تجربتك الشعرية، وكيف استطعت في النهاية إيجاد صوتك الخاص؟

بداية، أعتبر نفسي خلاصة والدي، تأثرت من خلاله بالشعر وحب العطاء أيضا، وكان الوالد عندما يكتب الشعر يقرأه لي، وكنت أكتب في صحيفة "عكاظ" السعودية باسم مستعار وهو اسم "سمراء الحجاز". أي بدأت كتابة الشعر منذ صغري. وتأثرت حينها بوالدي وبعمي، اللذين نشرت قصائدهما في ديوان "شعراء الحجاز".   

وفي ما بعد تميزت بأسلوب خاص أعبر من خلاله عن الأشياء التي لم تعجبني، أتحدث عنها بطريقة غير مباشرة بحيث يتلقاها القارئ من دون انزعاج. فشعري هادف يجمع النقد والإصلاح في الوقت نفسه.

كنت أكتب كثيرا بعد وفاة زوجي، ومرة واحدة طبعت مجموعتين شعريتين في القاهرة، إحداهما "أنا التي خلقت أنثى" وذلك بعد تشجيع عدد من المبدعين.

وحينها كتب عني كثيرا في الصحف المصرية، فطلبتني السفارة السعودية في القاهرة فشعرت بالقلق، لكن عندما قابلتهم أخبروني بأن سمو الأمير فيصل بن فهد يقول لك "إن كنت تريدين أي مساعدة فهو مستعد لذلك". فقلت أريد أن أدخل دواويني الى السعودية، وبعد عشرة أيام جاءني خطاب من الوزير وسمحوا بدخول أعمالي الى المملكة، فشعرت بالفخر وعملت على تجربتي الشعرية بحماسة كبيرة.    

للمرأة حضور طاغ في أشعارك، ما الذي أردت إيصاله الى المجتمع والعالم من خلال ذلك؟

لقد توفي زوجي وأنا في السابعة والعشرين من عمري، وعندي أربعة أطفال، فعرفت كيف تكون المرأة مكسورة وهي تربي أطفالها، لذلك كان كل همي الدفاع عن المرأة، فاستحضرتها في قصائدي، وعبرت عن قوتها ووجودها في قصائد كثيرة منها التي تبدأ بـ"لا تقولوا عني أنثى مسلوبة الإرادة"، وغيرها من قصائد تعكس كيان المرأة وحقوقها. 

الفن الواحد

لديك أيضا تجربة في الكتابة الساخرة، فمتى تختارين السخرية؟

أشعر بالحرقة عندما أجد الغلط في بلادي فأكتب عنه. مثلا عندما سافرت ذات مرة في الدرجة الأولى على الخطوط الجوية السعودية ووجدت ذبابا، كتبت قصيدة ساخرة انتشرت بين الناس بشكل كبير، وكذلك فعلت عندما وجدت الفئران على الشاطئ، أي أنني أستخدم أسلوبي الساخر، والمتلقي لا ينزعج حينها من النقد بل يتقبله ويضحك، وفي الوقت نفسه تصل فيه الرسالة الى المعنيين.

كما عملت في الإذاعة لمدة سنة وقدمت "يا هالله دستور"، وهو برنامج نقد اجتماعي استعرضت فيه بطريقة كوميدية عددا من المواضيع مثل كيف يفيض الطعام ويرمى في الشوارع.

جمعت خلال مسيرتك بين الكتابة الأدبية والشعر وتصميم الأزياء والفن التشكيلي، كيف وفقت بينها جميعا، وهي أثر أحد هذه المجالات على الأخرى؟

الكاتب والشاعر هو نبض المجتمع، والفن على اختلافه هو واحد، وهذا الفن يحركني. فمثلا لو شربت من ثمرة جوز الهند، لا يهون علي أن أرميها بل أحولها إلى عمل فني، كما أعمل على خامات متعددة، فذات مرة استفزني مشهد شجرة مقطوعة في الشارع لأكتب عنها قصيدة، وفي الوقت نفسه استخدمتها كعنصر أساس في عمل فني، وأنقذتها من الشارع وحميتها من الذين قد يفكرون أن يشعلوا النار بها، وهكذا جعلتها تعيش بالفن.

ورسمت أيضا مواضيع عدة لها علاقة بالتراث، واعتمدت في الكثير منها على اللونين الأبيض والأسود. إلى جانب ألوان الأكريليك والألوان المائية، وأنجزت العديد من المجسمات التراثية التي استخدمت فيها الخشب. 

لماذا لم تقيمي معارض لأعمالك، وهل هذا ممكن في الفترة المقبلة؟

بصراحة كنت من قبل أحارب من أجل أشياء كثيرة وأحاول أن أصل، لكن عندما بلغت هذا العمر، أترك الآخرين ليأتوا ويقترحوا علي، أو يقدموا لي الدعوات للمشاركة. لا أقدر الآن أن أعرض تجربتي على أحد.

تأثير أنثوي

لديك تأثير مميز في المجتمع السعودي، فقد كنت أول من دربت البنات السعوديات على استخدام الآلة الكاتبة، وأول من أدخلت الملابس الجاهزة الى السعودية، فهل لك أن تحدثينا عن هاتين التجربتين؟

بما أن والدي غرس فيَّ حب العطاء، أسست جمعية خيرية، وعملت أيضا في الجمعيات التعاونية التي أراها أبقى للمحتاجات، كونها تشعر النساء اللواتي ينضممن اليها بأن ما يأخذنه هو حق لهن.

وقد انتخبت عضوا في الجمعية التعاونية، أنا وسعاد جفالي، لكنها رأت أنني متفرغة أكثر منها، فشغلت هي منصب النائبة، بينما عملت رئيسة الجمعية وكان كل همي أن أجعل المرأة تعمل، لأن المرأة إن اشتغلت تحررت. وعندما كنت في مجلس الإدارة طلبنا من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تتيح للشابات الحصول على شهادة من الوزارة في الآلة الكاتبة، مما يسمح لهن بالعمل من منازلهن.  

وبالنسبة الى الملابس الجاهزة، فعندما عاد زوجي من أحضر لنا العديد من الملابس من ألمانيا في وقت لم تكن تباع الفساتين الجاهزة في المملكة، وبعد الاستفسار منه عملت على افتتاح أول متجر للملابس الجاهزة، وفي ما بعد أصبحت من أوائل النساء اللواتي حصلن على السجل التجاري.

لقد أسسنا لظهور الجيل الجديد وحفر جيلنا في الصخر لأجل أن يظهر هذا الجيل، ولكن كل جيلنا لم يحصل على التكريم المناسب، رغم أن كل اللواتي درسن في المدرسة الأميركية عدن وقدمن الكثير.

ما الذين تطمحين إلى تحقيقه بعد تجربة متنوعة المسارات؟

لقد حقق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الكثير مما كنت أتمنى حدوثه في المملكة، لا سيما بالنسبة إلى المرأة والمجتمع.

أما ما أتمناه وأطمح إليه في خصوصي وخصوص من هم في جيلي، فهو أخذ تجربتنا في الاعتبار، بحيث نشعر بأننا قدمنا إنجازات نستحق عليها التقدير.

كيف تنظرين إلى تجربة المرأة السعودية في مجالي الأدب والفن، وما الذي لا تزالين تطمحين الى تحقيقه؟

المرأة إنسانة حساسة، وتجربة المرأة السعودية مهمة جدا، في كل المجالات ومنها الأدب والفن.  وكل ما أرجوه منها ألا تنسلخ عن تقاليدنا وتحافظ عليها.