غزة: في غزة، لم تعد ملامح للبيوت أو الشوارع، حيث محيت على مدار نحو عامين كل مظاهر الحياة وباتت المدينة أقرب تعيش شبه جنازة متواصلة، مع استمرار أعمال القتل الإسرائيلية اليومية في حق المدنيين. لكن أهل غزة لا يتوقفون عن صنع أسباب الحياة، حيث، للمفارقة، لم تتوقف حفلات الزواج في غزة، وإن دون فرح حقيقي.
تكمن دوافع مختلفة حول إقبال الشباب الغزي على الزواج، في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها، من فقد ونزوح وخوف وتشتت. ففي غزة يقرر الناس أن يتزوجوا، لا بسبب الحب وحده، بل من باب النجاة، والخوف من الوحدة، والتلاشي، ومن فكرة أن يموت المرء دون أن يترك أثرا على هذه الأرض.
خلال حرب الإبادة أصبح الزواج في غزة، تقليدا اجتماعيا مبنيا على أفكار لحظية تعود لكل شخص ولا تلتزم التراتبية التقليدية من التقدم للعروس والإشهار والإملاك (طقس احتفالي يجتمع فيه أهل العروسين مع توزيع الحلوى والتحف الزجاجية) وفترة خطبة تمتد لعدة أشهر، وتنتهي بحفل زفاف كبير، ووليمة غداء وذبائح، لأهل الحي والأقرباء، بالإضافة إلى الزام العريس تجهيز شقة سكنية بأثاثها.
فقد فرضت طقوس للزواج في غزة على مدار عقود طويلة، دأب الجميع على اتباعها تحت شعار العادات والتقاليد الخاصة بالزواج. لكن كل ذلك تلاشى من حياة الغزيين، وصار الزواج مقتصرا على مهر يحول عبر تطبيق بنكي، نظرا لشح السيولة النقدية، وحفل صغير في مخزن أو شقة سلمت من القصف بالمصادفة. كما أنه وبعد هدم معظم بيوت غزة صارت الخيمة هي بيت العروس، ولم تعد الفرشة والمخدة جزءا من أثاث البيت، بل الأثاث كله.
حين تصبح الخيمة بيتا
قبل الحرب، كانت حنين دويمة (22 عاما)، طالبة في كلية التجارة، تحلم بأن تؤجل الزواج بضع سنوات حتى تبدأ بعملها الخاص. كانت مخطوبة لمدرس في المرحلة الابتدائية. ومع اشتداد القصف وامتداد النزوح، تكرر تأجيل الزفاف أكثر من خمس مرات. في كل مرة، كانت تتشبث بفكرة "حين تهدأ الأمور". لكن الأمور لم تهدأ.