منذ يوليو/تموز 2025، وُضعت إسرائيل أمام مشهد لم تعد قادرة على التلاعب به: مقطعان مصوّران لأسيرين إسرائيليين محتجزين في غزة، ظهرا بهزال شديد وسوء تغذية، فجّرا جدلًا داخليا واسعا، ليس فقط حول مصير المحتجزين، بل حول كلفة الحرب وأهدافها المتآكلة. الفيديوهان كشفا ما تحاول الحكومة إخفاءه: أن من يُفترض أن تُشن الحرب باسمهم، قد يُقتلون بها، وأن الشارع لم يعد يثق بأن ما يُقال في الميكروفونات يُترجم في الميدان.
الأسيران، كما ظهرا في تسجيلات "كتائب القسام"، لا يمثلان فقط حالة إنسانية، بل ورقة دامغة على فشل سياسي وعسكري متراكم. أحدهما بالكاد يتحدث، والآخر بالكاد يتحرك، والصورة وحدها تكفي لتقويض الخطاب الرسمي الذي يدّعي أن الحرب تجري لأجل تحريرهم، فيما تتعثر صفقات التبادل بسبب رفض نتنياهو إنهاء الحرب.
أمام هذه الصورة، لجأت إسرائيل كعادتها إلى أدواتها الدعائية، فقارنت حال الأسيرين بصور تاريخية من معسكرات النازية، محاولة إحياء ذاكرة الضحية اليهودية. لكن المقارنة سقطت أخلاقيا وسياسيا، أمام مشاهد موثّقة من غزة: أطفال يموتون من التجويع، مدنيون يُقتلون أثناء انتظارهم في طوابير للحصول على كيس طحين، وأحياء بأكملها تُحاصر حتى التفسخ. الرأي العام الدولي لم يشترِ هذه المقارنة، بل رأى فيها ابتزازا خطابيا يتهرّب من الحقيقة على الأرض.
في ظل هذا الإخفاق الدعائي، بدا واضحا أن صورة الأسيرين، جاءت في توقيت بالغ الإحراج لحكومة تحاول إبقاء قبضتها على الرأي العام المحلي، وسط احتجاجات تتنامى، وجدل لا يتوقف حول جدوى استمرار الحرب.