"ماجين عوز"... عصا جحا الإسرائيلية لتفتيت قطاع غزة

المشكلة الأكبر تتمثل بالتغييرات الجيوسياسية والديموغرافية، التي تفرض على الأرض

رويترز
رويترز
يتجمع الفلسطينيون للحصول على إمدادات المساعدة من مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة، بالقرب من رفح، في جنوب قطاع غزة، 24 يوليو 2025

"ماجين عوز"... عصا جحا الإسرائيلية لتفتيت قطاع غزة

بينما أعلنت حركة "حماس" خلال الأسبوع الثاني من يوليو/تموز الحالي، عن رفضها لخرائط الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ضمن مفاوضات وقف إطلاق النار المؤقت، وعملية تبادل الأسرى، التي يجري التفاوض المباشر بشأنها بين الطرفين، منذ بداية الشهر الحالي، بوساطة أميركية-قطرية-مصرية، بسبب استحواذ الجيش الإسرائيلي، على أكثر من 40 في المئة من مساحة القطاع والبالغة 365 كيلومترا مربعا، ومطالبتها لإسرائيل بالانسحاب إلى نقاط التمركز، بحسب الخريطة التي جرى الاتفاق حولها في يناير/كانون الثاني الماضي، كان الجيش الإسرائيلي يعمل على إنشاء محور جديد، يقسم مدينة خانيونس إلى قسمين (شرقي وغربي).

لقد أعلنّ الجيش الإسرائيلي في 16 يوليو/تموز الجاري، عن الانتهاء من إنشاء محور "ماجين عوز" بطول 15 كيلومترا، بحيث يبدأ من نقطة معبر كيسوفيم على الحدود الشرقية، ما بين مدينتي دير البلح وخانيونس، متغلغلا وسط خانيونس، وصولا إلى محور موراج، والذي جرى إنشاؤه في أبريل/نيسان الماضي، فاصلا بين مدينتي خانيونس ورفح، التي يسيطر عليها الجيش بالكامل منذ ذلك الحين، وهو واحد من نقاط الخلاف الرئيسة، إذ تعترض "حماس" على استمرار تمركز الجيش بداخله، خلال فترة الهدنة ضمن اقتراح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، والتي يجري الاتفاق على النقاط الفنية بشأن تنفيذها.

ومن الناحية السياسية، قال القيادي في حركة "حماس" الدكتور باسم نعيم، معقبا على الإعلان الإسرائيلي الأخير، بشأن المحور الجديد، بأنه لا قيمة للمحور والإعلان عن إنشائه، وذلك يرجع لسبب السيطرة الإسرائيلية الكاملة على مساحة القطاع ككل، وما يجري من مفاوضات بين حركته وإسرائيل، وبالتحديد حول الخرائط، وتحديد نقاط تمركز الجيش، خلال فترة الهدنة، والمساحة التي سيتمركز فيها الجنود داخل القطاع في المناطق الحدودية الشمالية والشرقية والجنوبية، يشمل بالتأكيد التغييرات والتطورات والتوسعات، التي يقوم بها الجيش على الأرض حتى خلال فترة الهدنة، أي إنّ "ماجين عوز" لن يشكل عقبة في الفترة الحالية من عملية التفاوض.

المشكلة الأكبر تتمثل بالتغييرات الجيوسياسية والديموغرافية، التي يفرضها الجيش على الأرض، والتي يعاني منها السكان بالدرجة الأولى، نتيجة النزوح القسري من مناطق سكنهم، ومنعهم من العودة إليها

لكن المشكلة الأكبر تتمثل بالتغييرات الجيوسياسية والديموغرافية، التي يفرضها الجيش على الأرض، والتي يعاني منها السكان بالدرجة الأولى، نتيجة النزوح القسري من مناطق سكنهم، ومنعهم من العودة إليها، بينما يمارس الجيش "هواياته" التي دأب على ممارستها خلال الحرب، مثل عمليات النسف للمربعات السكنية، وتجريف المنازل والأراضي الزراعية، وتدمير البنية التحتية من شوارع وشبكات الكهرباء، والمياه والاتصالات، وتحويل المنطقة إلى أرض قاحلة غير قابلة للحياة، كما سبق وفعل ذلك في رفح جنوبا، وبلدات "جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون" شمالا، فضلا عن تجريف وتدمير الأحياء الشرقية لمدينة غزة.

رويترز
فلسطينيون يتجمعون لتلقي الطعام من مطبخ خيري، وسط أزمة الجوع، في مدينة غزة، 24 يوليو 2025

في السابق، قبل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، والتي انطلقت في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت مساحة خانيونس تبلغ قرابة 54 كيلومترا مربعا، يقطنها 438 ألف نسمة، بحسب تقديرات "جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني" لعام 2023، حيث تركز أكثر من نصف تعداد سكانها داخل تجمعات سكانية في مناطق وسط المدينة وشرقها، الذي أصبح تحت السيطرة الإسرائيلية بعد عملية الفصل الأخيرة، في وضع يشبه إلى حد كبير ما حدث في مدينة رفح بعد إخلائها من السكان، وفرض السيطرة العسكرية الإسرائيلية، عقب استئناف الحرب في 18 مارس/آذار الماضي.

وقضم الجيش الإسرائيلي بلدات "الفخاري، عبسان الكبيرة، عبسان الجديدة، خزاعة، القرارة، بني سهيلا" شرق خانيونس، والتي أُجبر سكانها على النزوح القسري، بعد أوامر إخلاء ومجازر ارتكبها الجيش، بحق السكان خلال الشهرين الماضيين، متسببا في مقتل العشرات وإجبار آلاف العائلات على النزوح إلى منطقة المواصي غرب المدينة، بعدما كان يقطنها في السابق عدد محدود من العائلات، بينما كانت تمثل المواصي واحدة من أهم المناطق الزراعية، والتي تعتبر سلة الغذاء الرئيسة، قبل أن يضطر النازحون إلى السكن داخل الحمامات الزراعية مؤخرا.

والمحور الجديد، وهو المحور الرابع الذي أنشأه الجيش خلال فترة الحرب، بعد محور نتساريم الذي يفصل شمال القطاع عن الوسط والجنوب، ثم سيطرته على محور فيلادلفي على طول الحدود الجنوبية مع مصر، ثم سيطرته على محور موراج، الذي فصل بين مدينتي رفح وخانيونس، ثم الإعلان عن محور "ماجين عوز" الذي أصبح أداة ضغط لإضفاء المزيد من التعقيدات الميدانية العسكرية، وتعقيد الواقع الإنساني على السكان.

يقول محمود أبو ريدة (42 عاما)، من سكان شرق خانيونس، ونازح في منطقة المواصي، لـ"المجلة"، إنه بدأ بالشعور في ضياع منزله، والحي الذي ولد وترعرع فيه بعد الإعلان الإسرائيلي الأخير، موضحا: "قبل (ماجين عوز)، كنا نقول بأي لحظة بيتم الإعلان عن هدنة، ممكن نقدر نروح ونرجع لبيوتنا، لكن اليوم صار فيه تخوفات، سيطرة الجيش مستمرة ويمكن ما نقدر نرجع، الموضوع مش سهل.. طوّل، واحنا عايشين بالشوارع في انتظار أي تقدم بالمفاوضات بدل التراجع".

ويشاطر عبد الله أبو جزر (38 عاما)، أبو ريدة في التخوفات من عدم السماح لهم بالعودة لمنازلهم، مشيرا خلال حديثه لـ"المجلة"، إلى فقدانه عددا من أقاربه وأصدقائه بالقرب من منزله خلال الأسابيع الماضية، بعد تعرضهم للقصف المباشر والقتل، بسبب رفضهم للنزوح القسري، حيث كان يأمل بالعودة هو وآخرون، لدفن أقاربهم وجيرانهم، لكن إنشاء محور "ماجين عوز"، والإعلان عنه في هذه الفترة الدقيقة من مرحلة التفاوض، والتي بعثت الأمل في نفوس النازحين، تسببا بسيطرة مشاعر الإحباط عليهم.

يهدف الجيش الإسرائيلي، إلى تقسيم قطاع غزة إلى مربعات عسكرية، تفصل بينها محاور عسكرية، تساعده على الفصل بين المناطق عسكريا، ومنع عودة السكان

ويهدف الجيش الإسرائيلي، إلى تقسيم قطاع غزة إلى مربعات عسكرية، تفصل بينها محاور عسكرية، تساعده على الفصل بين المناطق عسكريا، ومنع عودة السكان، تحت ذريعة تطهير الأرض من عناصر الفصائل الفلسطينية، وتدمير البنية التحتية من شبكات أنفاق تحت الأرض، ومخازن الأسلحة التابعة للفصائل، وملاحقة عناصرها بين المباني المدمرة، كما يعلن الجيش بشكل دوري عن عثوره على شبكات الأنفاق، وتدميرها خاصة في مناطق سيطرته العسكرية.

ربما يحاول الجيش ضمن عملياته العسكرية، إعادة إنشاء المحاور العسكرية، التي كانت تفصل بين مناطق القطاع قبل عام 2005 وهو عام الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة، حيث كانت المحاور العسكرية تمتد بين المستوطنات الإسرائيلية، فيما تعرقل حياة الغزيين، وتبتلع آلاف الدونمات، التي تحولت إلى مناطق سكنية وزراعية عقب الانسحاب.

لكن الأخطر من كل ذلك، ماذا لو لم تنجح عملية المفاوضات الجارية بين "حماس" وإسرائيل؟ وماذا سيكون مستقبل المناطق، التي يسيطر عليها الجيش عسكريا بعد عمليات "التطهير" التي يدعيها؟

قد يبدو الجميع متفائلا بالوصول إلى اتفاقية هدنة بين الطرفين، والإعلان عن بنودها قبل نهاية الشهر الحالي، وذلك نتيجة ضغوطات رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، للدخول في صفقة مع "حماس" ليس بهدف وقف إطلاق النار، لكن الأهم ما سيحققه من استعادة لنصف عدد الأسرى الإسرائيليين، المحتجزين لدى "كتائب القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس" في غزة، والمقدر عددهم بعشرة أسرى أحياء، وعدد من الجثامين، لكن الجيش الإسرائيلي لا يعمل وفق هذا التفاؤل.

تهدف العملية إلى مسح كل ما هو فوق الأرض وتحتها، لإنشاء محور خامس يفصل بين مدينتي دير البلح وخانيونس

يوصل الجيش الإسرائيلي العمليات العسكرية بشكل توسعي، وسيستمر في ذلك حتى اللحظة الأخيرة لما قبل إعلان وقف إطلاق النار، بحيث تكون فرقه العسكرية جاهزة لكافة السيناريوهات، فإذا ما فشلت الجهود والوساطات السياسية في الوصول لهدفها بالتوصل لوقف إطلاق نار مؤقت، تستكمل إسرائيل عملها العسكري التوسعي، والذي قد يساهم في فتح آفاق وخيارات إضافية أمام الحكومة، لتنفيذ خطة نقل السكان الغزيين إلى مناطق سيطرتها، داخل مدينة رفح، كما أعلنت خلال الشهر الحالي، وهو ما رفضته "حماس" وتعمل على إفشاله من خلال إجبار إسرائيل على الانسحاب من المناطق الداخلية للمدن، لكن من يضمن عدم تطبيق ذلك إذا تم استئناف الحرب بعد الهدنة!

أ ف ب
رجال يحملون أكياس الدقيق بعد مداهمة شاحنة كانت تحمل مواد غذائية، في خان يونس جنوب قطاع غزة في 22 يوليو 2025

وغالب الظن أنّ محور "ماجين عوز" سيكون بمثابة عصا جحا الإسرائيلية، كنقطة قوة للحكومة يضمن لها الاستمرار بتنفيذ مخططاتها التوسعية، للسيطرة على كامل مناطق قطاع غزة مستقبلا. قبل أيام معدودة، وبسبب عدم التوصل للاتفاق والمماطلة في الردود بين طرفي الحرب، أصدر الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء واسعة من مناطق جنوب غرب مدينة دير البلح وسط القطاع، تبعها توغل بري، وعمليات قصف وتجريف للأراضي الزراعية ومنازل المواطنين، وهي المرة الأولى منذ بدء الحرب التي يتوغل فيها الجيش بريا في تلك المنطقة.

اللافت في عملية التوغل، استخدام الجيش للمحور الرابع الجديد، كنقطة انطلاق وإمداد قريبة من المناطق الجنوبية لدير البلح، حيث تهدف العملية إلى تمهيد المنطقة، وتدمير كل ما هو فوق الأرض وتحتها، لإنشاء محور خامس يفصل بين مدينتي دير البلح وخانيونس، كما قالت صحيفة "هآرتس" نقلا عن مصادر لم تفصح عنها في الجيش، ما يؤكد النوايا الإسرائيلية التوسعية، والهادفة إلى الاستمرار في عمليات تقسيم القطاع، إلى كنتونات صغيرة المساحة، تمكنها من السيطرة التدريجية عليه.

font change

مقالات ذات صلة