قمة ترمب وبوتين... "تمرين على الاستماع"

أ.ب
أ.ب
الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في دانانغ، فيتنام، 11 نوفمبر 2017

قمة ترمب وبوتين... "تمرين على الاستماع"

قد يصف البيت الأبيض اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه "تمرين على الاستماع"، ولكن يمكن القول إن مستقبل الأمن الأوروبي يكاد يكون مرهونا بما ستؤول إليه هذه المحادثات.

فأي اتفاق يُظهر بوضوح عجز بوتين عن بلوغ الأهداف التي سعى إليها عند إطلاق ما سماه "العملية العسكرية الخاصة"، سيُعد مكسبا كبيرا لأوروبا، لما يحمله من رسالة صريحة إلى الكرملين بأن القوة العسكرية ليست سبيلا مشروعا لحل النزاعات الإقليمية بين الدول.

أما إذا أسفر الاتفاق عن مكاسب لبوتين، فإن ذلك ينطوي على مخاطر جسيمة على بقية أنحاء أوروبا، إذ قد يدفع موسكو إلى الاعتقاد بأنها قادرة على استخدام قوتها العسكرية لفرض تحديات في أماكن أخرى من القارة، سواء في البلقان أو أوروبا الوسطى.

وقد يفضي هذا المسار إلى تفعيل المادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي، التي تُلزم الدول الأعضاء بالدفاع عن أي عضو يتعرض لهجوم من روسيا، وهو ما قد يمهد لاندلاع حرب عالمية.

لذلك، فإن المخاطر تبلغ ذروتها مع توجه ترمب إلى ألاسكا، وهو ما قد يفسّر حرص البيت الأبيض على خفض سقف التوقعات بشأن تحقيق أي اختراق في المحادثات.

وبدلا من التنبؤ بنتائج لقاء ألاسكا، لمح البيت الأبيض إلى احتمال عقد قمة ثانية قريبا إذا سارت المفاوضات بشكل جيد مع بوتين. وفي تصريح قبيل القمة المقررة غدا، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن اللقاء سيكون أقرب إلى "تمرين استماع" منه إلى مفاوضات تهدف إلى إنهاء النزاع. وأضافت: "هذا تمرين استماع بالنسبة لترمب"، مشيرة إلى أن المحادثات قد لا تفضي إلى النتائج المرجوة، لكنها جزء من الخطة.

ويُفترض أن تُعقد القمة في مدينة أنكوريج، كبرى مدن ولاية ألاسكا، وستكون أول زيارة لبوتين إلى الولايات المتحدة منذ عشر سنوات، وأول لقاء مباشر له مع ترمب منذ عودة الأخير إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي. ووفقا لشبكة "سي إن إن"، سيُعقد الاجتماع في منشأة عسكرية أميركية هي قاعدة "إلمندورف–ريتشاردسون" المشتركة، التي توفر الترتيبات الأمنية اللازمة للزيارة.

لا تزال الشكوك تحيط بمدى جدية بوتين في إنهاء النزاع، في ظل تقارير تفيد بشن القوات الروسية هجوما جديدا في شرق أوكرانيا بهدف السيطرة على مزيد من الأراضي قبيل انطلاق المفاوضات

وتصف إدارة ترمب هذا اللقاء بأنه اختراق في جهودها المستمرة منذ فترة طويلة للتفاوض على إنهاء النزاع في أوكرانيا، المستمر منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، بعد إطلاق بوتين ما سماه "العملية العسكرية الخاصة" لغزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

مع ذلك، أعرب الكثير من الحلفاء الأوروبيين عن قلقهم إزاء الاجتماع، إذ يخشون من أن يوافق ترمب على شروط تُعد بمثابة تنازل عن سيادة أوكرانيا. وتزايدت هذه المخاوف مع تلميحات ترمب إلى احتمال إدراج تبادل أراضٍ ضمن بنود التفاوض.

ورغم أن ترمب أجرى في السابق عدة مكالمات هاتفية مطولة مع بوتين دفعته للاعتقاد بأنه توصل إلى وقف لإطلاق النار مع الكرملين، إلا أن اتفاقا حقيقيا لم يتحقق بالفعل. لذلك، تحاول إدارة ترمب كبح التوقعات التي قد تصوّر القمة باعتبارها "انتصارا لبوتين"، الذي يواجه نظريا مذكرة توقيف دولية بتهم تتعلق بضلوعه في جرائم حرب في أوكرانيا.

رويترز
"قاعدة إلمندورف- ريتشاردسون المشتركة" قبل اجتماع مخطط له بين ترامب وبوتين لمناقشة الحرب في أوكرانيا، في أنكوريج، ألاسكا، الولايات المتحدة، 13 أغسطس 2025

وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في مقابلة قبيل القمة: "بالنسبة للرئيس ترمب، الاجتماع ليس تنازلا، بل وسيلة للوصول إلى الحقيقة واتخاذ القرار. أريد أن أمتلك كل الحقائق. أريد أن أنظر في عيني هذا الرجل".

وتوقّع روبيو مفاوضات صعبة، لأن الحرب "تعني الكثير لبوتين"، في إشارة إلى تقديرات تفيد بمقتل نحو 60 ألف جندي روسي خلال الشهر الماضي. وأضاف: "وطبعا، الحرب ذات أهمية بالغة لأوكرانيا، فهم يقاتلون من أجل وطنهم ومستقبلهم. إنهم لا يريدون أن يكونوا جزءا من روسيا".

مع ذلك، لا تزال الشكوك تحيط بمدى جدية بوتين في إنهاء النزاع، في ظل تقارير تفيد بشن القوات الروسية هجوما جديدا في شرق أوكرانيا بهدف السيطرة على مزيد من الأراضي قبيل انطلاق المفاوضات. وقد دفع ذلك بعض المراقبين الغربيين إلى الاعتقاد بأن بوتين يسعى إلى فرض "وقائع على الأرض" قبل محادثات ألاسكا، لتعزيز موقعه التفاوضي.

يرى كثير من المعلقين الغربيين أن مجرد لقاء بوتين بترمب يُعد مكسبا معنويا للزعيم الروسي

أما الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي لن يشارك في القمة، فيواصل تكثيف اتصالاته مع الحلفاء الغربيين لعرض مخاوف بلاده، محذرا من أن بوتين "يخادع" ولا يُظهر أي نية جادة للتوصل إلى اتفاق. وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك في برلين مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس: "أبلغت الرئيس الأميركي وجميع شركائنا الأوروبيين بأن بوتين يخادع".

 أ ف ب
ترمب ونظيره الاوكراني فولوديمير زيلينسكي اثناء اجتماع في البيت الابيض في واشنطن في 28 فبراير

من جهته، يصر ترمب على أن عواقب وخيمة بانتظار بوتين إذا لم يُحرز تقدما في محادثات الغد. وكان قد حذّر في وقت سابق من فرض عقوبات ثانوية مشددة على دول مثل الصين والهند التي تواصل تجارتها مع موسكو رغم العقوبات الدولية. ويجري حاليا في الكونغرس بحث مشروع قانون لفرض رسوم جمركية عقابية تصل إلى 500 في المئة على الدول التي تواصل علاقاتها التجارية مع روسيا. وفي الأسبوع الماضي، جدّد ترمب عزمه المضي قدما في هذه الخطوات من خلال فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 25 في المئة على الهند بسبب استمرارها في التعامل مع موسكو.

ورغم هذه التهديدات، يرى كثير من المعلقين الغربيين أن مجرد لقاء بوتين بترمب يُعد مكسبا معنويا للزعيم الروسي. وقالت جانا كوبزوفا، المديرة المشاركة لبرنامج الأمن الأوروبي: "تمثل قمة ألاسكا عمليا نهاية عزلة بوتين على الساحة الدولية، إذ لم يلتقِ به أي زعيم غربي بارز منذ الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. وها هو اليوم يشارك في قمة مع الرئيس الأميركي من دون أن يقدّم أي تنازلات، كوقف الحرب على أوكرانيا، وهو ما يُعد بحد ذاته إنجازا لبوتين".

font change