قبل بضعة أيام، عندما كان المارة يتوافدون عليها لارتشاف مياهها المتدفقة من أربع عيون جارية، مُوزعة على الجهات الأربع، اعتلى شاب في مُقتبل العُمر، تمثال عين الفوارة الشهير في مدينة سطيف (ولاية جزائرية تقع شمال شرق البلاد) في جنح الظلام، وشوه وجه "المرأة العارية" الصامدة منذ قرن ورُبع القرن في المكان، ورغم أن دوافع الإقدام على هذا الفعل، لم تتضح بعد، لكن باطنه يخفي دلالات كثيرة تفسر خلفيات الأزمة العميقة تجاه التماثيل والمنحوتات.
وقضت محكمة سطيف في الجزائر، بسجن شاب لمدة عشر سنوات بتهمة محاولة تحطيم تمثال "المرأة العارية" أو "امرأة عين الفوارة"، وسط مدينة سطيف، بعدما تبين وجود محاولة سابقة للمتهم لتحطيمه في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، حيث أدين حينها بالسجن لمدة خمس سنوات، ووجهت المحكمة إلى المتهم تهمة تخريب معلم ثقافي وملك عام، إضافة إلى تهمة الاعتداء على القوة العمومية.
وكانت السلطات الجزائرية قد انتهت في يونيو/حزيران 2023 من عملية ترميم التمثال في أعقاب تعرضه لعملية تخريب في نهاية عام 2018، وتعتبر هذه هي المرة الرابعة التي يتعرض فيها هذا المعلم، لمحاولة تخريب لأسباب متشددة ولمبررات تخص شكل "تمثال المرأة العارية".
قبل النبش في الخلفيات التي تغذي العداء تجاه التماثيل، والنصب التذكارية والمعالم الأثرية في البلاد، ينبغي التأكيد على أن حادثة التحطيم ليست الأولى من نوعها، فقد شهدت البلاد حوادث مماثلة في الماضي، بعضُها ما زالت حاضرة بقوة في ذاكرة الجزائريين، ومن الأمثلة على ذلك: أبو مطرقة الذي شوه التمثال ذاته عام 2018 بمبرر أنه "انتقم للمجتمع المحافظ دينيا" لأنه عبارة عن تمثال لامرأة عارية تمامًا، تستعرض جسمها لا سيما الجزء العلوي منه، وتطفو على صخرة عالية بيضاء يتدفق منها الماء من أربع جهات.
السيناريو ذاته تكرر مع تمثال الملكة "لويلا" المعروفة بـ"بنت السلطان" (ابنة السلطان) الذي تم وضعه حديثا في محافظة معسكر (أهم المدن في الغرب الجزائري ومن أقدمها في معرفة العمران البشري)، إذ أقدم شاب آخر على تحطيم التمثال المصنوع من البرونز البني المحمر اللامع المتلألئ لسبب واحد، وهو أن "لويلا" كانت ترتدي قميص نوم، وترضع طفلها وبالقرب من مسجد في الحي.
وقبل ثلاث سنوات انتشر خبر كالنار في الهشيم، مفاده الاعتداء على جدارية المرأة "النايلية" (نسبة إلى قبيلة كانت تستوطن جبال أولاد نايل، وتوجد بشكل رئيس في مدينة بوسعادة بالمسيلة والجلفة والأغواط ومسعد وبسكرة)، أنجزها فنان شاب موهوب وسط محافظة الجلفة (مدينة جزائرية تقع في وسط البلاد، تقع على بعد حوالي 300 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة) وقد شُوه وجهها الذي كانت تزينه وشوم تعبيرية وحُلي فضية، إذ لم يعد من الممكن إطلاقا التعرف على ملامحها.