روايات عالمية استلهمت عناوينها من قصائد

من فوكنر إلى سيتفن كينغ

shutterstock
shutterstock

روايات عالمية استلهمت عناوينها من قصائد

شائعة هي الأعمال الأدبية التي استعارت عناوينها من أصناف إبداعية مجاورة، أو بعيدة، على حد سواء، ومن جملة ذلك، أن تتصدر عناوين روايات متونها التخييلية استنادا إلى مؤلفات موسيقية، أو نصوص دينية، أو أساطير، بل حتى استنادا إلى حقول معرفية، فلسفية أو علمية، رياضية أو فيزيائية.

ولكن، حصرا، ما يهمنا في هذا الباب، الأعمال الروائية التي احتكمت في اختيار عناوينها إلى الشعر، باستلهام أو اقتباس أبيات، شذرات، من قصائد شهيرة كانت أو مغمورة. وإذ يتحول بيت شعري في قصيدة، إلى عنوان لكتاب آخر، رواية بالذات، فهو بذلك يخلق حياة ثانية، خارج حدود النص الشعري، بل خارج الديوان، مسافرا منزاحا خارج مكانه الرمزي الأول، صوب أمكنة غريبة، مفتوحة، منذورة لأفقه المضاعف، ويتحول كشطر، كمجزوءة، كشظية، كانت شبه مهمشة في نوع أدبي سالف، إلى مركز، جوهر، يتصدر بالتمام والكمال، واجهة، ومعلن نوع أدبي لاحق، حاجزا لنفسه مكانته اللائقة به، في سيرورة تناسله، واستمراره، وتحوله، العلامة تلو الأخرى، ضمن حيوات متجددة، بل لا نهائية.

لا يغدو البيت الشعري المجتزأ من قصيدة لصالح عنوان رواية هو نفسه كما كان، إذ الطارئ على داله المتعدد أن يحتمل شبكة مدلولات أثرى، أكثر تشعبا، مع اكتنازه لجديد قراءات ممعنة، تأويلات خصبة، استعمالات متنوعة، توظيفات فنية، واستلهامات جمالية لا محدودة.

أثر مضاعف

من الشعر إلى السرد، يغادر البيت الشعري كيما يحدث أثرا مضاعفا في خرائط جمالية مغايرة، وأما مسكنه الأول فقصيدته البكر بكل تأكيد، لكنه خلق كطائر منذور لحريته، لكي يتجاوز عتبة المسكن، لائذا بسماء مفتوحة على أراض مجهولة، رواية كانت أو غيرها من أشكال التعبير في كون الأدب، كيفما كان كل فن في فلكه يسبح.

لعل أقرب نموذج حداثي لاستعارة عنوان روائي من قصيدة، هو ما جنح إليه الروائي التشيكي ميلان كونديرا في روايته "الحياة في مكان آخر"، والعنوان مستنبت من ديوان "فصل في الجحيم" لرامبو

قد يشمل المعنى هنا روايات تأسست متونها على بنية ووقائع شعرية ملحمية ولم تكتف باقتباس العنوان فقط، خاصة ما يتعلق بشخصيات أسطورية مستقاة من هذه القصائد الشعرية المطولة، كما "عوليس" لجيمس جويس، و"حكاية بنيلوب" لمارغريت أوتوود، لكنها نماذج برغم أهميتها لا تدخل ضمن أفق الموضوع المعول عليه في المقال.

رواية "الحياة في مكان آخر"

لعل أقرب نموذج حداثي لاستعارة عنوان روائي من قصيدة، هو ما جنح إليه الروائي التشيكي ميلان كونديرا في روايته "الحياة في مكان آخر"، العبارة التي تحولت إلى شعار طالما خطه الطلبة على جداريات جامعة السوربون، والعنوان مستنبت من ديوان "فصل في الجحيم" للشاعر الفرنسي آرثر رامبو، بالذات قسم العذراء الحمقاء:

"كان على وشك أن يصبح طفلا

أغوتني لطافاته الغامضة

نسيت جميع واجباتي الإنسانية لأتبعه

يا لهذه الحياة

الحياة الحقيقية في مكان آخر"

وعربيا يمكن الإشارة إلى رواية "لا نسبح في النهر مرتين" للروائي التونسي حسونة المصباحي، وهي مقولة شعرية فلسفية شهيرة لهراقليطس.

الشيء ذاته، نزع إليه الروائي النيجيري تشينوا أتشيبي، في روايته الموسومة بعنوان "الأشياء تتداعى"، وهو عنوان مستنبت من قصيدة المجيء الثاني، للشاعر الإيرلندي وليام بتلر ييتس:

"يدور ويدور في الدوامة المتعسة

لا يستطيع الصقر أن يسمع الصياد

الأشياء تتداعى، لا يستطيع المركز الصمود

الفوضى المطلقة تعم العالم

المد الخافت بالدماء ينطلق، وفي كل مكان

تغرق مراسم البراءة".

رواية "أشياء تتداعى"

كلاسيكيات

وضمن كلاسيكيات الرواية الأميركية نلفي "عن الفئران والرجال"، لجون شتاينبك، وهو عنوان مأخوذ من قصيدة "إلى فأرة" للشاعر الإسكتلندي روبرت بيرنز:

"لكن أيتها الفأرة، لست وحدك

في إثبات أن التنبؤ قد يكون عبثا:

إن أفضل الخطط التي وضعها الفئران

والبشر

غالبا ما تضل

ولا تترك لنا سوى الحزن والألم

بدلا من الفرح الموعود".

ولا ينزاح الروائي الإنكليزي توماس هاردي عن هذا المنحى، في روايته "بعيدا عن صخب الحشود"، كعنوان اقتبسه من قصيدة مرثية مكتوبة في كنيسة ريفية للشاعر البريطاني توماس غراي:

"بعيدا عن صخب الحشود الخرقاء

لم تتعلم رغباتهم الرصينة أبدا أن تضل طريقها

على طول وادي الحياة المعزول البارد

حافظوا على خط سيرهم الصامت".

استلهم الروائي الإنكليزي ألدوس هكسلي عنوان روايته "عالم جديد شجاع"، العنوان من مقطع شعري في مسرحية "العاصفة" لشكسبير

وهذا نصادفه في مناسبتين لدى الروائي الأميركي سكوت فيتزجيرالد، أولا في رواية "رقيق هو الليل" المستقى عنوانها من قصيدة "إلى العندليب" للشاعر الإنكليزي جون كيتس:

"ابتعد، ابتعد، لأني سأطير إليك

لا على متن عربة باخوس ونموره

بل على أجنحة الشعر الخفية

رغم أن العقل المرهق يحير يربكني ويثقلني

معك بالفعل، الليل رقيق

وربما تكون ملكة القمر على عرشها

محاطة بكل جنياتها المرصعة بالنجوم

ولكن لا يوجد هنا ضوء

إلا ما يأتي من السماء مع النسيم الذي يهب

عبر الظلمات الخضراء والطرق المتعرجة

المغطاة بالطحالب".

سكوت فتزجيرالد

وثانيا في روايته "هذا الجانب من الجنة"، مقتبسا العنوان من قصيدة "تاهيتي تيارة" للشاعر الإنكليزي روبرت بروك:

"غص واتبع الأثر

اصطد بالزهور وقبل وناد

بشفاه تتلاشى، وضحك بشري

ووجوه متفردة

حسنا، هذا الجانب من الجنة

ليس في الحكمة الكثير من العزاء".

شكسبير

أما الروائي الإنكليزي ألدوس هكسلي في روايته "عالم جديد شجاع"، فإن العنوان مستلهم من مقطع شعري في مسرحية "العاصفة" لشكسبير:

"ما أبهى الإنسانية

يا له من عالم جديد شجاع

ينعم بمثل هؤلاء الناس"

وكذلك فعل الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف في روايته "نار شاحبة"، المأخوذ عنوانها من مقطع شعري في مسرحية "تيمون الأثيني" لشكسبير:

"الشمس لصة وبجاذبيتها العظيمة

تسرق البحر الواسع

كذا القمر لص سافر

يختلس ناره الشاحبة من الشمس

البحر لص إذ تموجاته المرسلة

تحول القمر إلى دموع من ملح".

مع أن توطئة الرواية تشير إلى أن "نار شاحبة" هي محض قصيدة ملحمية ذات مقاطع ثنائية تقع في 999 بيتا، ألفها جون فرنسيس شايد، وهي مدرجة في مستهل الرواية، هذه الأخيرة التي تصوغ بنيتها كتعليقات منفصلة عن أبياتها على طول المتن السردي.

وقبله فعلها الروائي الأميركي وليام فوكنر في روايته الشهيرة "الصخب والعنف"، العنوان المقتبس من مقطع شعري في مسرحية "ماكبث" لشكسبير، في الفصل الخامس:

"غدا وغدا وغدا

إنها حكاية

يرويها أحمق، مليئة بالصخب والعنف

ولا تعني شيئا".

ألدوس هكسلي

لمن تقرع الأجراس

وعنوان آخر مثل "لمن تقرع الأجراس" للروائي الأميركي إرنست همنغواي، مأخوذ كذلك من قصيدة "التأمل السابع عشر" للشاعر الإنكليزي جون دون:

"كل إنسان هو جزء من القارة

قطعة من الكل،

فإذا جرف البحر تربة،

فإن أوروبا تصبح أقل، وكذلك إذا جرف البحر نتوءا

أو قصرا لصديقك أو قصرك الخاص

إن موت أي إنسان يقلل من شأني

لأنني معني بالإنسانية قاطبة

ولذلك لا تبعث أبدا لمعرفة لمن تقرع الأجراس

إنها تقرع من أجلك أنت".

في المنحى ذاته نجد عنوان رواية يابانية للروائي هاروكي موراكامي بعنوان: "رقص، رقص"، مقتبس من قصيدة "صدى الموت" للشاعر ويست هيو أودن

بالطريقة نفسها استلهم الروائي الأميركي كورمارك مكارثي عنوان روايته "لا وطن لكبار السن" من قصيدة الإبحار إلى بيزنطة، للشاعر وليام بيتلر ييتس:

"هذا ليس بلدا لكبار السن

الشبان في أحضان بعضهم البعض

والطيور على الأشجار

تلك الأجيال المحتضرة تغني

وشلالات السلمون والبحار المزحمة بالماكريل

أسماك أو لحوم أو طيور تشيد تمجد الصيف

كل ما يولد ويخلق يموت

في تلك الموسيقى الحسية

يهمل الجميع أنصاب العقل الخالد"

كومارك ماكارثي

وفي المنحى نفسه نجد عنوان رواية يابانية للروائي هاروكي موراكامي بعنوان: "رقص، رقص"، مقتبس من قصيدة "صدى الموت" للشاعر ويست هيو أودن:

"ارقص، ارقص فالحركة منسابة

واللحن آسر، ولن يتوقف

ارقص حتى تنزل النجوم من العوارض الخشبية

ارقص، ارقص، ارقص حتى تسقط

من فرط التعب".

وكذلك عنوان رواية "البرج المظلم" وهي سلسلة روائية في 8 أجزاء، لستيفن كينغ، مأخوذ من قصيدة "جاء تشايلد رولاند إلى برج الظلام"، للشاعر الانكليزي روبرت باريت براوننغ:

"جاء الطفل رولاند إلى البرج المظلم

وكانت كلمته دوما: فاي، فوه، وفوم

أشم رائحة دم رجل بريطاني".

font change