شائعة هي الأعمال الأدبية التي استعارت عناوينها من أصناف إبداعية مجاورة، أو بعيدة، على حد سواء، ومن جملة ذلك، أن تتصدر عناوين روايات متونها التخييلية استنادا إلى مؤلفات موسيقية، أو نصوص دينية، أو أساطير، بل حتى استنادا إلى حقول معرفية، فلسفية أو علمية، رياضية أو فيزيائية.
ولكن، حصرا، ما يهمنا في هذا الباب، الأعمال الروائية التي احتكمت في اختيار عناوينها إلى الشعر، باستلهام أو اقتباس أبيات، شذرات، من قصائد شهيرة كانت أو مغمورة. وإذ يتحول بيت شعري في قصيدة، إلى عنوان لكتاب آخر، رواية بالذات، فهو بذلك يخلق حياة ثانية، خارج حدود النص الشعري، بل خارج الديوان، مسافرا منزاحا خارج مكانه الرمزي الأول، صوب أمكنة غريبة، مفتوحة، منذورة لأفقه المضاعف، ويتحول كشطر، كمجزوءة، كشظية، كانت شبه مهمشة في نوع أدبي سالف، إلى مركز، جوهر، يتصدر بالتمام والكمال، واجهة، ومعلن نوع أدبي لاحق، حاجزا لنفسه مكانته اللائقة به، في سيرورة تناسله، واستمراره، وتحوله، العلامة تلو الأخرى، ضمن حيوات متجددة، بل لا نهائية.
لا يغدو البيت الشعري المجتزأ من قصيدة لصالح عنوان رواية هو نفسه كما كان، إذ الطارئ على داله المتعدد أن يحتمل شبكة مدلولات أثرى، أكثر تشعبا، مع اكتنازه لجديد قراءات ممعنة، تأويلات خصبة، استعمالات متنوعة، توظيفات فنية، واستلهامات جمالية لا محدودة.
أثر مضاعف
من الشعر إلى السرد، يغادر البيت الشعري كيما يحدث أثرا مضاعفا في خرائط جمالية مغايرة، وأما مسكنه الأول فقصيدته البكر بكل تأكيد، لكنه خلق كطائر منذور لحريته، لكي يتجاوز عتبة المسكن، لائذا بسماء مفتوحة على أراض مجهولة، رواية كانت أو غيرها من أشكال التعبير في كون الأدب، كيفما كان كل فن في فلكه يسبح.