البناء على نتائج الحرب الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل للقول إن لبنان لم يعد إحدى ساحات المواجهة بين إيران من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة أخرى لا يعكس الواقع بدقة. هذا لا يعني أن نتائج تلك الحرب إضافة إلى حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل وإيران، لم تضعفا "حزب الله" وإيران وتجعلهما أقل قدرة على المواجهة والمناورة، ولكن في الوقت نفسه فإن اعتبار أنهما استسلما كليا ولم يعد في مقدورهما مقاومة الضغوط هو اعتبار مغلوط، وإن كان ذلك ينطبق على إيران أكثر منه على "حزب الله"، إلا أن كليهما مستمران في المناورة من الموقع الحرج.
الواقع أن النزاع بشأن سلاح "حزب الله" في لبنان والذي يزداد الضغط الأميركي من حوله مع توالي زيارات المبعوثين والوفود الأميركية إلى بيروت وبوتيرة شبه أسبوعية، لا ينفصل عن التصادم الأميركي-الإيراني حول البرنامج النووي الإيراني، وإن تراجع الاهتمام الأميركي بهذا الملف لحساب ملفات أخرى في مقدمتها الحرب الروسية-الأوكرانية وحتى الحرب في غزة الذي عاد دونالد ترمب للقول إنها يجب أن تنتهي في غضون أسبوعين أو ثلاثة في وقت يمضي بنيامين نتنياهو في خطته لاحتلال غزة على وقع حرب التجويع والإبادة ضد الفلسطينيين.
وما لم يقله الأميركيون بشأن المفاوضات مع إيران قاله المرشد الإيراني علي خامنئي لناحية أن "لا حل مع واشنطن"، وهو بذلك يعلن أن باب المفاوضات مغلق أو أن استئنافها لن يكون في موعد قريب، وذلك في وقت يزداد فيه التلويح الأوروبي بإعادة تفعيل آلية "سناب باك"، أي إعادة فرض العقوبات وفق الاتفاق النووي الموقع عام 2015، في حين تلوّح طهران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي الذي بات "واردا الآن". وسواء انتهت جولة المفاوضات الثانية بين الترويكا الأوروبية (ألمانيا، وفرنسا وبريطانيا) وإيران في جنيف الثلاثاء إلى نتائج إيجابية أو لا، فإن نجاح هذه الجولة التي تكاد تكون "النافذة الأخيرة" أمام طهران، لا يضمن عودة المفاوضات الإيرانية-الأميركية في وقت قريب، في حين أن كلا من إسرائيل وإيران لا تستبعدان جولة قتال جديدة، إيران لأنه سيكون من الصعب عليها التعايش مع نتائج الحرب الأخيرة وإن كانت حساباتها محفوفة بالمخاطر، وإسرائيل التي ترى أن إيران تحاول إعادة بناء قدراتها سواء داخل أراضيها أو في الإقليم.