في بلاد اقترب كل شيء فيها- عمرانُها وقوانينها ومؤسساتها السياسة والإدارية والعسكرية- من أن يصير أطلالا، يعيش لبنان وأهله اليوم انسدادا متجددا بين قرار حكومي (لا يزال حبرا على ورق) بحصر بقايا سلاح "حزب الله" والمنظمات الفلسطينية في يد سلطات دولة منهكة مفككة، وبين تهديد أمين عام "الحزب" المذكور نعيم قاسم بـ"كربلاء جديدة" استدعى صورتها من زمن يعود إلى 1500 سنة. وهذا إذا أصرت الحكومة على تنفيذ قرارها الذي كلفت الجيش اللبناني بوضع خطة لتنفيذه، تتضمن جدولا زمنيا لجمع السلاح في مدة لا تتجاوز نهاية السنة الحالية. على أن يقدّم الجيش خطته للحكومة قبل نهاية هذا الشهر، أغسطس/آب 2025، فتناقشها وتعمل على إقرارها.
ويترد في الإعلام أن الجيش اللبناني شرع بوضع خطته، فيما مسيّرات إسرائيل الحربية تواصل غاراتها اليومية تقريبا، فتقتل أو تغتال من تعتبرهم مقاتلي "حزب الله" الصامت صمتا عسكريا شاملا، منذ موافقته على وقف إطلاق النار على إسرائيل في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
بلى يخرق "الحزب المقاوم" التزامه الصمت العسكري أو الحربي، فيبث شرائط فيديو يصور فيها مقاتليه يؤدون مشاهد قتالية دعائية. وهذا في سياق رفضه قرار الحكومة، ولتعبئة جمهوره وتحريضه، إلى جانب إطلاقه مظاهرات فتياته على دراجاتهم النارية في الشوارع.
أما الجيش اللبناني فليست هذه المرة الأولى التي يُعهد إليه القيام بمهمة تتصل بتبعات الحروب الأهلية والإقليمية في لبنان منذ عام 1975. وكان آخر تلك المهام انتشاره على حدود لبنان الجنوبية، بعد حرب يوليو/تموز 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل. ومنذ ذاك التاريخ ساد هدوء حذر على تلك الحدود، وانصرف "حزب الله" إلى مضاعفة قوته وترسانته العسكرية وخطاباته الانتصارية، والسيطرة على الحكومة والحكم ومفاصل الدولة اللبنانية وعزلها عن العالم. ثم سرعان ما هبَّ "حزب مقاومة إسرائيل" إلى التورط بحماسة شديدة في الحرب الأهلية السورية. وعندما انهار لبنان ماليا واقتصاديا وسياسيا، ولم تعد المؤسسة العسكرية قادرة على إطعام جنودها، لم تكترث بذلك أوليغارشيات السلطة والنهب. أما "حزب الحروب الدائمة" فبادر إلى حرب "إسناد غزة" ضد إسرائيل، التي أدت في شهريها الأخيرين من العام 2024 إلى أن تشلّ إسرائيل قدراته العسكرية والقتالية والقيادية وتدمير معظمها.