لحظة حاسمة للبنان

رويترز
رويترز
الموفد الأميركي توم باراك يجيب على أسئلة الصحافيين بعد لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون في القصر الرئاسي في بعبدا، لبنان، في 18 آب

لحظة حاسمة للبنان

توصّل لبنان إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، فتوقفت الاشتباكات بين "حزب الله" وإسرائيل. إلا أن تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 لا يزال مستمرا ويواجه تحديات ومعوقات متواصلة. وقد أعلن الرئيس والحكومة الجديدان في لبنان أن هدفهما الاستراتيجي يتمثل في ترسيخ مبدأ حصر السلاح بيد الدولة، ما يقتضي نزع سلاح "حزب الله" والفصائل الفلسطينية داخل المخيمات.

ويضع هذا التوجّه الدولة اللبنانية أمام مفترق طرق تاريخي. فعلى الرغم من تفضيلها الواضح لتحقيق هذا الهدف من خلال الحوار مع "حزب الله"، يصعب تصديق إمكانية تحقيقه بالوسائل السلمية فقط، لا سيما في ظل الدعم العلني والصريح الذي تقدمه إيران لرفض "الحزب" الانصياع.

على الأرض، ينشط الجيش اللبناني في جنوب البلاد على نحو غير مسبوق. أما إسرائيل، فلم تُنهِ بعد انسحابها الكامل من الأراضي اللبنانية. ومن منظورها، فإن هذا الإجراء ضروري لضمان بسط الجيش اللبناني سيطرته على هذه المناطق، ولاستمرار الضغط على الحكومة اللبنانية من أجل تنفيذ وتوسيع نطاق نزع سلاح "حزب الله".

لبنان يقف اليوم عند مفترق حاسم. فالمأزق الذي يواجه الدولة والمجتمع اللبنانيين، المتجذر في صدمة الحرب الأهلية والمخاوف من الانزلاق مجددا إلى صراع مشابه، أمر مفهوم. إلا أن هذا الواقع يتعارض مع إدراك أن الفرصة الحالية قد لا تتكرر، وإذا لم تُغتنم، فقد لا تعود أبدا.

لن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على إسرائيل لتليين موقفها، خصوصا في ما يتعلق بنزع سلاح "حزب الله"

استغل المبعوث الأميركي إلى لبنان، توم باراك، زيارته قبل الأخيرة إلى بيروت لتوجيه ما يمكن اعتباره إنذارا فعليا إلى الحكومة اللبنانية، وإن حرص على عدم طرحه بهذه الصورة. إلا أن مضمون تصريحاته عبّر بوضوح عن موقف واشنطن. وقد تناقلت وسائل الإعلام اللبنانية النقاط الأساسية في الرسائل الأميركية، ويمكن تلخيصها على النحو الآتي:

أ. لا يحتل لبنان موقعا متقدما على قائمة أولويات الفاعلين الإقليميين والدوليين الرئيسين. ويتوقع المجتمع الدولي من لبنان تنفيذ التزامه بنزع سلاح "حزب الله".

ب. صارت سوريا على رأس جدول الأعمال في الشرق الأوسط، حيث تتركز الصراعات الإقليمية، إلى جانب تنامي الاهتمام بتمويل إعادة إعمارها. وفي هذا السياق، يُعد لبنان جبهة ثانوية.

أ.ف.ب
أنصار "حزب الله" اللبناني يحرقون الاطارات في الطرقات احتجاجا على موافقة الحكومة على خطة نزع سلاحه، في الضاحية الجنوبية لبيروت، في 8 أغسطس

ج. لن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا على إسرائيل لتليين موقفها، خصوصا في ما يتعلق بنزع سلاح "حزب الله". فإسرائيل لا تثق بالأمم المتحدة ومؤسساتها، ولا ترى جدوى من بقاء قوات "اليونيفيل"، التي فشلت في الإشراف على تنفيذ القرار 1701. وقد خفضت الإدارة الأميركية مساهمتها في تمويل قوات حفظ السلام الأممية بدرجة كبيرة، ما يثير شكوكا حول احتمال تجديد ولاية "اليونيفيل"، أو تقليص عددها إلى نطاق محدود من المراقبين. وضمنيا، قد تدعم الولايات المتحدة تفضيل إسرائيل لإلغاء دور "اليونيفيل" بالكامل، انسجاما مع الموقف الإسرائيلي.

النية الصريحة لباراك كانت زيادة الضغط على الحكومة اللبنانية للوفاء بالتزاماتها. وهذه الخطوة ليست خالية من المخاطر، إلا أن توقيتها بالغ الأهمية: فإيران و"حزب الله" يمران بمرحلة ضعف كبيرة، ونظام الأسد انهار، وميزان القوى الإقليمي شهد تحولات دراماتيكية.

من الواضح أن التحدي الأساسي المتعلق بنزع السلاح يقع على عاتق الدولة اللبنانية. ولا شك أن لبنان، بكل مكونات مجتمعه، يواجه لحظة تاريخية مفصلية

تراقب إسرائيل التطورات في لبنان عن كثب. ومن منظورها، فإن استمرار الضغط العسكري يفترض أن يساعد الحكومة اللبنانية، مستفيدة من "العصا الإسرائيلية" و"العصا الأميركية" معا، لدفعها نحو نزع سلاح "حزب الله". ولا يمكن إنكار أن إسرائيل، بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، غيّرت عقيدتها الأمنية جذريا، فانتقلت من سياسة ضبط النفس إلى استخدام حازم لقدرتها العسكرية، مستفيدة من دعم إدارة ترمب لفرض إرادتها بالقوة إذا لزم الأمر. ومع ذلك، ينبغي على إسرائيل أن تحسب خطواتها تجاه لبنان بعناية وبنهج أكثر تعقيدا ودقة.

  • من الأفضل أن تلتزم إسرائيل الصمت وضبط النفس، وأن تتفادى التورط في النقاش الداخلي اللبناني بشأن نزع سلاح "حزب الله". فموقفها واضح بما فيه الكفاية، ولا حاجة لمزيد من التصعيد الخطابي.

أ.ف.ب
رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام والموفد الأميركي السفير توم باراك ونائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس خلال اجتماع في السراي الحكومي، بيروت في 18 أغسطس

  • قد يكون من المفيد النظر في اتخاذ خطوات جزئية، مثل إبداء الاستعداد للانسحاب من موقع أو موقعين، وهو ما قد يُفسَّر بإيجابية في هذه المرحلة. كما أن السماح بعودة سكان القرى الجنوبية إلى منازلهم وبدء عملية إعادة الإعمار قد يشكل تحديا لـ"حزب الله"، ويوفر ورقة دعم إضافية للحكومة.
  • على إسرائيل أن تعمل بشكل مكثف مع واشنطن لتشجيع تسوية الحدود السورية-اللبنانية على جميع الجبهات، بما في ذلك المناطق المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان ذات البعد السوري، مثل مزارع شبعا وقرية الغجر. وقد يُسهم ذلك في حل نزاعات الحدود البرية بين الجانبين، ما يزيل عقبة إضافية أو ذريعة لبقاء سلاح "حزب الله".

من الواضح أن التحدي الأساسي المتعلق بنزع السلاح يقع على عاتق الدولة اللبنانية. ولا شك أن لبنان، بكل مكونات مجتمعه، يواجه لحظة تاريخية مفصلية. ورغم تعقيدات الوضع والمخاطر القائمة، فإن الظروف الراهنة تُعد الأمثل مما يمكن توقعه. علاوة على ذلك، لا تزال الساحتان الفلسطينية واللبنانية منفصلتين حتى الآن، وهي نقطة إيجابية. إذ إن تصاعد العمليات في غزة، وهو أمر مرجح، قد يؤدي إلى تداعيات واسعة النطاق. ومن الأفضل تفادي هذا السيناريو والمضي نحو تثبيت وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من فداحة الحرب خلال العامين الماضيين، فإن الظروف الحالية تشكل فرصة ذهبية لكل من لبنان وإسرائيل على الجبهة الشمالية.

font change