عندما اعتلى رئيس مجلس الاحتياطي الفيديرالي جيروم باول المنصة في منتدى "جاكسون هول" لحكام المصارف المركزية هذا الشهر، كان المستثمرون يعيشون على أعصابهم. خلال سنة من البيانات المتذبذبة حول النمو، وضغوط تضخمية عنيدة، وضوضاء سياسية متصاعدة، مما جعل الأسواق متعطشة إلى الوضوح. وعلى الرغم من ذلك، ما حصلت عليه لم يكن حاسماً، بل أداء محسوب بعناية: أوضح باول أن بنك الاحتياطي الفيديرالي يراقب هشاشة سوق العمل وقد يتجه قريباً نحو التيسير النقدي، لكنه تجنب الالتزام الصريح خفض معدلات الفائدة.
بالنسبة إلى "وول ستريت" والأسواق المالية الأخرى، كان ذلك كافيا. قفزت المؤشرات، وانخفضت عوائد سندات الخزانة، وانتعش الذهب، وبدأ المستثمرون حول العالم في العمل وفق توقع بحصول رابع خطوة تيسير نقدي منذ انطلاق دورة التشديد بعد جائحة كوفيد-19. لكن وراء هذا النشوة، كشف الخطاب عن تحوّل أعمق في السياسة النقدية الأميركية، وعن هشاشة استقلالية المصرف المركزي في ظل أجواء سياسية محتدمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
رسالة متوازنة بعناية
كانت كلمة باول، وهي الأخيرة له في "جاكسون هول" قبل انتهاء ولايته في مايو/أيار المقبل، درسا في فنون الخطاب النقدي. فقد شدّد على أن "ميزان الأخطار" قد تغيّر، مع ظهور تهديدات سوق العمل في شكل أوضح. فطلبات إعانات البطالة الأولية ارتفعت إلى أعلى مستوى في قرابة شهرين، وزخم النمو في قطاع الخدمات بدأ يبرد. هذه المؤشرات أعطت الاحتياطي الفيديرالي سببا للتفكير في التيسير.