يمتلك الكاتب السعودي أحمد السبيت رؤية سردية توازن بين اللغة الشعرية والطرح الفكري، ويبحث في أعماله عن ماهية الوجود وسط التحولات السياسية والاجتماعية. يتميز أسلوبه بالعناية بالتفاصيل والقدرة على بناء سرد مشوق، يقدم فيه الشخصيات من الداخل، من دون اختزالها في أسماء مدفونة في كتب التراث. يجمع بين الحس التاريخي والخيال الأدبي، ويصوغ نصوصا تعبر عن رؤيته للزمن والمعنى.
يقوم مشروعه الأدبي على استعادة السرديات المنسية من التاريخ، وإعادة تقديمها بلغة معاصرة تعبر عن هموم الإنسان في كل زمان، حيث يطرح أفكاره كموقف جمالي تجاه ما مضى وما هو آت.
في روايته الأحدث "دمعة غرناطة"، الصادرة عن "دار مضامين" في الرياض (2025)، يظهر شغفه الواضح بالإرث الأندلسي وحرصه على إحياء الشخصيات الفكرية التي أثرت في مسار الحضارة العربية، حيث يقدم شخصية لسان الدين بن الخطيب من زوايا إنسانية وإبداعية متنوعة.
يتعامل السبيت مع التراث كجسر نحو الحاضر، ويستثمر في الكتابة الأدبية لطرح أسئلة تدور حول الهوية والمصير. يكتب بوعي سردي يراعي جمالية اللغة، من دون أن يغفل أهمية الفكرة، ليعبر عن رغبة حقيقية في إعادة قراءة الماضي بصيغة أدبية تحفظ المعنى وتجدده، ولينفتح مشروعه الروائي على تفعيل الذاكرة، ويقدم شخصياتها بوصفها عناصر حية في الحاضر الثقافي العربي.
بين يدي الذاكرة
يعيد أحمد السبيت في "دمعة غرناطة" تشكيل التاريخ من داخل اللغة، ويستل من ذاكرة الأندلس روحا حية اسمها لسان الدين بن الخطيب. الرواية ليست بناء سرديا لأحداث معروفة، إنما احتفاء معرفي بشخصية تجمع بين الشعر والفكر، والعاطفة والحكمة، والانتماء والخذلان.
يمضي الكاتب في مساره كمن يمشي على خيوط دقيقة تربط بين الرواية بوصفها جنسا أدبيا، وبين السيرة التاريخية الحية داخل الوعي الجمعي. تتجلى هذه العلاقة في قدرته على تجسيد الماضي عبر صوت يخاطب الحاضر. تظهر شخصية لسان الدين في لحظة مشبعة بالتناقضات: هو الطبيب، الشاعر، المؤرخ، السياسي، العاشق، المنفي، القتيل. رجل واحد يمر بأكثر من حياة. يرسمه الكاتب في وضعه الوجودي الأكثر التباسا، حين تتحول الهوية إلى سؤال، والانتماء إلى عبء ثقيل.