لبنان أمام استحقاق كبير وسؤال مصيري، يتعلق بنزع السلاح من "حزب الله" والفصائل الفلسطينية، واحتكار "جمهورية الأرز" للسلاح.
"الجيش اللبناني ومعركة نزع سلاح حزب الله"، عنوان قصة غلاف "المجلة" لشهر سبتمبر/أيلول، الذي يتناول أيضا الرسائل القادمة من واشنطن والرياض و"الخطوط الحمراء" المرسومة من طهران.
قصة سلاح "حزب الله" موضوع قديم-جديد منذ فتح سوريا-الأسد الطريق لـ"الحرس" الإيراني كي يؤسس تنظيما مسلحا في لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي في 1982، سرعان ما تحوّل إلى سلاح إيران في لبنان والإقليم ونزاعاته.
في كل مرة طرح الموضوع، كان يقابل باستعراضات قوة وتهديدات واغتيالات. لكن هذه المرة ليست مثل سابقاتها. في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بدأت إسرائيل حربها بتفجيرات "البيجر" في عناصر "الحزب" واغتالت قادته بمن فيهم زعيمه حسن نصرالله، ثم شنت حملة قصف ضد سلاحه وبنيته الاستراتيجية وصواريخه.
وبينما كان "الحزب" يرمم هيكليته ويستبدل قادته، استفاق على زلزال جلل، وهو سقوط نظام الأسد الحليف، وممر السلاح من إيران، ثم تعرض لضربة مؤلمة عندما شنت إسرائيل ضربات غير مسبوقة على قلب إيران توجتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقصف المنشآت النووية الإيرانية في يونيو/حزيران الماضي.
رغم جسامة نكباته وعظمة مكاسب خصومه، لا يزال "حزب الله" يحافظ على سلاحه وهو مستمر في العمل وفقا لأجندة إيرانية سبق أن دفعت بـ"الحزب" إلى أتون الحرب السورية خلافا للسياسة الرسمية
هزائم "الهلال الإيراني" ترجمت سياسيا في لبنان بانتخاب الرئيس جوزيف عون وتشكيل نواف سلام للحكومة. والمطروح حاليا هو ترجمتها عسكريا باحتكار السلاح بأيدي الدولة. إذ إنه بعد نصف قرن من حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاما، يجد لبنان نفسه في عام 2025 أمام فرصة ليغدو دولة مستقرة. ولعل هذه الفرصة هي الأولى من نوعها منذ عهد الرئيس فؤاد شهاب بين عامي 1958 و1964.
لكن على الرغم من جسامة نكباته وعظمة مكاسب خصومه، فلا يزال "حزب الله" يحافظ على سلاحه وهو مستمر في العمل وفقا لأجندة إيرانية سبق أن دفعت بـ"الحزب" إلى أتون الحرب السورية خلافا للسياسة الرسمية، وأدخلت لبنان في حربين مدمرتين مع إسرائيل عامي 2006 و2023.
أميركا وضعت خطة لنزع السلاح وترسيم الحدود السورية اللبنانية وانسحاب إسرائيل من النقاط التي احتلتها في الجنوب. فبعد ما يقارب ستة عقود من التعامل مع جهات مسلحة غير حكومية تنشط من الأراضي اللبنانية، وبعد تجربة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ليس مستغربا أن ترى إسرائيل نزع سلاح "حزب الله" شرطا لا غنى عنه. وحكومة بنيامين نتنياهو ترى أن نزع سلاح "الحزب" وإعادة الإسرائيليين إلى شمال البلاد في ظل ظروف آمنة ومستقرة يشكلان أولوية قصوى. ولعل ذلك يفسر، جزئيا على الأقل، استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في مواقع عدة جنوب لبنان واستمرار الضربات على أهداف "الحزب" رغم وقف النار.
استطرادا، ترى أميركا أن مشاريع الإعمار وتحسين الوضع الاقتصادي مرتبطان باحتكار الدولة للسلاح وتحول "الحزب" إلى العمل السياسي السلمي بدلا من "المقاومة" المسلحة.
لا غرابة في أن يكون لبنان أمام خيارات صعبة: بدء الجيش بنزع سلاح "الحزب" واحتمال تشقق الجيش، وتراجع حكومة سلام سيناريو مزدوج يجمع بين نزع السلاح الثقيل وخطة لنزع باقي السلاح وشراء الوقت
سوريا ما بعد نظام الأسد، قادرة على أن تكون لاعبا إيجابيا في مساعدة لبنان على التحول نحو دولة كاملة السيادة وتمكينه من احتكار السلاح، كما يطالب الرئيس اللبناني ومجلس الوزراء بتحقيق ذلك مع نهاية العام. وكشف الرئيس أحمد الشرع- في لقاء حضرته ضمن شخصيات إعلامية- أنه بعد وصوله إلى دمشق وسقوط الأسد نهاية العام الماضي لم يصرح بأي تصريح يتعلق بالشأن الداخلي اللبناني لأنه يريد أن يكون "على مسافة واحدة من الجميع"، ويريد "فتح صفحة جديدة" مع لبنان. وزاد أن: "في الشرق الأوسط غليانا... إيران خسرت كثيرا ومحورها خسر كثيرا، وهي تحاول استغلال بعض الأمور للعودة". ولا شك أن قيام الشرع بزيارة رسمية إلى بيروت يعلن فيها التزام سوريا باستقلال لبنان وترسيم الحدود بين البلدين للتصدي المشترك للجماعات المتطرفة وتهريب المخدرات، قد يسهم كثيرا في تهدئة الهواجس اللبنانية. بالفعل، تحققت إنجازات ملموسة فيما يتعلق بتفكيك شبكات التهريب والمخدرات والعمل على ترسيم الحدود.
أما إيران، فمن الواضح أن "الحرس" يبذل ما في وسعه لإعادة بناء قدرات "حزب الله". وقد تدرك طهران أن زمن استخدام "الحزب" كرادع ضد إسرائيل من الأراضي اللبنانية قد ولّى، لكنها قد تراه أداة مهمة للحفاظ على نفوذها في لبنان واستعادته في سوريا. وأغلب الظن أنها تراهن على شراء الوقت.
أمام كل ذلك، لا غرابة في أن يكون لبنان أمام خيارات صعبة: بدء الجيش بنزع سلاح "الحزب" واحتمال تشقق الجيش، وتراجع حكومة سلام عن القرار واستقالتها، سيناريو مزدوج يجمع بين نزع السلاح الثقيل وخطة لنزع باقي السلاح وشراء الوقت. أياً كان القرار، فإن لبنان أمام خيارات فاصلة وأيام حاسمة.