يمنحنا الكاتب السوداني حمور زيادة مفتاحا أوليا لقراءة روايته الجديدة "حادثة عيش السرايا وما يتعلق بها من وقائع مسلية" من خلال الإشارة في بدايتها إلى أننا سنقرأ حكاية وخبرا، في استذكار منحيين اثنين للسرد العربي القديم هما "الحكاية" و"الخبر".
ففي الرواية الصادرة أخيرا عن "دار العين" في القاهرة يستهل السارد صوته بالقول "تعال أحكي لك قصة، فالطريق طويل"، و"لا أعلم خبرا طريفا يزجي الوقت ويعين على السفر مثلما حدث معي في ماضي الأيام". والخبر في السرد سنتتبعه بشكل واضح منذ انقلاب الحركة الإسلامية (ثورة الإنقاذ الوطني) وحتى الانتفاضة الشعبية التي أطاحت سلطة الإسلاميين التي ينتمي إليها مدير مكتب الوزير، سارد الرواية، المتكئ في حكاياته الكثيرة على خبر الوقائع المعروفة، أو ما يعتبرها كذلك.
بين سلطتين
عبر هذا الصوت المقرب من السلطة، أو أحد موظفيها الكبار، سنقرأ هجاء وسخرية من شعارات الثورة أو الانتفاضة أو الاحتجاج التي يصفها بالبذيئة ويراها جالبة لخراب البلد وفوضاه. وهو إذ يستدعى إلى العاصمة بعد تأكيد أن "الأمور تحت السيطرة"، يزجي وقته، أثناء السفر، بالتعليق على ماجريات الأحداث وخلفياتها التاريخية من قبل شخصيات عديدة، أولهم الوزير الذي كان يعمل مديرا في مكتبه، وليس آخرهم، الوجه النقيض، من يدعوه بـ"إبليس"، الشاب المتحمس لشعارات التغيير والتمرد على السلطة. فالسارد عاد إلى مسقط رأسه، في أثناء الانتفاضة، فيما زوجته وأولاده والوزير سافروا إلى تركيا، وعودته إلى العاصمة تبدو فعلا رمزيا يشير إلى تواطؤ ما بين السلطة الذاهبة والسلطة الجديدة. وهو ما يفسر قول الوزير في رسالة له إن الأمور تحت السيطرة "لم أفهم كيف تكون الأمور تحت السيطرة وقد أطاح الجيش صباحا بالرئيس، وانقلب على الدولة؟ لكن صباح الجمعة حمل بعض الطمأنينة. استقالت القيادة العسكرية الخائنة التي انقلبت على النظام، وصعد الجيش قيادة وطنية أخرى. هل هذا ما قصده؟ هل كان يعلم أن الانقلاب سيفشل؟".