حمور زيادة لـ"المجلة": الغرائبية لا تنفصل عن الواقعية في حياتنا السودانيةhttps://www.majalla.com/node/323247/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%B1-%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%86%D9%81%D8%B5%D9%84-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9
يستخدم الروائي السوداني حمور زيادة عالم الخيال، مستندا إلى بيئته المتشبّعة بالأساطير، ليجعل شخصيات رواياته تقدّم نفسها بنفسها بلغة تخصها، وكأن هذه الشخصيات هي التي تروي سيرتها، في حين كانت حياة زيادة رواية مختلفة لكاتب لم يختر الحياد في الكثير من المواقف، وكان ثمن ذلك أن يحرق بيته وهو ما دفعه إلى مغادرة السودان والاستقرار في مصر.
في رصيده العديد من الأعمال التي يحضر فيها السودان، منها "الغرق" و"شوق الدرويش" التي أهلته للحصول على جائزة نجيب محفوظ عام 2014 والوصول إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2015، كما تحول عمله "النوم عند قدمي جبل" إلى فيلم روائي طويل بعنوان "ستموت في العشرين" حصد العديد من الجوائز العالمية.
يبدو في عمل حمور زيادة الذي لم يصدر بعد تحول كبير. قال عنه لـ"المجلة": "هناك رواية معاصرة، لكنها أيضا تاريخية. فما قبل حرب أبريل/ نيسان 2023 أصبح كله من الماضي".
ما المختلف في روايتك الجديدة؟
عملي المقبل يدور في زمن معاصر وبعيد عن القرية. حاولت فيه تجربة أسلوب جديد عليّ رغم أنه منتشر ويكاد يكون الغالب لدى الكتّاب المعاصرين، لكنها محاولتي الأولى تقريبا. أعاني كالعادة من القلق قبل دفع العمل الى الناشر. وأفكر ألف مرة في إلغاء المشروع ومحاولة كتابة غيره. جزء من هذا القلق هو جدة الأسلوب مقارنةً بما اعتدته وألفته، وحال البلاد التي أكتب عنها وهي لا تكاد تكون موجودة.
لم أعد أظن أن المهم أن تنتج فنا جيدا فحسب، بل ينبغي أن يكون فنا نابعا من حرية الفنان
رحلة المنافي
لا بد من الوقوف عند أحداث 2009 التي كانت وراء خروجك من السودان بعد الاعتراض على مشهد كتبته حول اغتصاب طفلة، وقبل ذلك صراعك مع مجموعة أصولية، فما الأثر الذي بقي من بعد مغادرة وطنك؟
كانت تجربة قاسية. وحتى اللحظة لم أتحدث عنها بالتفصيل. يحتاج المرء إلى وقت طويل قبل التصالح مع حقيقة أن الوطن لم يعد آمنا، وأن عليه اختيار وطن آخر.
عشت خارج السودان لعشر سنوات متواصلة. لم أكن أعرف إن كنت سأراه مرة أخرى أم لا. ثم جاءت الثورة السودانية في ديسمبر/ كانون الأول 2018، مما مكنني من العودة الى بلادي في 2019. لكن حرب 2023 أعادتني إلى المنافي مرة أخرى. السؤال القديم نفسه يتكرر: هل سأرى بلادي مرة أخرى؟ لا يكاد المنفى ينتهي حتى يبدأ منفى جديد.
كيف استطعت بعد ذلك الحدث أن تبقي حريتك الإبداعية؟
أعتقد أن ذلك الحدث هو ما أعطاني الفرصة لممارسة حريتي الإبداعية. قبله كنت أسير الرقيب الداخلي، وهو متأثر بالمجتمع حولي إلى حد كبير. تجربة الغربة والمنفى جعلتني أشعر بالحرية، وأتعامل معها بمسؤولية وأنها القيمة الأسمى في الفن. لم أعد أظن أنه من المهم فقط أن تنتج فنا جيدا، إنما ينبغي أن يكون فنا نابعا من حرية الفنان لا مما هو مفروض عليه قوله.
عملت منذ روايتك الأولى "الكونج"، على الخروج من عالم الأدب التقليدي والدخول إلى الغرائبية، هل كان للقصص الشعبية في السودان أثر في ذلك؟
لم يكن الأمر قرارا، إنما الغرائبية هي جزء من الحياة في السودان. الحكاية الغرائبية لا تنفصل عن الأدب الواقعي في حياتنا السودانية. لذلك عندما كتبت عن ذلك في "الكونج"، إنما كنت مخلصا لواقع السودان وخياله. لدينا كتاب تاريخي من أقدم كتب التراث في السودان، كتب في نهاية القرن الثامن عشر، يعرف باسم "طبقات ود ضيف الله"، هو معجم لأولياء السودان، مثل "حلية الأولياء" للأصفهاني و"طبقات الأولياء" للشعراني، وهو مثلهما مليء بقصص الخوارق والكرامات التي يؤمن بها الناس ويتعاملون معها معاملة الحقيقة. تاريخ كامل من الشيوخ الذين يطيرون في الهواء ويحيون الموتى وينوجدون في مكانين في وقت واحد. عن هذه الغرائبية كتب الطيب صالح في "عرس الزين". إنها مدرسة الخيال السودانية التي ترى الغرائبية جزءا من عادية الحياة وطبيعتها.
أن تنتمي إلى بلد يحترق أمام أنظار العالم هو شعور غامر بالمتاهة
بين الحقيقة والخيال
توظّف الوثائق التاريخية في روايتك "شوق الدرويش"، ماذا عن هذه التجربة؟
كان هذا جزءا من خلق جو الرواية. للوثائق التاريخية ثقلها في النصوص الأدبية. وتعطي العمل – إذا استخدمت بشكل صحيح –مزيدا من الواقعية. وهي مسألة ممتعة، أن تتحرك في هامش ضيق بين الحقيقة والخيال.
كيف تفاعلت مع تحول روايتك "عند قدمي الجبل" إلى فيلم روائي طويل بعنوان "ستموت في العشرين". هل نجح المخرج في تحويل المكتوب إلى مرئي؟
قدّم المخرج رؤيته الخاصة للرواية. هذا أمر لم أتدخل فيه. وكنت راضيا عنه تماما. نحن في عصر موت المؤلف لصالح تأويلات القارئ للنص. فمن باب أولى أن يكون من حق المخرج أن يقدم تأويله الخاص في الدراما. كان هذا اختياره، أن يقدم فيلما مبنيا على أحداث القصة، لا تحويلها حرفيا إلى فيلم. فغيّر في بعض الشخصيات وأضاف وحذف عددا من التفاصيل، وهو أمر لا أعترض عليه. ففي النهاية قدّم عملا فنيا متماسكا وبديعا، ولم يُفسد القصة لمن يريد أن يقرأها.
هل كان هناك أي تدخل منك أو رأي استند إليه المخرج في الفيلم؟
داوم المخرج الصديق أمجد أبو العلاء على إرسال نسخ السيناريو بعد كل تعديل أو تطوير. لكني كنت أفضّل عدم التدقيق وأحيانا عدم قراءة بعض النسخ، حتى لا أتورط في تكوين وجهة نظر أو الاعتراض على تفصيل من التفاصيل. كل ما فعلته أني قدمت بعض ملاحظات هامشية متوافقة مع رؤية المخرج للعمل.
لا أجد عيبا في كثرة النشر ومحاولة كل قارئ أن يكون كاتبا. في النهاية لن يستمر إلا من لديه ما يُحكى
دروس الحرب
تكثر الصراعات والحروب في السودان وفي بلدان عربية أخرى، كيف تتفاعل معها؟
ليس من رأى كمن سمع، والحرب الأهلية السودانية رغم انها كانت تحوم فوق رؤوسنا طوال سنوات نظام عمر البشير الأخيرة إلا اننا لم نتوقعها بهذه الوحشية إلا حين أكلتنا. الحروب شقيقة اليأس. لذلك تأكل أول ما تأكل الذاكرة حتى لا يصبح هناك حياة إلا اللحظة الراهنة، ولا حل إلا بالبندقية، ولا أمل إلا في الموت أو القتل. أن تَقتُل أو تُقتَل.
وهو واقع بائس. أن يصبح مستقبلك ومستقبل بلد كامل رهين وعي ثلة من حملة السلاح يقررون من يحيا ومن يموت. هناك أكثر من 12 مليون لاجئ سوداني حاليا، وملايين مثلهم يعيشون حياة قاسية في مناطق الحرب. الكارثة أن الحرب ما زالت لم تعلمنا أهمية السلام والتعايش، إنما ما زالت في مرحلة الإيهام بأن مزيدا من القتال سيجلب السلام، وهو وهم لن يقودنا إلا إلى مزيد من الخراب. أن تنتمي إلى بلد يحترق أمام أنظار العالم بل ومده الحريق بمزيد من الوقود، هو شعور غامر بالمتاهة.
يشهد الإنتاج الروائي العربي طفرة كمية في السنوات الأخيرة، كيف تنظر إلى ذلك؟
هذا أمر جيد. صناعة النشر في العالم العربي كانت متأخرة إلى سنوات قريبة. ورغم شكوى كثيرين من أن هناك كتّابا أكثر من عدد القراء فإني لا أرى في ذلك أزمة. فهذه سنوات الطفرة، بعدها ستستقر الأمور ويواصل الكتابة والنشر من له شيء يقوله ومن يقبله القراء. لا أجد عيبا في كثرة النشر ومحاولة كل قارئ أن يكون كاتبا. في النهاية لن يستمر إلا من لديه ما يُحكى.