لحن الشفاء... رحلة الموسيقى من الفن إلى العلاج

بين النوتة العصبية والنبض الحيوي

Yusra Naim
Yusra Naim

لحن الشفاء... رحلة الموسيقى من الفن إلى العلاج

منذ فجر التاريخ، لم يُنظر إلى الموسيقى على أنها فن للمتعة فقط، بل كقوة خفية قادرة على شفاء الجسد وتهدئة الروح. في مصر القديمة واليونان والصين، ارتبطت الألحان بالتوازن النفسي والجسدي، واعتبرت أداة لاستعادة الصحة.

وقد ذهب الفلاسفة الإغريق مثل فيثاغورس وأفلاطون وأرسطو أبعد من ذلك، فبحثوا في العلاقة بين النغم والشفاء، واقترحوا وصف مقطوعات موسيقية محددة لعلاج بعض الحالات. وحتى النصوص الدينية والأساطير لم تغفل هذه القوة، فنجد قصة داوود وهو يعزف ليخفف معاناة الملك شاول.

ومع تطور المعرفة الطبية، بدأت الكتابات العلمية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر توثق هذه الفوائد، خاصة في الولايات المتحدة حيث أشار أطباء مثل بنجامين راش إلى دور الموسيقى في علاج المرضى. لكن اللحظة المفصلية جاءت بعد الحربين العالميتين، حين عزف موسيقيون للجنود المصابين في المستشفيات، فلوحظ أثر مباشر على تعافيهم النفسي والجسدي. من هنا تبلورت فكرة "العلاج بالموسيقى" كحقل علمي مستقل، تقوده منظمات مهنية وتدعمه أبحاث طبية، ليصبح اليوم جزءا معترفا به من الرعاية الصحية الحديثة.

والآن، كشفت دراسة علمية جديدة أن الاستماع إلى موسيقى مبهجة أو هادئة يمكن أن يساعد في التعافي من دوار الحركة بشكل أفضل من الاستماع إلى أنواع أخرى من الموسيقى.

البحث الذي نشر في دورية "فرونتير"، اعتمد على تجربة محاكاة للقيادة أصيب خلالها المشاركون بحالة من "غثيان السيارة"، ثم جرى إخضاعهم لتدخلات موسيقية مختلفة. وكانت النتيجة واضحة: الموسيقى المبهجة خففت الأعراض بنسبة 57.3%، تلتها الموسيقى الهادئة بنسبة 56.7%. أما الموسيقى الحماسية فكان تأثيرها أقل (48.3%).

shutterstock
الاستماع إلى موسيقى مبهجة أو هادئة يمكن أن يساعد في التعافي من دوار الحركة

أظهرت بيانات الرنين المغناطيسي أن النشاط العصبي في الفص القذالي -المسؤول عن المعالجة البصرية- يصبح أقل تعقيدا عند الشعور بالغثيان، وعندما تحسن المشاركون، عاد النشاط إلى طبيعته.

يفسر الباحثون الأمر بأن الموسيقى الهادئة تساعد في الاسترخاء وتخفيف التوتر، بينما الموسيقى المبهجة تنشّط دوائر المكافأة في الدماغ، مما يشتت الانتباه عن الأعراض. في المقابل، قد تزيد الموسيقى الحزينة المشاعر السلبية فتفاقم الانزعاج.

فوائد من المهد إلى اللحد

لم تعد الموسيقى مجرد ترفيه أو هواية، بل أداة علاجية تتقاطع مع علم النفس والطب العصبي وإعادة التأهيل. من الأطفال الخدج في أقسام العناية المركزة، إلى المراهقين الذين يعانون من القلق أو العزلة، ومن مرضى الخرف إلى الناجين من السكتات الدماغية، تثبت الأبحاث أن النغمات قد تحمل أثرا يتجاوز المتعة إلى الشفاء.

يمكن استخدام العلاج بالموسيقى كوسيلة تساعد الأطفال المولودون قبل أوانهم والذين يواجهون تحديات صحية معقدة

مرحلة المراهقة من أكثر المراحل عرضة للاضطرابات النفسية والسلوكية مثل القلق، والاكتئاب، وفقدان الشهية، والانسحاب الاجتماعي، أو حتى السلوكيات الخطرة كإدمان المواد أو محاولات الانتحار. هنا تبرز أهمية العلاج بالموسيقى كوسيلة آمنة وغير تقليدية تمنح الشباب فرصة للتعبير عن مشاعرهم المكبوتة.

وتتمثل أهداف هذا النوع من العلاج بالموسيقى في تعزيز الوعي بالمشاعر والانفعالات، وتحسين القدرة على اتخاذ القرارات، وخفض مستويات القلق، إلى جانب تقوية الثقة بالنفس والمهارات الاجتماعية لدى الأفراد. ورغم أن الأدلة العلمية المتوفرة لا تزال محدودة، إلا أن دراسات متعددة تشير إلى أن دمج الموسيقى مع العلاجات التقليدية يمكن أن يزيد فعاليتها، خصوصا في التعامل مع حالات الاكتئاب والقلق.

كما يمكن استخدام العلاج بالموسيقى كوسيلة تساعد الأطفال المولودون قبل أوانهم والذين يواجهون تحديات صحية معقدة تشمل مشاكل في التنفس، وضعفا في العضلات، وصعوبة في التنسيق بين المص والتنفس. ففي وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة، يستخدم العلاج بالموسيقى كوسيلة لتقليل الضوضاء المزعجة وتهيئة بيئة مريحة.

وفي تلك الحالة -حالة الأطفال الخدج- فالدليل العلمي عن الفوائد التي تقدمها الموسيقى ضعيف ومتباين، فلم يثبت بعد أن الموسيقى تحسن النمو أو التنفس مقارنة بالرعاية التقليدية، لكن بعض الدراسات أظهر انخفاضا طفيفا في معدل ضربات القلب عند الرضع الذين استمعوا للموسيقى. والأهم ربما هو الجو الهادئ الذي تخلقه الموسيقى للأهل والطاقم الطبي على حد سواء، حتى وإن كان أثرها الطبي المباشر محدودا.

الموسيقى ليست مجرد أصوات متناثرة، بل أداة عصبية وعضلية قادرة على تحفيز الدماغ والجسد معا. فقد أظهرت الأبحاث أن الإيقاعات المنتظمة تساعد مرضى إصابات الدماغ على استعادة التوازن والحركة، بينما يساهم الغناء في إعادة تأهيل مرضى السكتة الدماغية عبر تحسين التنفس، ووضوح الكلام، والتحكم في عضلات النطق باستخدام أساليب مثل العلاج بالإنشاد اللحني الذي يحول الكلمات إلى نغمات لتنشيط مناطق الدماغ السليمة.

القلب والعقل

أما على صعيد القلب، فقد بينت الدراسات أن الاستماع الى الموسيقى قد يحسن معدل ضربات القلب وضغط الدم لدى مرضى الشرايين التاجية. وفي مجال الأورام، تشير دلائل أولية إلى أن جلسات العلاج الموسيقي في إشراف متخصصين تساهم في تحسين الحالة النفسية والجسدية لمرضى السرطان البالغين، فيما لا تزال فعاليتها لدى الأطفال غير مؤكدة.

وحتى الأطفال المصابون بالتوحد يجدون في الموسيقى قناة طبيعية للتعبير. فالعلاج بالموسيقى يساعد في تطوير الانتباه الحركي، ومهارات اللغة، والتواصل الاجتماعي. كما أن الأهل أيضا يلمسون الفائدة. فجلسات العلاج تمنحهم فرصة لرؤية أطفالهم ينفتحون على الأسرة والعالم الخارجي. وفي كثير من الحالات، يتحول حب الطفل للموسيقى إلى نشاط مستمر يتجاوز حدود الجلسات العلاجية.

حتى في حالات الفقدان والحداد، للموسيقى دور. لدى المراهقين مثلا، يمكن كتابة الأغاني وعزفها أن يكونا وسيلة للتعامل مع الخسارة والخيبات

وعند كبار السن المصابين بالخرف أو الزهايمر، تصبح الموسيقى وسيلة لاستعادة بعض القدرات الاجتماعية والمعرفية. فقد أظهرت دراسة واسعة على أكثر من 330 مريضا أن العلاج بالموسيقى يحسن التفاعل الاجتماعي، يقلل السلوكيات العدوانية، ويعيد بعض القدرات المعرفية مثل التعرّف الى الوجوه.

وفي مرض الحبسة، وهي حالة يفقد فيها المريض القدرة على إنتاج الكلام نتيجة تلف في مناطق الدماغ المسؤولة عن اللغة، غالبا ما يحتفظ المرضى بقدرتهم على الغناء، وهنا يأتي دور العلاج بالإنشاد اللحني، حيث يتدرب المرضى على تحويل الكلمات إلى ألحان، ثم العودة تدريجيا إلى الكلام العادي.

هذا الأسلوب يفعل مناطق في النصف الأيمن من الدماغ لتعويض التلف في الجانب الأيسر، وهو مثل حي على مرونة الدماغ وقوة الموسيقى في إعادة تشكيل المسارات العصبية.

حتى في حالات الفقدان والحداد، للموسيقى دور. لدى المراهقين مثلا، يمكن كتابة الأغاني وعزفها أن يكونا وسيلة للتعامل مع الخسارة والخيبات. دراسة استخدمت "مقياس عملية الحزن" أظهرت أن العلاج الموسيقي خفض مؤشرات الحزن بنسبة 43% لدى المراهقين المشاركين.

تشير الادلة المتاحة حتى الان الى ان الموسيقى قد تكون اداة مساعدة مهمة ضمن العلاجات التقليدية للامراض النفسية، فبالنسبة الى مرضى الفصام يمكن ان تخفف من العدوانية والهلاوس وتحسن جودة الحياة رغم ضعف قوة الدليل، اما عند المصابين باضطراب ما بعد الصدمة فهناك نتائج واعدة لكنها تحتاج الى المزيد من الابحاث الدقيقة، وفي حالات الاكتئاب اظهر بعض الدراسات ان العلاج بالموسيقى، خصوصا عبر اساليب مثل التصوير الموجه بالموسيقى او العلاج التفاعلي بالموسيقى، قد يكون اكثر فعالية من الاعتماد على الطرق التقليدية وحدها.

أنواع الموسيقى

تُستخدم أنواع مختلفة من الموسيقى في السياقات العلاجية، بدءا من المقطوعات الكلاسيكية المنظمة إلى الموسيقى الارتجالية العفوية، ويعتمد الاختيار على احتياجات المريض وأهداف الطبيب أو المعالج. يستخدم معالجو الموسيقى المدربون كلا من العزف النشط والاستماع الاستقبالي.

وتعزز الأغاني الهادئة الشعور بالراحة والهدوء، بينما توقظ الأغاني الشعبية الحنين وتربط الأفراد بتراثهم. وتعد الموسيقى الكلاسيكية وسيلة فعالة للاسترخاء والتركيز، إذ تساعد في تخفيف الاكتئاب والقلق بفضل إيقاعها البطيء. أما أغاني الروك والبوب، فتستخدم لجذب الشباب ومنحهم مساحة للتعبير عن مشاعرهم، فيما تعزز الموسيقى التقليدية المشاعر الإيجابية والألفة. ورغم الجدل السابق حولها، أظهرت الأبحاث أن الموسيقى الصاخبة يمكنها أن تساعد في معالجة المشاعر القوية كالغضب. وللتركيز العميق والوعي الذهني، تستخدم الموسيقى الآلية الخالية من الكلمات، بينما تعد المقطوعات الموسيقية التي تنشأ خصيصا خلال الجلسات أداة شخصية لتحقيق أهداف علاجية فردية.

يستخدم معالجو الموسيقى خصائص معينة للموسيقى لتحقيق أهدافهم العلاجية، فالتحكم في الإيقاع يساعد في تهدئة الجسم وتحفيزه، إذ يستخدم الإيقاع البطيء لتعزيز الاسترخاء، بينما تستخدم الإيقاعات السريعة للنشاط الحركي. كما تعد الكلمات أداة لفتح الحوار حول المشاعر والتجارب الشخصية، في حين تفضل الموسيقى الخالية من الكلمات لتجنب أي ذكريات قد تكون مزعجة.

هناك أبحاث تدرس تأثير العزف على آلة الهارمونيكا لدى مرضى الانسداد الرئوي المزمن لتحسين وظائف التنفس

وتعد الألفة عنصرا رئيسا، فاستخدام الأغاني المألوفة لدى المريض يعزز شعوره بالأمان والراحة، مما يشجعه على الانفتاح والمشاركة في الجلسات العلاجية.

العلاج بالموسيقى يقوم على أشكال وأساليب متنوعة، لكن يمكن التمييز أساسا بين نوعين رئيسين، أولهما العلاج بالتلقي وفيه يكون المريض متلقيا للتجربة الموسيقية، حيث يستمع الى أنواع مختلفة من الموسيقى سواء كانت كلاسيكية أو جاز أو روك أو حتى موسيقى يفضلها شخصيا.

shutterstock
العلاج بالموسيقى وسيلة آمنة وغير تقليدية تمنح الشباب فرصة للتعبير عن مشاعرهم المكبوتة

وقد تتضمن الجلسات مناقشة الأغاني، وتمارين استرخاء موسيقية، أو ببساطة الاستماع النشط. الهدف هو تحسين المزاج، وتقليل القلق والتوتر، وتخفيف الألم، وتعزيز مهارات التكيف. بعض الدراسات أثبت أن هذا النوع من العلاج يرتبط حتى بتغيرات بيولوجية مثل انخفاض مستويات هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر.

وهناك أيضا العلاج الفعال، وفي هذا النوع يشارك المريض نفسه في صناعة الموسيقى من خلال الغناء، والعزف على الآلات، والارتجال، وكتابة الأغاني، أو حتى قيادة أداء موسيقي.

ويحفز هذا الانخراط المباشر الجوانب الجسدية والعاطفية معا. على سبيل المثل، هناك أبحاث تدرس تأثير العزف على آلة الهارمونيكا لدى مرضى الانسداد الرئوي المزمن لتحسين وظائف التنفس، كما تستخدم جلسات عزف مبسطة في دور رعاية المسنين باليابان لمساعدة كبار السن على تجاوز الصعوبات الجسدية عبر أدوات موسيقية سهلة الاستخدام.

مدارس علاجية

تطور العلاج بالموسيقى عبر مدارس مختلفة، كل منها يحمل رؤية خاصة لكيفية توظيف الموسيقى في دعم النمو النفسي والجسدي.

فهناك منهج التخيل الموجه بالموسيقى، الذي ابتكرته المعالجة هيلين بوني، يقوم على الدمج بين التخيل الموجه والموسيقى، وعلى استخدام صور ذهنية مريحة يقترحها المعالج، بينما تقود الموسيقى المستمع إلى حالة وعي أعمق تساعده في إدراك ذاته واكتشاف حلول لمشكلاته.

وتعد الموسيقى هنا شريكا علاجيا أساسيا، حيث يتم اختيار مقطوعات غالبا من الموسيقى الكلاسيكية بعناية لتناسب عمر المريض واحتياجاته. ويستخدم هذا الأسلوب مع الأطفال والكبار في جلسات فردية أو جماعية تتضمن الاسترخاء، ومشاركة المشاعر، والارتجال.

كما طور العازف والمؤلف باول نوردوف والمربي كلايف روبنز نوعا جديد من العلاج بعد أن لاحظا استجابة الأطفال ذوي الإعاقات للموسيقى بشكل لافت. واستخدم المنهج في مستشفيات ومراكز رعاية للأطفال المصابين بالتوحد واضطرابات نفسية أو عقلية. يقوم على فكرة أن كل إنسان قادر على التفاعل مع الموسيقى، حتى في أصعب الظروف.

ويعتمد العلاج على صناعة الموسيقى المشتركة بين المعالج والمريض، حيث يستخدم الغناء والعزف والتأليف كجسر للتواصل. أصبح هذا النموذج اليوم مدرسة عالمية تمارسها مئات المراكز المتخصصة في مختلف الدول.

وأسس جيرترود أورف في ألمانيا منهجا يعتمد على رؤية تربوية موسيقية وضعها المؤلف كارل أورف. يجمع هذا الأسلوب بين الغناء، والحركة، والإيقاع، واللعب الإبداعي لمساعدة الأطفال الذين يعانون من تأخر أو إعاقات في النمو. يركز على التفاعل الحسي المتعدد باستخدام آلات موسيقية بسيطة كالطبول والإكسليفون، إضافة إلى أهمية دمج الأهل في العملية العلاجية لتعزيز علاقتهم بأطفالهم. يقوم هذا النهج على مبادئ علم النفس الإنساني، حيث يتم التعامل مع الطفل انطلاقا من قدراته وليس فقط إعاقاته، مع إعطاء أهمية كبرى للتكامل الاجتماعي.

تشجع الموسيقى ايضا على المرونة العصبية من خلال تفعيل مناطق متعددة في الدماغ مرتبطة بالحركة والذاكرة والعاطفة والادراك

ويمثل العلاج بالموسيقى التحررية اتجاها حديثا يمزج بين العلاج النفسي والموسيقى والعمل الاجتماعي والسياسي، ويقوم على مبادئ علم النفس التحرري ويستهدف المجتمعات المهمشة التي تعاني من صدمات جماعية واضطهاد ممنهج.

وفي هذا النموذج تعتبر الموسيقى وسيلة علاجية وأداة مقاومة في الوقت ذاته، إذ يجري استخدام تقاليد موسيقية محلية مثل الطبول والأغاني الشعبية والهيب هوب إلى جانب أنماط موسيقية حديثة. الهدف هو بناء وعي جماعي، تعزيز التضامن، وتمكين الأفراد والمجتمعات من تجاوز الصدمات وبناء المرونة النفسية والاجتماعية.

الأثر البيولوجي

تؤثر الموسيقى بيولوجيا على الانسان عبر إطلاق مواد كيميائية عصبية وتغيير وظائف فيسيولوجية واعادة تنظيم الشبكات العصبية في الدماغ. يتحدد حجم التأثير بعناصر موسيقية مثل الايقاع والانسجام والسرعة الى جانب التفضيلات الشخصية والارتباطات العاطفية للفرد.

من الناحية العصبية، تحفز الموسيقى مسارات المكافأة في الدماغ، اذ يؤدي الاستماع الى موسيقى ممتعة الى افراز الدوبامين في مراكز المكافأة مثل النواة المتكئة، مما يخلق شعورا بالمتعة والدافع والنشوة، يشبه ما يحدث مع الطعام او العلاقات الحميمة او بعض العقاقير. كما تؤثر الموسيقى على الجهاز العصبي الذاتي الذي ينظم وظائف لا ارادية مثل التنفس وضربات القلب.

فالموسيقى الهادئة ذات الايقاع البطيء تنشط الجهاز العصبي اللاودي وتقلل معدل ضربات القلب وضغط الدم ومستويات الكورتيزول، بينما الموسيقى السريعة تنشط الجهاز العصبي الودي وتزيد سرعة القلب والتنفس.

تشجع الموسيقى ايضا على المرونة العصبية من خلال تفعيل مناطق متعددة في الدماغ مرتبطة بالحركة والذاكرة والعاطفة والادراك، كما أن التدريب الموسيقي الطويل يحدث تغييرات في حجم بعض اجزاء الدماغ ويقوي الروابط بين نصفيه.

ولدى كبار السن ارتبطت الممارسة المنتظمة للموسيقى بتباطؤ التدهور العقلي وتقليل احتمال الاصابة بالخرف، وكذلك تنظم الموسيقى العاطفة عبر الجهاز الحوفي وخاصة اللوزة والحصين، وهو ما يفسر قدرتها على تهدئة القلق وتحسين المزاج.

كما تعمل أيضا على تعزيز الذاكرة اذ تساعد في استدعاء الاحداث خاصة عندما ترتبط بانفعالات، وتستخدم في علاج مرضى الزهايمر حيث تبقى الذاكرة الموسيقية حاضرة حتى مع تراجع انواع اخرى من الذاكرة.

من الناحية الفيسيولوجية، تساعد الموسيقى في السيطرة على الالم من خلال الهاء المريض وتنشيط افراز الاندورفينات وهي مسكنات الالم الطبيعية في الجسم. واثناء التمارين الرياضية، تحسن الموسيقى السريعة الاداء البدني عبر رفع مستوى اليقظة وتنظيم الايقاع وتقليل الاحساس بالإجهاد مما يسمح بممارسة اطول. كما وجدت دراسات ان الموسيقى ترفع مستويات الاجسام المضادة مثل الغلوبيولين المناعي المسؤول عن دعم الجهاز المناعي. وتساهم في تحسين جودة النوم حيث تساعد الموسيقى المهدئة على الاسترخاء والنوم بشكل أسرع ولفترة اطول خصوصا لدى من يعانون الارق.

على المستوى الاجتماعي والعاطفي، تساهم الموسيقى في تعزيز الروابط الانسانية، فالغناء الجماعي او الرقص يطلقان الاندورفينات ويعززان مشاعر الترابط والانتماء. كما ان الموسيقى تؤثر على هرمون الاوكسيتوسين الذي يدعم التواصل الاجتماعي والعاطفي، وقد لوحظ ذلك في تفاعل الوالدين مع الاطفال وفي جلسات العلاج بالموسيقى الجماعية.

font change

مقالات ذات صلة