هذا السؤال مطروح في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي لبنان واليمن وإيران. لكن في سوريا له أبعاد إضافية، لأسباب كثيرة تخص الجوار والتاريخ والسياق.
لا شك أن سقوط نظام الأسد نهاية العام الماضي شكّل الضربة الأكبر لإيران و"محور الممانعة"، ذلك أن سوريا كانت ممر السلاح إلى "حزب الله" في لبنان، والحديقة الخلفية للعراق، ومقر الفصائل الفلسطينية المدعومة من طهران، ومقرا لمعسكرات تدريب "الحوثيين" والميليشيات التابعة لـ"الحرس الثوري". لذلك لم يكن مفاجئا أن إسرائيل ضربت إيران لمنعها من التدخل العسكري المباشر في سوريا لصالح الأسد بعد إطلاق "هيئة تحرير الشام" معركة "ردع العدوان" نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. كما شنت ضربات على ميليشيات عراقية حاولت عبور الحدود لدعم النظام لدى سقوط حلب في نوفمبر، بل إن إسرائيل شنت في نوفمبر، قبل بدء "ردع العدوان"، ضربات جراحية دمرت غرفة عمليات "حزب الله" و"الحرس الثوري" الإيراني في سراقب، في أول هجوم من نوعه في ريف إدلب منذ 2011.
ومع ذلك، فإن وصول "هيئة تحرير الشام" إلى دمشق في ديسمبر/كانون الأول، أخرج إسرائيل من حالة "اليقين السوري" لخمسين سنة، مع نظام الأسدين. فالجولان كانت جبهة محيدة وصامتة لعقود منذ توقيع اتفاق فك الاشتباك في عام 1974، والأسلحة الاستراتيجية كانت تحت السيطرة، فالصواريخ والأسلحة الكيماوية والبراميل، استخدمت ضد السوريين ولم تستخدم في جبهة الجنوب ولا في الحرب مع إسرائيل.
أمام "حالة اللايقين السوري"، شنت إسرائيل 700 غارة خلال فترة قصيرة دمرت فيها كل الأصول الاستراتيجية العسكرية البرية والجوية والبحرية، وتوغلت واحتلت المنطقة العازلة في الجولان بموجب اتفاق فك الاشتباك
وأمام حالة اللايقين مع الحكم السوري الجديد، ماذا فعلت إسرائيل؟
أولا: شنت إسرائيل 700 غارة خلال فترة قصيرة دمرت فيها كل الأصول الاستراتيجية العسكرية البرية والجوية والبحرية.
ثانيا: توغلت واحتلت المنطقة العازلة في الجولان بموجب اتفاق فك الاشتباك.
ثالثا: احتلت شريطا بعمق 7 كيلومترات في عمق الأراضي السورية في موازاة المنطقة العازلة من شمال الجولان لجنوبه.
رابعا: احتلت "مرصد جبل الشيخ"، وهو أعلى قمة استراتيجية في هذا الجبل.
خامسا: أعلنت المنطقة بين دمشق والجولان منطقة أمنية منعت فيها دخول الجيش السوري.
سادسا: سيطرت جوياً على محافظات الجنوب الثلاث، ومعظم الأراضي السورية.
سابعا: دمرت مواقع ومطارات في وسط سوريا كانت أنقرة تريد أن تجعلها مقرات لقواعد عسكرية تركية.
ثامنا: مع تطور الأوضاع السورية، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه يريد "حماية الدروز" وضربت قواته مقرات سيادية سورية ومدخل القصر الرئاسي ومقر وزارة الدفاع للضغط على دمشق في هذا الاتجاه.
تاسعا: أعلنت تل أبيب أنها تريد إقامة ممر إنساني من الجولان إلى السويداء.
بالنسبة إلى الحكم السوري الجديد، فإن أركانه أعلنوا منذ وصولهم إلى دمشق عدم وجود أي نية لتشكيل "أي تهديد لأي دولة مجاورة بما فيها إسرائيل". ثم أكد الرئيس أحمد الشرع خلال وجوده في باريس عن "مفاوضات غير مباشرة" مع إسرائيل، ثم أعلنت الخارجية عن لقاءات مع إسرائيليين في باريس. ولم يعترض على إعلان البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترمب طلب أثناء لقائه الشرع في الرياض يوم 14 مايو/أيار الانضمام إلى "الاتفاقات الإبراهيمية".
أمام اتساع قائمة الطلبات الإسرائيلية، الأمر الطبيعي أن تسأل دمشق: ماذا تريد تل أبيب؟ هل تريد تحسين الشروط التفاوضية أم إن لديها مطامع توسعية؟ هل تريد تفتيت سوريا وتقسيمها؟
التصور السوري الأولي كان التفاوض لتأكيد تنفيذ اتفاق فك الاشتباك أو إنجاز اتفاق مشابه ثم إطلاق مسار سياسي ربما يؤدي إلى عملية سلمية بين الطرفين قد تنتهي بالانضمام إلى "الاتفاقات الإبراهيمية" مع الأخذ في الاعتبار أن سوريا تختلف عن باقي الدول العربية التي انضمت إليها: لسوريا أرض محتلة هي الجولان، ولديها خطوط تماس مع إسرائيل، والجيش الإسرائيلي يتوغل في عمقها. وقالت بوضوح، إن الأولوية هي لاتفاق فك الاشتباك أو ما شابهه.
أمام اتساع قائمة الطلبات الإسرائيلية، الأمر الطبيعي أن تسأل دمشق: ماذا تريد تل أبيب؟ هل تريد تحسين الشروط التفاوضية أم إن لديها مطامع توسعية؟ هل تريد تفتيت سوريا وتقسيمها؟ هل تبحث عن مكاسب تكتيكية وتخسر استراتيجياً؟
هذه أسئلة جدية تطرح في الغرف المغلقة في دمشق. يبدو أنه كلما اتسعت الاتصالات وتعددت اللقاءات التفاوضية، وكلما حصلت اختبارات ميدانية في الجنوب السوري، كلما زاد الغموض والإرباك في فهم الأهداف الحقيقية لإسرائيل وما إذا كانت أهداف نتنياهو هي ذاتها أهداف الجيش والاستخبارات.
بدايةً، قال الإسرائيليون إنهم غير معنيين بتجديد اتفاق فك الاشتباك، فهم يعتقدون أنه يعود إلى مرحلة انتهت وأن ظروف توقيعه في 1974 تختلف كليا عن الواقع الراهن. أي إن اتفاق فك الاشتباك الذي فاوض عليه حافظ الأسد، وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر دفن معه. الأخطر أنهم يقترحون أن تكون المنطقة ما بين تخوم دمشق وخط فك الاشتباك منطقة خالية من السلاح الثقيل والجيش السوري وتتضمن ترتيبات ووسائل إنذار مبكر مع حرية في الحركة والتوغل والسيطرة الجوية، لـ"منع تكرار 7 أكتوبر/تشرين الأول في الجنوب السوري".
بالفعل، ماذا تريد إسرائيل في سوريا ومنها؟