محاكمة بولسونارو... صراع رئاسي أمام المحكمة العليا البرازيلية

اختبار حقيقي لأسس النظام الديمقراطي

غيتي
غيتي
جايير بولسونارو بعد مؤتمر صحفيٍ عقد بعد يومين من هزيمته أمام لولا دا سيلفا في جولة الإعادة الرئاسية في قصر ألفورادا في برازيليا، البرازيل، في 1 نوفمبر 2022

محاكمة بولسونارو... صراع رئاسي أمام المحكمة العليا البرازيلية

تشهد البرازيل في سبتمبر/أيلول الجاري واحدة من أكثر المحاكمات إثارة للجدل في تاريخها المعاصر، حيث يُحاكم الرئيس السابق جايير بولسونارو أمام المحكمة العليا الفيدرالية بُتهم لا تقتصر على قضايا فساد فردية تقليدية فحسب، بل تمتد لتشمل اتهامات شديدة الجسامة تتعلق بتدبير محاولة انقلابية والتآمر على النظام الديمقراطي بعد خسارته الانتخابات الرئاسية عام 2022 أمام الرئيس الحالي لولا دا سيلفا.

وتمثل هذه المحاكمة اختبارا حاسما لمتانة المؤسسات القانونية والدستورية الديمقراطية البرازيلية والتي لم يمضِ على عودتها سوى أقل من أربعة عقود، وتعيد إلى الأذهان قضايا وجراحا سياسية قديمة شديدة التعقيد، تتعلق بإرث طويل من الاستقطاب السياسي الحاد، والتشكيك في فاعلية مؤسسات الدولة ومدى نجاحها في التصدي لمحاولات تقويض النظام الدستوري، مما يضع المحكمة العليا في مواجهة مباشرة مع هذه التحديات الوجودية.

ويتداخل في هذا الملف عدة جوانب سياسية، دستورية، قضائية، وتاريخية، وهو ما يُثير بالتبعية عدة أسئلة جوهرية منها: ما هي أبرز التهم الموجهة للرئيس بولسونارو وباقي المتهمين؟ وهل تعتبر هذه التهم من قبيل التهم الجنائية التقليدية أم إنها تهم لها طبيعة سياسية وجسامة خاصة نتيجة تعلقها باستقرار النظام الدستوري في البرازيل؟ وما هي اختصاصات وصلاحيات النظام القضائي وفقا لأحكام الدستور البرازيلي في هذا الشأن لا سيما "المحكمة العليا الفيدرالية" و"المحكمة الانتخابية العليا"؟ وما هي الدوافع والأسباب الدستورية والقانونية التي دفعت بولسونارو لارتكاب هذه التهم؟ وما هي أبرز العقوبات المحتمل توقيعها على المتهمين حال ثبوت ارتكاب التهم في حقهم؟ وهل للخصومة السياسية بين الرئيس الحالي لولا دا سيلفا والسابق بولسونارو دور في سير المحاكمة؟ وهل لهذه الخصومة علاقة بتحقيقات قضائية سابقة قام بها قضاة بارزون سابقون وحاليون مثل ألكسندر دي مورايس، وسيرجيو مورو؟ وهل يؤثر ذلك على مسار المحاكمة؟

تفاصيل وخلفية القضية

تعود تفاصيل القضية والتي تعرف إعلاميا (بقضية مخطط انقلاب الانتخابات الرئاسية البرازيلية) إلى أكتوبر/تشرين الأول 2022، بين الرئيس الحالي لولا دا سيلفا مرشح "حزب العمال البرازيلي"، أحد الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية ضمن التحالف الانتخابي "برازيل الأمل" بين الأحزاب الاشتراكية واليسارية وأحزاب الخضر، على الرئيس السابق جايير بولسونارو، مرشح "الحزب الليبرالي البرازيلي" ضمن التحالف الانتخابي "من أجل مصلحة البرازيل" بين أحزاب يمين الوسط واليمين المتطرف، والتي فاز فيها لولا دا سيلفا بنسبة ضئيلة (50.9 في المئة مقابل 49.1 في المئة)، وهو ما دفع بولسونارو إلى رفض الاعتراف بالنتائج، مستندا إلى ادعاءات غير مدعومة بالأدلة حول تزوير الانتخابات الإلكترونية.

هذا الرفض أدى إلى تصعيد التوترات والاستقطاب السياسي، والذي بلغ ذروته في 8 يناير/كانون الثاني 2023، عندما اقتحم آلاف من مؤيدي بولسونارو المباني الحكومية في العاصمة برازيليا، بما في ذلك مبنى الكونغرس ومقر المحكمة العليا الفيدرالية والقصر الرئاسي، في محاولة منهم لمنع تسليم السلطة، مما أسفر عن اعتقال مئات وإدانة عشرات بتهم التمرد، في موقف شديد التشابه مع أحداث 6 يناير 2021 في الولايات المتحدة عندما قام أنصار الرئيس الأميركي دونالد باقتحام مبنى الكونغرس اعتراضا منهم على إجراءات تسليم السلطة وتنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن.

هذا الرفض أدى إلى تصعيد التوترات والاستقطاب السياسي، الذي بلغ ذروته في 8 يناير 2023، عندما اقتحم آلاف من مؤيدي بولسونارو المباني الحكومية في العاصمة برازيليا، بما في ذلك مبنى الكونغرس ومقر المحكمة العليا الفيدرالية والقصر الرئاسي

ضربة البداية القضائية

أقام "حزب العمال الديمقراطي البرازيلي" دعوى قضائية أمام المحكمة الانتخابية العليا في أغسطس/آب 2022، قبل إجراء الانتخابات، عند قيام الرئيس بولسونارو أثناء شغله لمهام منصبه في يوليو/تموز 2022 بدعوة لاجتماع مع عدة سفراء أجانب وأذيع هذا الاجتماع على الهواء بالتلفزيون الوطني البرازيلي، هاجم خلاله النظام الانتخابي البرازيلي متهما الأجهزة الحكومية القائمة على العملية الانتخابية بعدة اتهامات من قبيل "نظريات المؤامرة"، فأقيمت الدعوى وتم اتهامه بإساءة استعمال سلطاته الرئاسية، واستغلال وسائل الإعلام الوطنية لأغراض شخصية، ومحاولة عرقلة العملية الانتخابية، وقد أصدرت المحكمة، بعد إجراء الانتخابات، حكمين في يونيو/حزيران وأكتوبر/تشرين الأول 2023 بحرمان الرئيس بولسونارو ونائبه من حقوقهما السياسية وعدم أهليتهما للترشح للمناصب العامة حتى عام 2030.

أ.ف.ب
أنصار الرئيس البرازيلي السابق (2019-2022) جايير بولسونارو، خلال مظاهرة بمناسبة عيد الاستقلال، في ساو باولو، البرازيل، في 7 سبتمبر 2025

إلا أنه وبعد تحقيقات موسعة أجرتها الشرطة الفيدرالية والمحكمة العليا الفيدرالية، تبّين تورط بولسونارو في خمس تهم رئيسة:

1) التخطيط والاشتراك في محاولة انقلاب مسلحة مع قادة عسكريين.

2) المشاركة في منظمة إجرامية مسلحة.

3) التآمر على النظام الديمقراطي.

4) محاولة إلغاء نتيجة الانتخابات بالقوة والعنف.

5) التخطيط لاغتيال مسؤولين رفيعي المستوى مثل الرئيس لولا دا سيلفا والقاضي ألكسندر دي مورايس.

وهذه التهم ليست تهما جنائية تقليدية، ولكنها تهم شديدة الجسامة وتمثل انتهاكات دستورية شديدة، حيث تصل عقوبة جريمة مثل الانقلاب على سبيل المثال إلى السجن لمدة تزيد على 40 عاما.

تستند المحاكمة الحالية لبولسونارو على مجموعة من المواد الدستورية والقوانين الإجرائية والجنائية والانتخابية التي تشكل درعاً لحماية النظام الديمقراطي

تستند المحاكمة الحالية لبولسونارو على مجموعة من المواد الدستورية والقوانين الإجرائية والجنائية والانتخابية التي تشكل درعا لحماية النظام الديمقراطي، منها على سبيل المثال المادة 14 من "دستور جمهورية البرازيل الإتحادية" لعام 1988 والمعروف باسم "دستور المواطن"، التي تنص على مبادئ السيادة الشعبية وحق الاقتراع، كما تُجرم أي سلوك يتنافى مع مقتضيات ممارسة الوظيفة والسلطة العامة، فتنص الفقرة 9 و10 من ذات المادة على أن "يبّين القانون إجراءات التحقيق في مزاعم التزوير وكذا تحديد حالات عدم الأهلية السياسية"، وكذا المادة 85 التي تحدد مسؤولية رئيس الجمهورية عن الأعمال أو الجرائم التي يرتكبها رئيس الجمهورية، وتشكل تعديا على الدستور أو إخلالا بكيان الاتحاد.

كما تستند المحاكمة كذلك على "القانون الانتخابي البرازيلي لعام 1997"، المنظم لقواعد وإجراءات الانتخابات والذي يجرم بشكل صريح "السلوك المناهض للديمقراطية أو إساءة استخدام السلطة السياسية أو الاقتصادية" بهدف التأثير على نتائج الانتخابات، وهو الأساس القانوني المباشر لكثير من الاتهامات الموجهة لبولسونارو. وكذلك قانون الجرائم والعقوبات الانتخابية لعام 1965 وتعديلاته، والذي يحدد العقوبات على الجرائم الانتخابية، بما في ذلك عدم الأهلية السياسية والتي تمنع الشخص من الترشح للمناصب العامة لفترة معينة، وعادة ما تكون 8 سنوات (فترة مدتين رئاسيتين).

البُعد التاريخي للنظام السياسي وتطور الدساتير وهيكل النظام القضائي

بدأ تطور النظام السياسي البرازيلي مع استقلالها عن البرتغال عام 1822، حيث اعتمدت نظاما ملكيا إمبراطوريا، وقد شهدت البرازيل عدة ثورات واضطرابات شعبية وانقلابات، مرورا بإعلان الجمهورية عام 1889، ومنذ ذلك الحين، شهدت البرازيل سبعة دساتير، أبرزها دستور 1988 الحالي والمعروف بـ"دستور المواطن"، والذي جاء بعد انتهاء فترة الحكم العسكري (1964-1985) وعودة البرازيل تدريجيا إلى الحكم المدني والديمقراطي، وقد ركز ذلك الدستور على تعزيز الحقوق الأساسية، وتقييد سلطات الدولة، وإنشاء آليات ديمقراطية مباشرة مثل الاستفتاءات، وهو كذلك الذي خلق المناخ والإطار الذي وجّه المحاكم في محاكمة بولسونارو، بما فيه نظام الانتخابات والقضاء الانتخابي وهيئات مكافحة الفساد.

بينما يقوم هيكل النظام القضائي في البرازيل على المحاكم باختلاف درجاتها واختصاصتها على مستوى الولايات وعلى المستوى الفيدرالي، وعلى رأس هيكل النظام الفيدرالي القضائي تقوم ثلاث محاكم عليا رئيسة متخصصة:

1) المحكمة العليا الفيدرالية: وهي أعلى محكمة في البلاد وحارسة الدستور ومُفسرته، تتألف من 11 قاضيا يعينهم رئيس الجمهورية مدى الحياة، ولها اختصاص واسع يشمل الحكم بعدم دستورية القوانين، والأهم في هذا السياق، لها الاختصاص الأصيل في محاكمة رئيس الجمهورية، ونائبه، وأعضاء الكونغرس، والوزراء في الجرائم الجنائية المرتكبة أثناء توليهم مناصبهم، وهي التي تشرف حاليا على التحقيقات الجنائية ضد بولسونارو بتهمة محاولة الانقلاب.

أ.ف.ب
يحمل أنصار الحزب الحاكم لافتات ضخمة ضد الرئيس السابق جايير بولسونارو والرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مظاهرة خلال إحياء ذكرى يوم الاستقلال، في ساحة الجمهورية، في ساو باولو، البرازيل، في 7 سبتمبر 2025

2) محكمة العدل العليا: وهي أعلى محكمة استئناف في البرازيل للمسائل غير الدستورية، وتختص بالفصل في القضايا الفيدرالية غير الدستورية، وكذا تفسير القانون الفيدرالي وتوحيد المبادئ القضائية وتوحيد اتجاهات المحاكم الأدنى منها في جميع أنحاء البلاد، تتألف من 33 قاضيا. ليس لها دور مباشر في قضية بولسونارو، لكنها تلعب دورا حاسما في النظام القضائي ككل.

3) المحكمة الانتخابية العليا: وهي الجهة القضائية العليا المسؤولة عن إدارة وتنظيم والإشراف على جميع جوانب العملية الانتخابية، والفصل في كافة النزاعات الانتخابية، تتألف من سبعة قضاة (ثلاثة من المحكمة العليا الفيدرالية، واثنان من محكمة العدل العليا، واثنان من المحامين). اختصاصها يقتصر على القانون الانتخابي، وهي التي حكمت بعدم أهلية بولسونارو السياسية عام 2023.

خصومة لولا وبولسونارو، وحالة الانقسام الشعبي

لا يمكن فهم المحاكمة الحالية بمعزل عن الصراع السياسي العميق الذي يجسده التنافس بين جايير بولسونارو ولولا دا سيلفا، إذ يمثل الرجلان رؤيتين متناقضتين تماما للبرازيل، حيث تقوم رؤية لولا، الزعيم اليساري والنقابي السابق، والذي أعيد انتخابه في 2022 رئيسا للبرازيل، إذ تولى ذات المنصب لمدتين متتاليتين بين عامي (2002-2011)، على سياسات اجتماعية تركز على الحد من الفقر وإعمال مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص. أما بولسونارو، الضابط السابق في الجيش، فيمثل اليمين القومي المتدين المحافظ، مع خطاب يركز على القانون والنظام والقيم العائلية التقليدية، فالعلاقة بينهما ليست مجرد تنافس سياسي، بل هي عداوة شخصية وأيديولوجية عميقة، حيث يرى لولا وأنصاره في بولسونارو تهديدا للديمقراطية التي ناضلوا من أجلها بعد عقود من الحكم العسكري (1964-1985)، بينما يرى في المقابل بولسونارو ومؤيدوه أن لولا يمثل الفساد المستشري الذي كشفته تحقيقات سابقة، وأن عودته إلى السلطة كارثة للبلاد.

هذا الاستقطاب السياسي العميق جعل من المحاكمة ساحة معركة سياسية، يعتبرها مؤيدو بولسونارو، وهم حوالي 30-40 في المئة من المواطنين ممن لهم حق التصويت، بأن القضية ما هي إلا "انتقام ومطاردة سياسية مدعومة من اليسار"، بينما يعتبرها مؤيدو لولا دي سيلفا "معركة للدفاع عن الديمقراطية"، بل إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب تدخل في هذه القضية دعما لبولسونارو واصفا المحاكمة بـ"مطاردة الساحرات" (Witch Hunt) في إشارة إلى اعتباره هذه المحاكمة من قبيل اضطهاد محاكمات العصور الوسطى، وهدد بفرض تعريفات جمركية بنسبة 50 في المئة على الواردات البرازيلية إذا لم تتوقف المحاكمة، معتبرا ذلك ردا على ما وصفه بـ"تجاهل الحريات" مما أثار توترات تجارية مع البرازيل.

لا يمكن فهم المحاكمة الحالية بمعزل عن الصراع السياسي العميق الذي يجسده التنافس بين جايير بولسونارو ولولا دا سيلفا، إذ يمثل الرجلان رؤيتين متناقضتين تماما للبرازيل

بل أبعد من ذلك فقد صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت في سبتمبر/أيلول 2025 بأن ترمب "غير خائف من استخدام القوة الاقتصادية أو العسكرية الأميركية لحماية حرية التعبير حول العالم"، مشيرة صراحة إلى محاكمة بولسونارو كمثال على هذه التهديدات، وقد وصف البيت الأبيض ذلك بأنه رد محتمل على "الإجراءات الاستبدادية" في البرازيل، على حد تعبيره، مما أثار مخاوف من احتمالات التصعيد العسكري، كما تم اتهام بولسونارو ونجله إدواردو بمحاولة عرقلة سير العدالة وإعاقة التحقيقات، لا سيما بعد تقديم طلبات لجوء سياسي إلى الشرطة البرازيلية باسم بولسونارو ونجله وعدة معاونين، بسبب ما يعتبره اضطهادا، ورغم كل ذلك، أكدت المحكمة العليا الفيدرالية تمسكها بالاستقلالية ومواصلة المحاكمة دون التفات إلى أي ضغوط.

السلطة القضائية في قلب العاصفة

يلعب القضاء البرازيلي، وخاصة المحاكم العليا، دورا محوريا في هذه العاصفة السياسية، ويبرز قاضيان بشكل خاص، وإن كانا من مسارين مختلفين:

الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو يلقي كلمة خلال تجمع جماهيري في شارع باوليستا بمدينة ساو باولو، البرازيل، في 29 يونيو 2025

القاضي ألكسندر دي مورايس، عضو المحكمة العليا الفيدرالية ورئيس المحكمة الانتخابية العليا خلال انتخابات 2022، هو الشخصية القضائية الأكثر تأثيرا وربما الأكثر إثارة للجدل في البرازيل اليوم، بصفته قاضي التحقيق في  قضية مخطط انقلاب الانتخابات الرئاسية البرازيلية عام 2022، وقد اتخذ مورايس المعروف عنه صرامته الشديدة، وقراراته الجريئة والحاسمة، بما في ذلك إصدار أوامر تفتيش واعتقال بحق حلفاء بولسونارو المقربين، وحجب حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي لنشرها معلومات مضللة، وفي النهاية الإشراف على التحقيق حول دور بولسونارو نفسه في مؤامرة الانقلاب، يرى فيه المدافعون عن الديمقراطية حصنا منيعا، استخدم سلطاته الدستورية الواسعة لحماية المؤسسات من هجوم غير مسبوق. بينما يتهمه منتقدوه، وخاصة من معسكر بولسونارو، بتجاوز

قضية بولسونارو تختلف جوهريا عن سابقاتها، فبينما كانت القضايا السابقة تتمحور حول الفساد أو المخالفات الإدارية، تدور الاتهامات ضد بولسونارو حول محاولة تقويض النظام الديمقراطي نفسه

قبل مورايس، كان القاضي سيرجيو مورو هو نجم القضاء البرازيلي. كقاضٍ فيدرالي، قاد التحقيقات في قضية "عملية مغسل السيارات"  (Operation Car Wash)، وهي أكبر قضية في فساد في تاريخ البرازيل، والتي أدت تحقيقاته فيها إلى سجن العشرات من كبار السياسيين ورجال الأعمال، كان أبرزهم الرئيس لولا دا سيلفا نفسه، الذي أدين بتهم الفساد وغسيل الأموال في عام 2018، وهو الحكم الذي منعه من خوض انتخابات 2018 التي فاز بها بولسونارو، وقد أصبح دور مورو مثيرا للريبة أكثر خاصة بعد توليه منصب وزير العدل في حكومة بولسونارو، مما أثار شكوكا حول حياده ونزاهته. وقد ألغت المحكمة العليا الفيدرالية إدانات لولا لاحقا خلال عام 2021، وقضت ببراءة لولا ليس لأسباب موضوعية، ولكن لمطاعن إجرائية والتوغل على الاختصاص والولاية القضائية، بالإضافة إلى شبهة تحيز مورو أثناء التحقيقات، وهو ما سمح للرئيس لولا بالعودة إلى الساحة السياسية وهزيمة بولسونارو عام 2022.

السوابق القضائية، بين ماضي البرازيل ومستقبلها

تاريخ البرازيل الحديث حافل بالأزمات الرئاسية، فقد تمت محاكمة الرئيس فرناندو كولور دي ميلو وعزله في عام 1992 بتهم الفساد، وفي عام 2016، تم عزل الرئيسة ديلما روسيف بتهمة التلاعب بالميزانية. وكذلك تمت إدانة الرئيس لولا دا سيلفا بتهم فساد عام 2018، قبل إلغاء تلك الأحكام عام 2021.

ومع ذلك، فإن قضية بولسونارو تختلف جوهريا عن سابقاتها، فبينما كانت القضايا السابقة تتمحور حول الفساد أو المخالفات الإدارية، تدور الاتهامات ضد بولسونارو حول محاولة تقويض النظام الديمقراطي نفسه، ولم يسبق للقضاء البرازيلي أن تعامل مع قضية بهذه الخطورة والجسامة، حيث يُتهم رئيس سابق بالتخطيط "لانقلاب ذاتي" (Autocoup) ، والذي يمكن تعريفه بأنه "إجراء غير دستوري يقوم فيه رئيس الدولة أو الحكومة المنتخب ديمقراطيا، مستندا إلى سلطته التنفيذية أو العسكرية، بتمديد ولايته قسرا، أو بحل أو تعطيل السلطات الدستورية الأخرى (كالبرلمان أو القضاء)، بغرض تركيز السلطة في يده وتقويض مبدأ الفصل بين السلطات". وبالتالي، فإن حكم المحكمة العليا الفيدرالية في هذه القضية سيشكل سابقة قضائية تاريخية تحدد حدود المساءلة السياسية والجنائية لرؤساء الجمهورية، وترسم مستقبل العلاقة بين السلطات في البرازيل.

font change