على مدار مشواره الفني، قدم المخرج المصري خالد جلال نموذجا فريدا للمسرحي العاشق، مما أكسبه تقديرا مع كل عمل يخرج إلى النور حاملا توقيعه، وهو ما تجلى مع أحدث أعماله، "حواديت"، المعروض حاليا على "مسرح مركز الإبداع" بدار الأوبرا، ولا تزال لياليه ممتدة بعد فوزه بجائزة أفضل عمل جماعي في الدورة الأخيرة من "مهرجان المسرح القومي"، جاذبا المزيد من جمهور لا يبحث عن دراما أو بهرجة بقدر رغبته في معايشة تجربة مسرحية حية، تجربة تؤكد أن مشروع جلال لم يأت مصادفة ولا يمثل لحظة عابرة، بل مسارا واعيا نحو صوغ خطاب مسرحي له لغته الخاصة.
يشترك في بطولة العرض جيل جديد من متخرجي دفعات "استوديو مركز الإبداع"، المشروع الذي أسسه جلال ليكون مختبرا حيا لاكتشاف المواهب وصناعة نجوم أصبحوا اليوم من ألمع الأسماء على الساحة. كذلك هو إحدى أهم المبادرات الفنية خلال الربع قرن المنصرم، سواء بالنسبة إلى وزارة الثقافة كجهة راعية، أو إلى خالد جلال كمؤسس ورئيس للمشروع، الذي تحول بمرور الوقت من فضاء تدريبي إلى حالة مسرحية نابضة بالحياة، تتلاقى فيها الطاقات الشابة مع خبرات المخرج، فتتجلى على الخشبة روح المسرح وعفويته في أبسط صورها، بسيناريو أشبه بالسيناريو الذي تلمس فيه جلال أولى خطواته نحو المسرح.
الطريق إلى المسرح
في روما ومن خلال منحة دراسية، التقى خالد جلال بالمخرج المسرحي ومدرب التمثيل الإيطالي دانيلو كريمونتي، حيث شارك في ورشة عمل امتدت لستة أشهر حول فلسفة الارتجال. ويبدو أن هذه المدة لم تكن كافية للتعرف عن قرب الى قواعد كريمونتي في فن الارتجال، لكنها فتحت أمامه نافذة أولى على منهج مختلف ظل أثره حاضرا في تجاربه اللاحقة. قدم كريمونتي ورشة في الأداء قبل أربع سنوات ضمن فعاليات الدورة 28 من "مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي"، ورغم أن الورشة لم تتجاوز خمسة أيام، إلا أنها لاقت إقبالا كبيرا من المسرحيين الشباب الذين أُتيحت لهم فرصة التدرب على تجسيد دوافعهم الشخصية، من خلال لغة الجسد وبمساعدة الإيقاع والصوت كلما اقتضت الحاجة، لخلق العلاقة المرجوة، سواء مع الآخر والجمهور أو مع الفضاء المسرحي نفسه.