في حضوره وفي غيابه، ترافق اسم حسن نصرالله مع الانتظار والجمود والمراحل الانتقالية في لبنان، مقابل الحركية العالية والبناء داخل جماعته المسلحة وطائفته. كان عامل تعطيل في الدولة والمجتمع اللبنانيين ليتسنى له فرض التغيير المطلوب في قلب الطائفة الشيعية.
وعلى خلاف مؤسس الحراك الشيعي اللبناني الحديث، السيد موسى الصدر، لم يكن نصرالله معنيا جدا بموقع الشيعة "في" الدولة بل كان هاجسه السيطرة عليها من خارجها. إنه تطبيق متأخر لمقولة ماو تسي تونغ عن المتن والهامش وتطويق الأرياف للمدن وحصارها ثم إسقاطها وما تمثل من سلطة برجوازية، أمام زحف الفلاحين، فيما كان اهتمامه ينصب على كيفية جعل المكون الشيعي أساسيا في تركيبة الدولة من الإدارة إلى التعليم إلى الأجهزة الأمنية. وعلى نقيض العمل على فرض إرادة الحزب الشيعي على بقية لبنان اعتمادا على القوة المسلحة، سعى الصدر، بإنشائه "حركة المحرومين–أفواج المقاومة اللبنانية" (أمل) إلى هدفين، الأول هو جذب الدولة إلى المعاناة الشيعية التي كانت تتمثل بين أواخر ستينات القرن الماضي وسبعيناته، بالحرمان من الخدمات العامة والتعرض المستمر للاعتداءات الإسرائيلية التي كانت تأتي غالبا ردا على عمليات مقاتلي "منظمة التحرير الفلسطينية" المتمركزين في جنوب لبنان. أما الهدف الثاني فكان، وقف التمدد اليساري (الشيوعي خصوصا) في الأوساط الشيعية في مرحلة كان فيها الإقطاع التقليدي قد فقد مبررات وجوده ولم يعد قادرا على مجاراة السلطة التي يسيرها من بيروت تحالف الموارنة والسنّة، وباتت أجزاء كبيرة من شيعة الجنوب والبقاع ونخبهم المثقفة وجيلهم الشاب، منتمية أو مؤيدة لأحزاب اليسار.
التجربة التي خاضها "الثنائي الشيعي" ("أمل" و"حزب الله") في المؤسسات العامة منذ نهاية الحرب الأهلية والتي تأخر "الحزب" عن الانخراط فيها، أسفرت عن نتائج كارثية على مستوى الفساد الرهيب والتعيينات المفروضة بقوة الولاء الحزبي وحشد المؤيدين في الإدارات التي صارت البطالة المقنعة سمتها الرئيسة. لم تكن فاعلية المؤسسات هي ما شغل بال "الحزب" والحركة، بل الحفاظ على حصة شيعية من الموالين "للثنائي" في المفاصل الرئيسة لأجهزة الدولة وإداراتها. ولم يبتدع "الثنائي" جديدا في المجال هذا، بل سار على نهج اعتمدته كل الطوائف اللبنانية وتكرس بعد "اتفاق الطائف" (1989) بحصر التعيينات في جميع وظائف الدولة، المهم والأقل أهمية وصولا إلى الرتب الدنيا، بيد زعيم الطائفة الذي يضمن من خلال الموظفين الذين يعينهم مصالحه في الحفاظ على مؤيدين له جاهزين لانتخابه كلما دعا الداعي وحراس لحصصه من تقاسم الصفقات في العقود والمشاريع والمقاولات التي تنفذها الدولة. وهذه ممارسة عامة تتجاوز لبنان وتتخذ صفة التعميم في بلدن عربية كثيرة حيث الولاء قبل الكفاءة.