مي التلمساني لـ"المجلة": ما زلنا مكبلين بمنجز الرواية العالمية

ترى أن الكتاب العرب لا يزالون زالوا في طور التقليد

Ulf Andersen/Getty Images
Ulf Andersen/Getty Images
الكاتبة المصرية مي التلمساني، باريس 2014

مي التلمساني لـ"المجلة": ما زلنا مكبلين بمنجز الرواية العالمية

مي التلمساني روائية وقاصة مصرية من مواليد عام 1965 بالقاهرة. تعمل أستاذة للدراسات العربية والسينمائية في جامعة أوتاوا بكندا. نشرت لها أربع روايات هي "دنيا زاد"، "هليوبوليس"، "أكابيللا" و"الكل يقول أحبك"، "للجنة سور" (يوميات)، وثلاث مجموعات قصصية.

تعد التلمساني من أبرز كاتبات جيل التسعينات في مصر، نالت جائزة الدولة التشجيعية في مصر قبل أكثر من 15 عاما عن روايتها "دنيا زاد"، التي ترصد تجربة الأمومة والفقد، وترجمت إلى ثماني لغات، كما حصلت على جائزة "آرت مار" من جنوب فرنسا، وهي تقيم منذ عام 1998 في مدينة مونتريال بكندا، كما حصلت في عام 2021 على وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة "فارس" اعترافا بجهودها في مجالات الثقافة والفنون والآداب.

إلى جانب الرواية تكتب التلمساني القصة والنقد، ومن مجموعاتها القصصية "نحت متكرر"، و"خيانات ذهنية"، و"عين سحرية". كما أن لها دراسات في مختلف مجالات النقد الثقافي، وترجمت دراساتها الأكاديمية من الفرنسية إلى العربية، ومنها "السينما العربية من الخليج إلى المحيط"، و"فؤاد التهامي وزهرة المستحيل"، و"لماذا نقرأ الأدب الكلاسيكي"، و"المدارس الجمالية الكبرى". هنا حوار "المجلة" معها.

لم أعرف الدوافع الحقيقية من جانب إدوار، خاصة أننا لم نتحدث مباشرة أثناء الكتابة والنشر، لكني أكيدة من أنه خصني بتجربة فريدة من نوعها

ما الهاجس الذي يحركك للكتابة؟

الكتابة هي المحرك الرئيس للحياة بالنسبة إلي. أصحو لأكتب، ليس بالضرورة أدبا خالصا، لكن فعل التدوين والتفكير من أجل الكتابة هو من أفعالي اليومية المحببة إلى قلبي، ربما سبيلا لمقاومة رتابة اليومي والعادي، أو وسيلة لإزجاء الوقت وقهر الزمن. أنتظر أن يقرأني أحد ما، مجهول، بلغة ما، عربية أو أجنبية، وأن أمس نقطة في قلبه وعقله. أن تقرأني امرأة ما، يوما ما، وتجد في ما أكتب عزاء أو جدوى. الكتابة فعل مقاومة لقبح العالم، لكنه بات فعلا يوميا، متواشجا مع الحياة ذاتها ولا ينفصل عنها.

مع إدوار الخراط

صدرت أخيرا روايتك "صدى يوم أخير" وهي ثنائية بينك وبين الروائي والناقد المصري الراحل إدوار الخراط، حدثينا عن هذه الرواية وظروف كتاباتها؟

كما قلت في مقدمة الرواية، هي تجربة مشتركة دعتني إليها مجلة "سيدتي" وقررت خوض المغامرة لأن الناشرة آنذاك، الكاتبة هاديا سعيد، أبلغتني برغبة إدوار في خوض المغامرة معي تحديدا. علمت من صديقنا المشترك الشاعر جمال القصاص بعد صدور الرواية عن "دار الشروق "العام الماضي، أنه وإدوار تحدثا عن إمكان خوض المغامرة معي. نشرت الرواية مسلسلة في مجلة "سيدتي"، ثم ضاع المخطوط زمنا حتى عثرت عليه وسعيت إلى نشره. 

الرواية إذن لم تكن ثمرة نقاش بينك وبين الخراط انتهى بمشروع كتابة مشتركة، بل كان مشروعا لإدوار خراط اختار له شريكا، ورغم علاقتك القوية مع الخراط فإنه لم يعرض عليك المشروع بشكل مباشر، لماذا؟

ربما لم نتواصل في تلك الآونة بسبب هجرتي إلى كندا. كنت ألتقيه في بيته في زياراتي السنوية لمصر، لكن لم تكن بيننا وسيلة اتصال هاتفية دولية في تلك السنوات، أعني في 2000 و2001. وصلتني على الفاكس الحلقة الأولى من طريق مجلة "سيدتي" وتوالت الحلقات حتى نشرنا ستة فصول على مدار ستة أشهر.

غلاف رواية "صدى يوم اخير"

أعتقد أن إدوار أراد خوض المغامرة بوصفها لعبة بين كاتبين من جيلين مختلفين. كنت أجهل حينذاك أن النص الذي وصلني على حلقات هو في الأساس قصة قصيرة كتبها إدوار وأراد ربما أن يطورها من خلال الحوار الدائر بيني وبينه. لم أعرف الدوافع الحقيقية من جانب إدوار، خاصة أننا لم نتحدث مباشرة أثناء الكتابة والنشر، لكني أكيدة من أنه خصني بتجربة فريدة من نوعها وأشعر بالامتنان له عليها.

زمن كوفيد

ماذا عن روايتك "الكل يقول أحبك"، ما الظروف التي جعلتك تشرعين في كتابتها؟

كتبت هذه الرواية في زمن كوفيد 19، وكتبتها دفعة واحدة، في ستة فصول استغرقت مني نحو ستة أشهر. الفصل الأول كتبته في 24 ساعة دون توقف وبلا لحظة راحة أو نوم. كانت القضية التي تشغلني هي قضية الحب عن بعد، حب الزوج أو الحبيب، وحب الوطن. كانت تشغلني أيضا قضية الخيانة الزوجية وكيف يجد لها الزوج مبررات متنوعة يأتي في مقدمها ابتعاده عن أسرته وميله لتنوع العلاقات الجسدية مع نساء مختلفات مع رغبته المستميتة في الحفاظ على زواجه قائما بدافع من حب التملك والسيطرة. أردت أيضا أن أربط هذه القضية بتهمة الخيانة التي يواجهها المهاجر حين يترك وطنه الأم ويسعى للعيش في وطن بديل بحثا عن ظروف حياة أو عمل أفضل. كل هذه الحكايات التي سمعت بها على مدار سنوات الهجرة والإقامة في كندا، أكدت لي أهمية الربط بين القضيتين، لا من منظور أخلاقي يدين الخيانة، ولكن من منظور مادي يفسر أسبابها ويفسر أيضا لماذا ترضى العشيقة (المرأة التي يحبها الزوج أو الوطن البديل) بفتات المحبة التي يلقيها الزوج أو المهاجر في علاقته بها. ثمة منطق نفعي ومتسلق يحكم تصرف العشيقة في معنى من المعاني، وقد أردت أن أبرز هذا المنطق أيضا وأن أسلط الضوء على نماذج مختلفة من المهاجرين، رجالا ونساء، ليسوا في الضرورة شياطين ولا ملائكة، وإنما بشر يسقطون وينهضون من كبواتهم بأشكال متنوعة.

ثمة منطق نفعي ومتسلق يحكم تصرف العشيقة في معنى من المعاني، وقد أردت أن أبرز هذا المنطق أيضا وأن أسلط الضوء على نماذج مختلفة من المهاجرين

لماذا اخترت في ذلك التوقيت مواجهة الواقع العربي للمهاجرين رغم أنك تقيمين منذ سنوات في كندا؟ وإلى أي مدى يمكن الاطمئنان فنيا إلى لعبة الذاكرة والحنين التي قام عليها السرد؟

التوقيت كان مهما بسبب الجائحة، فهي التي خلخلت العلاقة بين الأزواج كما تخيلتها في نهاية الرواية. كان السؤال الذي اختتمت به الرواية هو ماذا بعد؟ ماذا يحدث لو اضطر الزوجان للعودة الى العيش معا تحت سقف واحد؟ وبالتالي ماذا لو عاد المهاجرون الى أوطانهم بشكل مستدام؟ ليس هناك رد مباشر على هذا السؤال، لكنه يصلح في لحظة استثنائية مثل لحظة كتابة ونشر الرواية لأن يطرح نفسه على الشخصيات وعلى جمهور القراء أيضا. ثمة الملايين في العالم ممن يعانون من قضية الحب عن بعد، كيف يرون أنفسهم من خلال الرواية؟ وهل تصدق عليهم مقولة خيانة الوطن في ظل ظروف كوفيد القهرية؟ في ما يخص الحنين، أجد أن بعض الشخصيات، وخاصة نورهان عبد الحميد وهي الأقرب الى قلبي في هذا النص، تسقط في بئر بلا قرار، بدافع من عقلانية طاغية تحكم تصرفاتها واختياراتها.

غلاف رواية "الكل يقول أحبك"

أجد الحنين الى الوطن البديل يشوبه بعض الاستشراق، مثل حنين نورهان للإسكندرية رغم أنها ولدت وعاشت في مونتريال. فهي تزور المدينة كل عام لرؤية والدها وأخيها، لكن تصوراتها الذهنية عن المدينة تظل حاكمة لعلاقتها بوطن أبيها الأم، دون أن تتخلى عن مكانتها وحياتها المستقرة في كندا. الذاكرة في حالة شخصية بسام الحايك السورية، في المقابل، تنشأ من حنين جارف الى حلب التي غادرها ولم يعد إليها لمدة أربعين عاما، مع علمه بأن هذه المدينة القديمة لم يعد لها وجود على أرض الواقع. الذاكرة هنا تنتقي ما يناسبها لحظة الحنين، لكنها تتراجع عنه أيضا في مواجهة الواقع بشكل عقلاني ومجرد من شوائب الرومانسية. 

ضد الأحكام

عنوان الرواية يسخر من استسهال أبطالها لكلمة الحب، ومع ذلك تشعرين بالتعاطف الشديد مع كل أبطال الرواية، لماذا؟

لأني أحاول جاهدة ألا أصدر أحكاما أخلاقية بالخير أو بالشر على شخصياتي. داينا سليمان على سبيل المثل، هي جماع شخصيات انتهازية كثيرة قابلتها في حياتي، وهي على الرغم من انتهازيتها تتحلى بملامح إنسانية تنقذها من السقوط الكامل. كمهاجرة عربية ولدت في كندا، مثلها مثل نورهان، تصبح انتهازيتها موضع تحليل وليس موضع إدانة. أترك الإدانة للقارئ وأسعى للفهم وليس لتبرير الخيانة، كما قد يرى البعض بشكل سطحي. كذلك لا أنتصر بالضرورة لقيم الخير سوى لكونها تكشف عن أعماق الشخصيات ولن تجد لذلك شخصية واحدة أحادية، كلها خير أو كلها شر. تجاوز هذه الثنائية، هو ما يجعل الحب مسألة معضلة وإشكالية، وتستحق أن نكتب عنها مرات ومرات، كما أن من حق المرء أن يحب مرات ومرات.

الذاكرة تنتقي ما يناسبها لحظة الحنين، لكنها تتراجع عنه أيضا في مواجهة الواقع بشكل عقلاني ومجرد من شوائب الرومانسية


 قلت سابقا إنك لا تحبين ما أسميته الأكروبات اللغوية ولا الاستعراض اللغوي، كيف تترجمين ذلك في الرواية؟

أحاول قدر المستطاع التقشف في استخدام اللغة. لا أستسيغ مثلا الاستسلام للاستعارة. كما أفشل في "فلسفة" الكتابة الأدبية وأشعر لو فعلت بضرورة أني ألعب دورا لا يتفق مع إمكاناتي الإبداعية. أعتبر نفسي في المقام الأول والأخير صاحبة حكاية، أستطيع أن أغزلها قدر المستطاع لتكون صادقة، الحوار مثلا جزء من هذا الصدق الواقعي الذي سعيت إليه عامدة في هذه الرواية. وأستطيع من خلال الحكاية استدعاء قضايا تهمني، قضايا تخص الوجود، وقضايا تخص الكتابة ذاتها. هو سعي في المقام الأول لتجنب الإبهار بعناصر لا تخص الرواية كما أراها. النجاح أو الفشل في هذا المسعى لا يعنيني، ما يهمني هو المسعى في ذاته، والحركة الحاكمة لهذا المسعى بشكل مادي.

المهجر والذاكرة

تقمين في المهجر، ورغم ذلك تسحبك الذاكرة لكتابة ما مضى من حياتك في مصر. لم تستطيعي، إذن، الفرار من الذكريات...

وهل يستطيع أي منا ذلك. بسام الحايك السوري أكثر الشخصيات اقترابا من تلك الاستحالة في ظني. وهو يشعر أنه أشبه بقنديل البحر، تتكاثر ذكرياته كما تتكاثر ملايين السمكات، تطفو تارة وتعيد إنتاج نفسها من العدم تارة أخرى. لو لم تكن للإنسان ذكريات لاخترعها كي يستمر وجوده في الزمن، وكي يسيطر قدر إمكانه على محددات المكان الذي يحيا فيه.

غلاف رواية "دنيا زاد"

رواياتك تتميز بأنها تخييلية جدا وواقعية جدا، كيف تحققين ذلك؟

أعتقد أني حاولت الإفادة من نماذج عايشتها على مدار 28 سنة من الهجرة إلى كندا، ومن هنا واقعيتها والتصاقها بتجارب حقيقية كثيرة مر بها المهاجرون العرب، من العنصرية، إلى توافر فرص العمل والاستقرار المادي الخ. كما حاولت الابتعاد عن الكليشيه، ما نتوقع أن نقرأه عن المهاجرين في أوطاننا الأم. المسألة أعقد من خيالنا بكثير والواقع يفوق الخيال أحيانا.

لو لم تكن للإنسان ذكريات لاخترعها كي يستمر وجوده في الزمن، وكي يسيطر قدر إمكانه على محددات المكان الذي يحيا فيه


أصبحت الرواية، اليوم، شديدة التكيف مع راهن الواقع العربي، ومشتبكة معه في متغيراته، وتكتسب، كل يوم، المزيد من التقنيات والأساليب الجديدة، حتى تؤسس خصوصيتها العربية، كيف ترين ذلك؟

أتفق مع ذلك. ثمة تجاوز حتى لشكل الرواية التقليدي، وأجد تيارا كاملا من الكتاب الرحل، ممن دفعتهم ظروف أوطانهم للهجرة أو النأي، يكتبون عن خبراتهم في الأوطان البديلة ويرونها بعين النقد كما يرون إشكاليات الانحطاط والفساد في أوطانهم الأم مما ينعكس على أعمالهم الأدبية بالإيجاب. التكيف مع الراهن العربي تيار آخر، أكثر انتشارا، وبعضه لن يصمد أمام اختبار الزمن، ربما يحظى بتقدير قارئ اليوم لكني أتنبأ أن القارئ بعد مائة سنة لن يعيره أي اهتمام. لكننا في الأحوال كافة، ولا أستثني نفسي من هذا التقييم السريع، لم نؤسس لخصوصية عربية، الا في استخدامات اللغة. أما من ناحية الأساليب والتقنيات فما زلنا في طور التقليد، مكبلين ربما بمنجز الرواية العالمية الأوروبية والآسيوية، والعالم يسبقنا بعقود. العالم الحر ينتج أدبا حرا.

Raphael GAILLARDE/Gamma-Rapho via Getty Images
الكاتبة مي التلمساني، فرنسا 2000

الرحلة

بدأت الكتابة في تسعينات القرن الماضي، أخبرينا عن هذه الرحلة، ماذا أخذت منك وماذا منحتك؟

الرحلة منحتني الثقة في الإنسانية رغم انحدارها المروع وسقوطها المدوي. الرحلة هي رحلة وصل وليست رحلة قطع، والوصل من شيم الكرام مهما ضنت عليهم الحياة بكرم مواز. ورغم ذلك أكرمتني الحياة بطاقة متجددة ربما كانت أصيلة وربما كانت ثقافية أوجدتها بدأب عبر سنوات عمري حتى الآن. فكلما وقعت في بئر بلا قرار، انفتحت أمامي طاقة خروج، فرصة للصعود والطفو في اتجاه السطح، متكئة أحيانا على الكتابة وأحيانا على أحبائي القريبين والبعيدين. كل سقوط تستتبعه فرصة للنهوض من جديد، شأن سيزيف. شأن الحياة ذاتها.

غلاف رواية "للجنة سور"

قارئ كتاباتك يجدها تروي سيرتك وحكايا وثيقة الصلة بك وغالبا ما تكون السيرة الذاتية هي آخر ما يخطه قلم الكاتب، فلماذا جاءت السيرة في البداية؟

هي سيرة تكتب من موقع الخيال، وليس من موقع الحقيقة المطلقة. معظم ما أكتب ملتصق بشق من حياتي اليومية، ربما على غرار كتابات الروائية الفرنسية آني إرنو. لكن حجم الخيال في ما أكتب أكبر من الواقع. الحدث الذاتي يصبح هنا متكأ للتفكير في احتمالات تطوره. اسأل نفسي كثيرا سؤال "ماذا لو" حدث هذا أو ذاك. على سبيل المثل في "دنيازاد"، موت الجنين واقع، ينفتح على سؤال ماذا لو كان فقد الابنة مدخلا لمشاعر فقد أخرى، مثل فقدان البيت أو وفاة صديق، وكلاهما لم يحدث في سيرتي الذاتية. في "هليوبوليس" أتخيل حياة فتاة تدعى ميكي، ولدت مثلي عام 1965 وعاشت طفولتها في حي مصر الجديدة مثلي، لكنها تنخرط في سياقات لا علاقة لها مطلقا بسيرتي الذاتية، وخاصة سياق العلاقة بنساء العائلة، ومعظمه متخيل. أما "للجنة سور" فهي يوميات عن السفر والغربة والعودة والترحال، وكلها مشاهد من السيرة اليومية ومن سيرة الأفكار أيضا، مثل فكرة الحركة التي تصل النصوص بعضها ببعض.

الهاجس

الخوف من التوقف عن الكتابة يدفع البعض للاستمرار. هل لديك هذه الهاجس؟

أحيا بهذا الهاجس وأتحايل عليه بأشكال متنوعة. أعرف الآن عن نفسي عدم القدرة على الانتظام الصارم في الكتابة. كما أعرف أني سأكتب عشرات الصفحات وأمزقها وأعيد كتابتها عشرات المرات طالما لم أرض عن هذه الكتابة. أعرف أيضا أني أبحث عن التجديد، لا أعيد إنتاج نصوص غيري، سواء كانت أدبية أو سينمائية أو فنية، لا أحب التقليد ولا الاستسهال، أحب أن أدهش نفسي أولا قبل إدهاش القارئ. ربما لا يدرك القراء هذا اليوم، لكني أعول على تاريخ الأدب ليميز بين الغث والثمين. وحتى إن لم يحدث هذا التمييز في وجودي، أو لو لم يحدث مطلقا، فيكفيني اليوم أني راضية عن مساعي التجديد والصدق في السعي.

يكفي أن نتابع حركة الكتابة العربية والدولية لندرك المكانة التي تحتلها الكاتبات من النساء في مجالات الإبداع كافة

 البعض لا يزال ينظر إلى العمل الروائي النسائي على أنه ضلع ناقص رغم مشاركة المرأة الرجل بل تفوقها عليه في أحيان كثيرة...

هذا التصور القديم في اعتقادي يتراجع باطراد. يكفي أن نتابع حركة الكتابة العربية والدولية لندرك المكانة التي تحتلها الكاتبات من النساء في مجالات الإبداع كافة، سواء الروائي والقصصي والشعري.

الجوائز

حصلت عام 2021 على وسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة "فارس"، كما وصلت بعض أعمالك الى قوائم "بوكر"، فهل الحصول على جائزة ما هو فخ كبير للمبدع الحقيقي يمكن أن يلهيه ويسقطه في الشهرة الزائفة وحب الظهور والابتعاد عن العمق؟

قد يكون فخا بسبب الضغط الإعلامي والشعبي، ويضع الكاتب في مأزق قد لا يخرج منه أبدا. في ما يخصني، سعادتي بالوسام سعادة وقتية محددة ولا تعني سوى التكريم لما أمثله في الساحة الثقافية الآن. أما المستقبل، مستقبل الكتابة، ففي علم الغيب، لا سيطرة لي عليه سوى في السعي لإتمام مشروع بدأته منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، لو تم لكان مصدر سعادة بالنسبة إلي. وتمامه لا يكون بالحصول على جائزة، تمامه يكون بالرضا عما أكتب.

Ulf Andersen/Getty Images
الكاتبة المصرية مي التلمساني، باريس 2014

ما مشاريعك المقبلة؟

أكتب رواية باللغة الفرنسية، بدأتها عام 2004 ولم أتممها إلى اليوم. أملي ألا تنتهي السنة الستين من عمري إلا وقد أكملتها. والمشروع الجديد هو ترجمتي لرواية "الكل يقول أحبك" إلى الفرنسية ودفعها للنشر في مونتريال. أقوم بالترجمة بنفسي في ظل غياب المترجمين الفرنسيين الذين اعتمدت عليهم في السابق. لكنها مغامرة من نوع جديد، وتتفق مع روحي المغامرة في الكتابة. فلنر ما الذي تسفر عنه.

font change

مقالات ذات صلة