الكاتبة الإيطالية ماريلو أوليفا لـ "المجلة": أسعى إلى إبراز دور النساء في الأساطير

تمزج بين الأجناس لمخاطبة القارئ المعاصر

Rosdiana Ciaravolo/Getty Images
Rosdiana Ciaravolo/Getty Images
الكاتبة ماريلو أوليفا في مهرجان نوار، ميلانو – إيطاليا، 2016

الكاتبة الإيطالية ماريلو أوليفا لـ "المجلة": أسعى إلى إبراز دور النساء في الأساطير

ماريلو أوليفا روائية ومُحاضرة في الأدب وكاتبة مقالات مولودة في مدينة بولونيا الإيطالية عام 1975، تشمل أعمالها إعادة سرد الأساطير، والروايات التاريخية، وروايات بوليسية، بالإضافة إلى المقالات التي تركز على قضايا النوع الاجتماعي. وتُعرف بإعادة قراءتها النسوية للملاحم الكلاسيكية، حيث تعيد صياغة السرديات القديمة من خلال أصوات نسائية.

روايتها التاريخية "بياض الثلج في القرن العشرين" تربط بين بولونيا في ثمانينات القرن الماضي ومآسي معسكر بوخنفالد وهو معسكر اعتقال نازي في ألمانيا، بينما تمزج رواياتها البوليسية بين البحث العلمي وتحليل الأحلام. تُعد أوليفا من أبرز المدافعين عن القضايا النسوية، وتؤمن بقدرة الأدب على منح الصوت لمن تم إسكاتهم. هنا حوار "المجلة" معها.

جمعتِ في كتابك"أطلس الأسطورة الشهي" بين شغفكِ بالأساطير الرومانية ومعرفتكِ بوصفات الطعام في العصور القديمة، وهل واجهتِ تحديا أثناء إعداد الكتاب؟

كان الإعداد لهذا الكتاب مغامرة شيقة للغاية بالنسبة إلي، إذ أتاح لي التعمق في ثقافة فن الطهي لدى القدماء، بالإضافة إلى معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

كان الانتقال من الجوانب الأسطورية إلى الجوانب الملموسة للوصفات التي يمكن تطبيقها حتى مع المكونات المعاصرة، تحديا ممتعا للغاية. ولدت فكرة هذا الكتاب من شغفين عظيمين: الأساطير وفن الطهي.

لم يكن عملي إعادة كتابة، بل نقشا: فكما ينحت الحجر الرخام، سعيت لإبراز هذه الشخصيات النسائية


 انطلاقا من أساس تاريخي-أنثروبولوجي، حول ما كان الناس يأكلونه حقا في ذلك الوقت، ومتى كانوا يتناولون الطعام، وكيف كانوا يحفظونه، تعمقت في مجال الأسطورة، واختتمت كل فصل بقائمة طعام استخدمت فيها وصفات ذلك الزمن، إضافة إلى ابتكاراتي الخاصة. هذه أطباق صحية، ملونة، ولذيذة، تعكس روح عصر اتسم باحترام الطبيعة، وبالتالي بميل فطري نحو الخضرة.

غلاف كتاب "أطلس الأسطورة الشهي"

لمسة سحرية

من خلال هذه الدراسة لأساليب ووصفات الطعام القديمة، ما الفرق الذي لاحظته؟

كان لدى القدماء تصور مثير للعالم ومنتجاته، وكأن كل عنصر فيه كان ينبض بالحياة أو أنه نتاج لمسة سحرية. لم يكن هناك أي شيء بالمصادفة، كل شيء خضع لتكوين خيالي، وكانت بعض الأطعمة تستهلك وفقا لطقوس محددة.

على سبيل المثال، كان القدماء يقدسون الينابيع والأنهار. وكانوا يعتقدون أن البحار تسكنها مخلوقات هجينة ذات ذيول أو وحوش. في قصائد هوميروس، كان الأبطال يحتفلون بالتضحيات في كل لحظة تعتبر مهمة: جنازة، انتصار، رحلة، أمنية تتطلب مساعدة آلة الأولمب.

غلاف كتاب "الأوديسة كما روتها بينيلوب، كيركي، كاليبسـو وغيرهن"

ما الذي دفعك لإعادة كتابة الأساطير الكلاسيكية بصوت أنثوي؟

كان هدفي إعطاء صوت ورؤية للنساء اللواتي، على مر آلاف السنين، بقين على الهامش وقليلات الكلام. لم يكن عملي إعادة كتابة، بل نقشا: فكما ينحت الحجر الرخام، سعيت لإبراز هذه الشخصيات النسائية. الأوديسة، على سبيل المثال، كتاب للنساء فيه دور خاص. لكنهن كن موجودات بالفعل، مستعدات لأن يُسمع صوتهن. لكل منهن قوتها وشخصيتها، كاليبسو الطائشة التي تريد التمسك بأوديسيوس كأنه فتى مُدلل، أثينا المتعددة الأوجه التي تراقب البطل وتقدم له المشورة، سيرس التي تحاول إغراق الرجال لتتجنب قسوتهم عليها، بينيلوب التي تمثل الصورة الأنثوية لزوجها، بمكرها وحكمته. جميعهن نساء عظيمات، بمن فيهن الجارية، الممرضة يوريكليا، التي اعتادت البقاء في الخلفية، ومع ذلك أثبتت هي الأخرى أن قيمتها لا تقدر بثمن. من دون هؤلاء النساء، سيكون البطل في ورطة حقيقية.

Rosdiana Ciaravolo/Getty Images
الكاتبة ماريلو أوليفا في مهرجان نوار السينمائي ، ميلانو – إيطاليا، 2016

أصالة النصوص

كيف حافظت على الصوت الفريد لكل شخصية مع خلق سرد متماسك يعكس رؤيتكِ للبطولة والمأساة؟

في جميع كتبي، حاولت الحفاظ على البنية الأصلية. قرأت العمل جيدا، وأعدت صياغته، مستفيدة من معرفتي باليونانية القديمة. ثم واصلت باستخدام تقنيات مثل التركيب والحذف، مع القليل جدا من المؤثرات على بنية السرد، التي لا تزال مطابقة تقريبا لبنية هوميروس. كل ما كتبته، الأحداث والأماكن والحوارات، موجودة في النص الأصلي، لكنني حاولت دمج السرد بإيقاع يناسب ذوق القارئ المعاصر، متجنبة بذلك التكرار.

على الأدب ببساطة أن يؤدي وظيفته، أن يقدم لنا قصصا جميلة تحرك مشاعرنا وتعطينا منظورا جديدا للعالم


سمحت لنفسي ببعض الحرية في التعامل مع الروح البشرية، وكان الهدف إعطاء سمات مميزة للأصوات النسائية المتنوعة التي تشكل فصول الكتب. حاولت الانتباه لكل شيء، لأنني كنت أتعامل مع موضوع مقدس بالنسبة إلي، وكان الجزء الأصعب هو التدقيق والمقارنة المستمرة مع النص الأصلي حتى لا أسيء إلى أصالة النص.

Rosdiana Ciaravolo/Getty Images
الكاتبة ماريلو أوليفا خلال تقديم روايتها "هذا الكتاب غير موجود" في مهرجان نوار، ميلانو – إيطاليا، 2016

مساواة

هل تعتقدين أن الأدب قادر بالفعل على إعادة كتابة التاريخ، أم أنه يُعيد تخيله فحسب؟

الأدب والتاريخ لا يتطابقان. للأسف، حتى التاريخ والتأريخ يختلفان أحيانا. يجب على الأدب ببساطة أن يؤدي وظيفته، أن يقدم لنا قصصا جميلة تحرك مشاعرنا وتعطينا منظورا جديدا للعالم.

بدأتِ مسيرتك الإبداعية بأدب الجريمة ثم انتقلت إلى الأساطير، مع الحفاظ على خيط نسوي في كل أعمالك. ما الرابط بين هذين المسارين؟

الرابط هو المرأة وعدم المساواة بين الجنسين. ما سُلب منا وما زال علينا تجاوزه. لقد أحرزنا تقدما كبيرا على مر القرون، بالطبع. ولكن لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به.

كتبت للأطفال كتابا بعنوان "الرحلة المميتة" لتقديم الأساطير اليونانية والرومانية، إلى أي مدى احتجت إلى تغيير أسلوبك السردي للوصول إلى قارئ مختلف؟

كونه كتابا موجها للأطفال، فقد استخدمت أسلوبا أدبيا بسيطا ليتناسب مع المرحلة العمرية التي أكتب لها. كانت كتابته سهلة، لأني تعاونت مع ابني ماتيو في كتابته، وهذا ما سهل مهمتي كثيرا، حيث شاركني منظوره الطفولي للعالم.

font change