بيروت- شهد لبنان في الأسابيع الأخيرة تحوّلا نوعيا في أداء الدولة حيال ملف المخدرات الذي لطالما أثار انتقادات عربية ودولية واسعة، بعدما تحوّلت حدود البلاد ومرافقها إلى منصة لإنتاج وتهريب حبوب "الكبتاغون". ومع كل شحنة مضبوطة في ميناء أو مطار، كانت سمعت لبنان تتآكل، فعلى مدار سنوات، أُغرِقت أنحاء الشرق الأوسط، لا سيما دول الخليج العربي، بـ"كوكايين الفقراء"، وضُبِطَت شحنات متتالية من هذا العقار في السعودية والكويت والأردن ومصر قادمة من لبنان وسوريا اللذين أصبحا البلدين الأبرز في تصنيع وتصدير هذه الحبوب بالمنطقة.
من حشيشة الكيف إلى "إمبراطورية الكبتاغون"
منذ أكثر من نصف قرن، ارتبط اسم البقاع شرق لبنان، الممتد من منطقة بعلبك إلى الهرمل بزراعة حشيشة الكيف والأفيون، كجزءٍ من اقتصاد تغذّيه هشاشة الدولة والفقر المزمن في القرى. ورغم ادعاء الدولة محاربة هذه الزراعة عبر إتلاف المحاصيل بين فترة وأخرى، فإن سياسة التغاضي كانت سائدة في تلك المرحلة نظرا لغياب الإنماء عن تلك المناطق وتأمين البدائل للمزارعين. لكن ما كان تجارة محلية الطابع تحوّل، مع اندلاع الحرب السورية عام 2011، إلى صناعة إقليمية ضخمة: صناعة الكبتاغون، حبوب بيضاء صغيرة رخيصة وعالية الربحية. تكاليف إنتاج الحبة لا تتجاوز دولارا واحدا، بينما تباع في أسواق عربية بعشرين ضعفا. ومع ارتفاع وتيرة التهريب وسيطرة "حزب الله" على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا فتح الباب أمام شبكات تهريب متداخلة، تضمّ عائلات وعشائر محلية، مهرّبين محترفين، وأطرافا عسكرية وسياسية استفادت من هذه "الإمبراطورية".