مع تسارع التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والنماذج اللغوية الكبرى، لم يعد قطاع الترجمة في منأى من التأثيرات التقنية التي تغير طبيعة العمل وفرصه، لا بل كان هذا القطاع في صدارة القطاعات التي ألقت التقنيات الجديدة بظلالها عليها. ويحتدم الجدال اليوم في شأن ما إذا كانت هذه الثورة التقنية مجرد محطة تطورية جديدة من محطات الترجمة الآلية التي بدأت على نطاق محدود في سبعينات القرن العشرين، وما برحت تتطور، أم أنها هذه المرة تمثل تهديدا وجوديا لدور المترجم البشري.
قبل فترة قصيرة، نظم "معهد اللغويين المجازين" في المملكة المتحدة، ندوة حضرها نحو 300 مترجم عبر الإنترنت، انقسمت آراؤهم في استطلاع للرأي بين من رأوا في هذه الأدوات فرصة لزيادة الإنتاجية والنهوض بالقطاع، وبين من أعربوا عن توجسهم في شأن مستقبلهم المهني في ظل هذا التحول المتسارع.
كما اشتكى عدد من المترجمين من تراجع فرص العمل وتنامي الضغوط على الأجور، إذ يجدون أنفسهم أمام مساومات غير مسبوقة من العملاء الذين يقترحون إدماج هذه الأدوات لتوفير الوقت والتكلفة. ينطبق هذا بشكل خاص على شريحة المترجمين المستقلين، الذين يشكلون النسبة الكبرى من العاملين في المجال.
على الجانب الآخر، يؤكد كثيرون أن للمترجم البشري دورا لا يمكن الاستغناء عنه، انطلاقا من خبرته الثقافية وقدرته على صوغ النصوص بروح وحساسية قد تعجز عنهما الخوارزميات. كما يثير آخرون مسألة حماية البيانات في مجالات حساسة، فضلا عن الطابع الذي "يخلو من الروح" للترجمة الآلية، خصوصا حين يتعلق الأمر بالنصوص الأدبية كالشعر والرواية والمسرح.